يلجأ بعض المسؤولين أحياناً إلى حلول أو معالجات، لا يمكن وصفها إلا بالترقيعية، لمشاكل وصعوبات قد تكون كبيرة، ولا تنفع معها إلا المعالجات الجذرية، التي تتصدى لأسبابها الحقيقية وتعمل على إزالتها، أو التخفيف منها، وتمنع تكرارها مستقبلا.

ولا شك أن هناك صعوبة في الإحاطة بكل الأسباب والدوافع الحقيقية، التي تجعل المسؤول كفرد أو كمجموعة، يبتعد عن المعالجات السليمة، مع أنها واضحة وضوح الشمس في كثير من الأحيان، ويلجأ بدلاً عن ذلك إلى إجراءات بعيدة كل البعد عن جوهر المشكلة التي تطرق الأبواب بقوة وإلحاح.

هل هو قصور في الوعي وعدم القدرة على التشخيص الصحيح؟ أم أن اللامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية هما السبب في ذلك؟ أم أن رغد العيش الذي يعيش المتنفذون في بحبوحته، يخلق جداراً لا يرون من ورائه، ما يعانيه المحرومون والمعدمون من أبناء شعبهم؟

وربما يكمن السبب في إدراكهم لطبيعة المرحلة، والخراب الذي يلف البلد من أقصاه إلى أقصاه، بحيث يتعذر عليهم القيام بالمعالجات المطلوبة، فيضطرون إلى الترقيع، لعل فيه شيئاً من الفائدة!

إن القرار اللاواقعي الأخير، بوضع سياجات على الجسور، بارتفاع مترين، لمنع حالات الانتحار وخاصة بين الشباب والنساء، التي أصبحت ظاهرة  في الفترة الأخيرة، ودقت ناقوس الخطر الذي يفترض أن يسمعه  حتى من به صمم سياسي، أو اجتماعي، وقبله الهوس الجماعي ببناء الخنادق والاسيجة الأمنية حول المدن والمحافظات ومنها العاصمة بغداد، لحمايتها من الإرهابيين، كذلك المعالجة الكاريكاتيرية لملوحة شط العرب، وانقطاع الماء الصالح للشرب عن أهالي البصرة في الصيف الماضي، عندما أرسلت إليها صهاريج ماء لا تكفيها سوى أيام أو ساعات معدودة، وغيرها الكثير من الحالات المشابهة التي لا تدل إلا على قصر نظر سياسي فاضح، وعدم إلمام بطبيعة وحجم المشاكل التي يعاني منها أبناء هذه المناطق والعراقيون عموماً.

إن حالات الانتحار ظاهرة جديدة وغريبة على المجتمع العراقي، وهي محرمة في جميع الأديان السماوية، والإسلام هو الأكثر تشدداً في تحريمها، فلماذا ينتحر العراقيون يا ترى؟

الأسباب والدوافع عديدة كما نرى، وأولها البطالة وعدم القدرة على توفير العيش الكريم للعائلة، كذلك شرعنة الطائفية السياسية والمحاصصة المقيتة، اللتين أنتجتا ثمرات مرّة، منها عدم الشعور بالأمان نتيجة الإرهاب والعنف اليومي على اختلاف ممارسيه، والمحسوبية والمنسوبية والفساد المستشري إلى حد النخاع في الدولة والمجتمع، وغياب الخدمات من ماء وكهرباء وصحة وتعليم وسكن لائق بالبشر، وتفاوت طبقي صارخ بين من يملك المليارات عن طريق الحواسم والرشى، ومن لا يجدون قوت أطفالهم، فضلاً عن العادات البالية وقيم التخلف السائدة في هذا المجتمع البائس، ودون أن ننسى آفة المخدرات وعواقبها الكارثية.

هذه الخطايا هي التي تجب معالجتها والتكفير عنها من قبل صناع القرار السياسي، والذين بأيديهم مفاتيح السلطة، بعد أن استحوذوا عليها في غفلة من الزمن، وليس بناء السياجات والخنادق، التي سيعتبرها أصحاب الضمائر الميتة منفذاً جديداً للسرقة وتكديس المال الحرام!

عرض مقالات: