من المعروف ان التغيرات في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البيئة العراقية قد استوجبت وجود جهة مستقلة تقوم بعملية الرقابة والاشراف والتوجيه لتقييم سير العمل داخل الاجهزة الحكومية للتأكد من ان الموارد المالية والبشرية المتاحة قد استخدمت وفقا لما خطط لها وتلبية لحاجة عدد من الاطراف التي تستخدم القوائم المدققة وتعتمدها في اتخاذ قراراتها. ولهذا كله ولد ديوان الرقابة المالية في العراق للقيام بهذه الوظيفة.
ومن الانصاف الاعتراف بالدور الكبير الذي نهض به الديوان منذ تأسيسه في اجراء عملية التدقيق على وزارات الدولة والجهات غير المرتبطة بوزارة واظهار جوانب الانحراف في اعمالها واتخاذ الاجراءات الواجبة لإزالة الخلل. ولكن السؤال المهم لماذا عجز هذا الجهاز عن استئصال الفساد والفاسدين من جهاز الدولة في السنوات الاخيرة؟
فقد اظهرت تقارير الديوان للأشهر الثلاثة الاولى من عام 2019 ان اغلب الشركات تظهر عجزا مستمرا منذ السنوات السابقة بالإضافة الى تجاوز العجز المتراكم لا غلب تلك الشركات نسبة 50 في المائة من رأسمالها وهذا يعطي الدليل على ان الوزارات المشرفة عليها لم تجر التقييم الاقتصادي المطلوب لعملها وتقديمه الى مجلس الوزراء. وان وزارات اخرى تتصرف في انفاقها اليومي خلاف لقانون الموازنة السنوية من خلال التجاوز على الموازنة الاستثمارية لأغراض تشغيلية وهذ هو من بين أسباب توقف المشاريع الاستثمارية مع ما فيه من اضرار اقتصادية في مجال انتاج السلع والخدمات.
والاهم من كل ما تقدم اظهرت تقارير الديوان مخالفات كبيرة في العقود المبرمة بعضها شكلية واخرى جوهرية ومنها على سبيل المثال عدم استكمال المعطيات المطلوبة في استمارة المعلومات الخاصة بملحق العقد علما بان الوزارات تؤجل بعض نواقص العقود الى عقود ملحقة ولكنها لم تكمل تلك العقود وهذا وجه اخر للفساد وايهام الحكومة بما يجرى في هذه الوزارات. ومن امثلتها ايضا عدم قيام بعض الجهات بمفاتحة وزارة التخطيط لغرض التحقق من صحة وسلامة موقف الجهات المتعاقد معها من الناحية القانونية وما اذا كانت مدرجة ضمن القائمة السوداء وعدم تقديم براءة الذمم من قبل المقاول وهذا غيض من فيض من المخالفات المرتكبة في معظم الجهات الحكومية التي اظهرتها تقارير الرقابة المالية مما يترتب عليه، وهذا هو الأخطر، عدم او ضعف الانجاز من قبل الشركات المتعاقد معها ما يظهر الخلل الكبير في عمل جهاز الدولة وحجم الفساد المستشري فيها.
وامام هذه المخالفات الخطيرة في عمل الوزارات ومنعا لاستفحال ظاهرة الفساد واستمرار عوامله المباشرة وغير المباشرة، لابد للدولة ان تتخذ حزمة من القرارات الجذرية للحد من ضياع الثروة عبر الفساد والهدر المالي ومعالجة الظواهر الاجتماعية المستفحلة تتمثل في تحسين الاداء الرقابي على سير عمل الحكومة وبهذا المجال نقترح ما يلي:
1. ايلاء اهتمام كبير في التركيز على عملية الانفاق الجاري والاستثماري المحدد بالموازنات السنوية وتفعيل دور ديوان الرقابة المالية في مراقبة تنفيذ القوانين ذات الصلة بالمخالفات المالية على اختلاف احجامها بدون مواربة من جهة ادارية وسياسية مهما علا شانها والتنسيق التام مع السلطة القضائية في محاسبة الفاسدين واستعادة الاموال المسروقة او المهدورة.
2. ونظرا للخبرات الغزيرة والمتراكمة في ديوان الرقابة المالية فان الحاجة اصبحت ماسة حاليا لاعتبار هذا الديوان هو السلطة المركزية الوحيدة المسؤولة عن الاموال العامة وتنشيط دوره في تنفيذ قانون الرقابة المالية رقم 31 لسنة 2011 وانهاء تعدد الاجهزة الرقابية التي لم يسفر تشتتها الا الى مزيد من هدر الثروة والمال العام ونشوء طبقة اوليغارشية مهيمنة على مقدرات الدولة.
3. وضع استراتيجية مركزية للرقابة المالية تتسم بالشمولية والوضوح والعمل الجاد على بناء جهاز رقابي كفوء يمتلك كافة ادوات الرقابة من خلال ادخال التكنولوجية الحديثة من اجل توفير التقارير الضرورية التي تلبي حاجة الدولة بما فيها مجلس النواب بوصفه الجهاز الرقابي الاعلى وتوفير الحسابات الختامية قبل مناقشة الموازنات السنوية.

عرض مقالات: