كان يعتصرُ ألماً وحيرةً وهو يتحدّث عن ولده البكر. حديث مكرور عن حصّته المظلومة من الحظ في هذه الدنيا. بحث له عن تعيين حكومي حتى كلّ لسانه وأقدامه. ولم يستبق صديقاً إلّا وأوصاه بفرصة عمل للشاب المتخرّج حديثاً، والمرتبط بعلاقة محبّة وخطبة بابنة خالهِ. في انتظار أن يجد عملاً فيُعلن نفسه أهلاً للزواج فيتزوّج. أما الخطيبة (ابنة الخال)، فهي الأخرى من الباحثين عن عمل، إلّا أنّها أوفر حظاً من خطيبها. فقد وجدت لنفسها عملاً في مدرسة أهلية، صحيح أن راتبها كان ضئيلاً في بادئ الأمر، إلّا أنّها(فتاة) وليس لديها مصاريف كبيرة (حسب تعبير الأب المهموم بابنه).

 استوقفني هنا تعبيره (بأن راتبها ازداد لاحقاً!).

سألته: كيف ازداد راتب البنت، وهي في مدرسة أهلية؟ المدارس الأهلية لا تمنح في العادة من المرتّبات إلّا بشكل محدود، والسبب كثرة المعروض من المدرّسين والمُعلّمين الباحثين عن فرصة للعمل. يحدث هذا مع شحّة فُرص التعيين الحكومية.

أجابني بقصّة تفصيلية، لكنّها شيّقة، وستشرح لنا، كيف أن الفرصة هي التي تبحث في بعض الأحيان عمّن يلتقطها. البنت(الخطيبة)، تحمل اختصاص تدريس الرياضيات، لكنّها درست اللغة الفرنسية في الإعدادية، وهي مولعة بهذه اللغة. وعملت خلال سنوات دراستها على تطوير مهاراتها، فالتحقت بمعهد مختص بتدريس هذه اللغة. وحين حصلت في ما بعد على فرصة التدريس في متوسطة أهلية للبنات، اكتشفت أن هناك من يرغب بتشغيلها ساعات إضافية كمدرّسة للغات الأجنبية. وأن هناك المزيد من الطلبة يرغبون بدورات التقوية على اللغة. وهنا بدأت فرصتها تزدهر. لاحظت المديرة المشرفة أن هذه الفتاة موهوبة في تعليم اللغة، وهي موهوبة كذلك في طريقتها بتدريس اللغة. والمزيد من الطالبات بدأن يعشقن اللغة الأجنبية فقط لأن هذه الفتاة (المُدرّسة الناجحة) قد حببت إليهن ملاحقة اللغة الأجنبية، رغم صعوبتها. وهنا بدأ الطلب يزداد على جهود الفتاة. وتوالت العروض عليها، حتى فرضت راتباً مريحاً على مدرسة جديدة، في الوقت الذي تتقاضى فيه أجوراً عن الساعات التدريسية الإضافية التي تؤديها.

هنا استوقفت محدّثي وقلت: أما كان الأجدر بابنك أن يبحث عن فرصة مثل هذه، بدلاً من ضياع السنوات وهو ينتظر التعيين الحكومي؟ سمعت جملة طالما تكررت على آذاننا جميعاً، يا أخي التعيين ضمان للمستقبل!

نعم، فيه من الضمانات ما يكفي، لكن سوق الطلب على المدرّس الجيد والمثابر لن يتوقف أبداً. وهذه ضمانة لا تعادلها ضمانة أخرى. كانت خطيبة ابنك أكثر واقعية بعشرات المرّات من خطيبها(ابنك) الذي أرهقك وأنت تبحث له عن تعيين حكومي.

عرض مقالات: