يعتبر تأمين سكن لائق للمواطنين العراقيين التحدي الاكبر امام الحكومات العراقية خلال الفترة ما بعد التغيير في عام 2003 بسبب غياب التخطيط العقلاني لحل هذه الازمة التي تراكمت منذ ثمانينيات القرن الماضي والتي تعتبر قاعدة الهرم في احتياجات المواطنين، وازمة السكن في بلادنا تعتبر الاسوأ بالمقارنة مع بعض دول الجوار التي وفرت السكن ليس لمواطنيها فحسب وانما لمواطني الدول الاخرى وبالاسعار السائدة وانطلاقا من ذلك فهل ننتظر حلا لهذ الازمة وفقا لآلية رئيس الوزراء التي اعلن عنها مؤخرا بتوفير مليون وحدة سكنية؟
ان هذه الازمة لم تأت الى العراق من تلقاء نفسها وانما سببتها الكثير من العوامل والتحديات التي عجزت الحكومات المتعاقبة عن معالجتها وفق خطة ملموسة بل كانت دعاية لأغراض انتخابية تتاجر بها طيلة الفترة الماضية رغم تعاظم عدد السكان. فحسب احصاءات وزارة التخطيط في عام 2018 يقدر عدد السكان بأكثر من 37 مليون نسمة وبمعدل نمو سكان سنوي ثابت 2.7 في المائة فيما تشير بعض الدراسات الى أن المعدل السنوي المركب لعام 2010 كان 7 في المائة مع استقرار لمتوسط حجم الاسرة عند (9.6 ) افراد وهذا هو السبب الاول في الازمة، اما السبب الثاني فيعود الى عدم المرونة في تصاميم المدن لتستوعب الضغوط العمرانية والتحولات الاقتصادية وسوء الاستخدام الامثل للارض في ضوء الطلب الاقتصادي والخدمي والسكني والتكامل الوظيفي للمستوطنات.
ولم تقف اسباب الازمة عند هذا الحد بل اقترنت بالاوضاع غير الطبيعية التي مرت بها البلاد المتمثلة بعدم توافر الاستقرار السياسي من جهة وتفاقم الانهيار الامني ودخول الارهاب وتخريب المدن نتيجة لسوء الادارة الحكومية سياسيا وامنيا فضلا عن سكوت الحكومات المتعاقبة عن الخروقات القصدية للتشريعات النافذة ومنها على سبيل المثال الخروج عن التصميم الاساسي للمدن وتجزئة الوحدت السكنية الى عدة وحدات بالاضافة الى تجزأة الاراضي الزراعية وتحويلها الى سكن في ظل تدهور الخدمات الاساسية كالماء والكهرباء والخدمات البلدية والبنية التحتية للمدارس والخطأ الحكومي الفادح في تقويض دور شركة المقاولات وفروعها التي تعرضت الى الاهمال المتعمد وتخريبها بعد الاحتلال وتلكؤ المشاريع الممولة من الدولة بفعل الفساد واسع الانتشار.
ان ازمة السكن انتجت لنا مشاكل كبيرة فعلى الصعيد الاجتماعي ازدادت نسبة الطلاق الى 40 في المائة بالاضافة الى انتشار السكن العشوائي الذي افقد المدن جماليتها وفاقم من سوء الخدمات وزاد من ارتفاع اسعار السكن شراء وايجارا والمتضرر من كل ذلك العوائل الفقيرة وذوو الدخل المحدود.
نستخلص مما تقدم ان تفاقم ازمة السكن بابعادها الاقتصادية والاجتماعية والخدمية تتطلب وضع استراتيجيات عقلانية بعيدة عن السطحية والوعود العقيمة وهذا يتم عبر خطط سنوية وخمسية من خلال تفعيل الدورالمباشر للدولة وتنشيط الاستثمار وتحسين بيئته وفي هذا المجال نقترح ما يلي:
• اعادة النظر بمعايير توزيع الدخل بين المواطنين وتمكين الاكثر احتياجا من الفقراء وذوي الدخل المحدود من الحصول على وحدات سكنية والاخذ بنظر الاعتبار مواجهة الانشطار الاسري ومستوى الاسعار في قطاع العقار.
• تغيير الانماط السكنية باعتماد السكن العمودي، بدلا من النمط الافقي الذي كان سببا في تفاقم ازمات السكن وخدمات الكهرباء والماء والمجاري والابتعاد عن آلية توزيع الاراض السكنية التي تؤدي الى الابقاء على الازمة وتعميق نتائجها الضارة، عبر نهج الاستثمار على غرار تجربتنا في مشروع بسماية ومجمع الزهور ومجمع ضفاف دجلة من خلال تخفيض الاسعار وتسهيل القروض بفوائد ميسرة ولآجال طويلة.
• اصدار التشريعات المناسبة للاسهام في حل الازمة بعدة اوجه ومنها قيام الوزارات بتخصيص اراضيها لاقامة مشاريع سكنية وفق النمط العمودي واستحداث دائرة متخصصة بادارة عملية الاسكان ترتبط برئاسة الوزراء وتمنح صلاحية استملاك اراض الدولة وتخصيصها للاستثمار في السكن بما فيها الاراضي العائدة لوزارة المالية وتفعيل مبادرة البنك المركزي في الاقراض وحتى الاراضي الزراعية البور المحاذية للمدن ان لم تكن مخصصة لمشاريع صناعية او مشاريع اقتصادية في قطاع الانتاج.

عرض مقالات: