التركيبة الطبقية للمجتمع العراقي حاليا

  vaيعتبر العلامة علي الوردي أول من تناول ظاهرة الطبقات الاجتماعية في العراق من منطلق سوسيولوجي علمي مشيراً إلى أنه بدون  دراسة التأثير المتبادل بين الحضارة والبداوة ، بين العشائرية والتمدن ، لا يمكن فهم طبيعة وشخصية الفرد العراقي.

إن معرفة التأثير الكبير للوعي العشائري الذي يتعايش مع الوعي التمدّني الحديث وكذلك معرفة التناسب بين العادات والتقاليد والأعراف العشائرية وبين الفكر السياسي لمنظمات المجتمع المختلفة [الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية والنقابية والمهنية]...الخ .

ان المجتمع العراقي حاليا مشوها , فلا يمكن ان تشخص تركيبة المجتمع العراقي في هذه الظروف بالمعني العلمي  , حيث الفوضى وفي جميع المجالات ,السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية.

لقد خلف النظام الديكتاتوري السابق اساسيات عامة على ضوء سياسته الهوجاء في الحروب والنزاعات الداخلية والخارجية وما نتج عنها من مجتمع متخلف فقير يعاني من الفقر التعليمي والاقتصادي وتشوه في الجانب الاجتماعي.

لقد  كلف العراق في حربه مع جيرانه الكثير ولازال شعبنا يعاني الكثير منها , الارامل والتي تعد بمئات الالاف والمعوقين والعجزه  والاطفال الايتام وغيرهم.

لقد تركت الحرب اوضاعا مأساوية في المجتمع ,حيث  يعيش حالة من الاغتراب الداخلي والركض وراء العيش من نظام مستبد وظالم , جعل الناس واكثرها مهمشة طالبة الاستمرار بالحياة بأي شكل , وهذه النتيجة وضعت المجتمع في صراع داخلي .

النظام استمر بالارهاب والقتل والاعتقال والسجن , اما زبانيته والانتهازيين فقد عاشوا بطرق مختلفة من خلال توسيع استغلال الناس والحصول على امتيازات في جميع جوانب الحياة المختلفة.

ترك النظام مجتمعا منهك غير قادر على تطور نفسه, الاكثرية الساحقة  فقيرة والاقلية من اصحاب رؤوس اموال قادرة ان تعيش في كنف النظام البرجوازي. حيث نشأت فئات من البيروقراطية والبرجوازية من العسكريين والمدنيين واصحاب العقارات والنفوذ,وعمت التجارة في بيع السلع المختلفة ونشأت برجوازية صغيرة لا دور لها وهي متذبذبة سياسا"مثلما هي متذبذبة في وضعها الاقتصادي.

 

سقوط النظام 2003

عند سقوط النظام كانت فوضى الحياة في المجتمع العراقي , بين التطلع الى تغير النظام وبين النظام وجلاوزته في الاستمرار في الحكم والاستغلال والبطش ...الخ وقد جاءت الحرب بتدخل خارجي علني ,بحجج مختلفة منها السلاح النووي وغيره من الحجج, في حين الاستراتيجية الامريكية قد وضعت خارطة جديدة للمنطقة ذات المصالح والتبعية لامريكا والدول الغربية وما نتج كان واضح في دول الجوار والدول الاقليمية والعربية ودور ما  تسمى بالخلافة الاسلامية (داعش ) في المنطقة برمتها.

الوضع بعد الحرب على العراق ممكن الاشاره له في النقاط التالية:

  • الحروب والإرهاب السابق والحالي ابعدت الكثير من المواطنين عن المؤسسات التعليمية .
  • تأثرت خراب الكثير من المؤسسات الانتاجية (المعامل ).
  • زيادة البطالة الى نسبة كبيرة .
  • ضعف مشاركة المراة في الحياة الانتاجية والخدمية
  • تهجير المواطنين من مناطقهم ولاسباب مختلفة
  • دور التدخل الامريكي في حصر الامور الحياتية , وقد اشار احد الباحثين الاستاذ فاخر جاسم الى ( لقد تم  سقوط  الدكتاتورية  نتيجة حرب خارجية شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا وبمساهمة محدودة من قوى المجتمع المدني، ونتيجة لذلك تم الحد من قدرة منظمات المجتمع المدني ، خاصة الأحزاب السياسية ، من القيام بدور فاعل بعد انهيار الدكتاتورية ، الأمر الذي سمح للمؤسسات التقليدية ومنها العشائرية بتعزيز دورها السياسي والاجتماعي)[1].
  •  سياسة المناورة  التي انتهجتها سلطة الاحتلال مع الأحزاب والقوى السياسية ، حيث عملت على اضعاف وحدتها وتهميش دورها السياسي من خلال مساعيها للمساومة مع  المؤسسة العشائرية وتقديم المكاسب السياسية لها عبر اعطاءها دورا كبيراً في مؤسسات السلطة بعد سقوط الدكتاتورية.
  • إن الهدف من هذه السياسة هو (كسب قاعدة اجتماعية ترتبط بسلطة الاحتلال ومشاريعها اللاحقة في العراق [2]).
  • اضافة الى ان الاحتلال لم يكن له الدور في لجم (الحواسم ) ومنها سرقة الاثار العراقية , واحتفظ فقط في وزارة النفط والذي ادى الى سرقة الكثير من مؤسسات الدولة. اعد هذه الجملة
  • ان الوضع الحالي نتيجة لتراكم حياة المجتمع العراقي منذ 40 عاما من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسيكولوجية وهنا اشير الى ان هذه المتغيرات بشكل سريع هي :
  • فئات هامشية )مهمشة )تعيش على قوت عملها اليومي وباشكال مختلفة. ايضا وبعضها ميليشات- عشائرية تعتبر من الفئات الكادحه تعيش على الجريمة والقتل والمخدرات لان السلطة غير قادرة على السيطرة عليها .(بعض الميليشات- العشائر ).جميعها تعتبر من الفئات الكادحه.
  • نتيجة لغلق بعض المعامل والمؤسسات ضعفت الطبقة العاملة وزادت البطالة في صفوفها مما ولد وضعا صعبا على ابناءها.( ولا نستطيع ان نقول الطبقة العاملة المنتجة كما نعرفها ) بل هناك بطالة مقنعة في المؤسسات الانتاجية.
  • وضع اجتماعي متقلب غير مضمون في الحياة المدنية, نتيجة الفقر وضعف الوعي.
  • اصبحت البرجوازية الصغيرة ذات دخل محدود وقتي وهي من اكثر الفئات متواصلة مع الحياة الجديدة وفي جميع المجالات.
  • دور الفلاحين( طبقة واسعة – ارتبطت بعلاقات اجتماعية عشائرية ) اصبحوا اكثر تمايزا ونشاطا , وهم أصاحب الانتاج الغذائي الاساسي(الحنطة والشعير والشلب وكذلك التمور والخضروات..الخ
  • ضعف الصناعة لاسبابها المعروفه وتوسع الزراعة لاسبابه ايضا.
  • مصادرة دور البرجوازية الوسطى صاحبة الدور الرئيسي في الاستقرار السياسي للمجتمع العراقي. الهاش كما ذكر وكيفية كتابته

(فاخر جاسم - تهميش دور الروابط الطبقية والاجتماعية بسبب انخفاض دور الإنتاج المادي في الحياة الاقتصادية وما نتج عنه من تفكك البنية الاجتماعية [تهميش الطبقة الوسطى، ضعف البرجوازية، فضلاً عن تهميش طبقة الكادحين] بحيث أصبح المجتمع العراقي ينقسم إلى فئة غنية {تجار سماسرة ، أصحاب عقارات} وأكثرية فقيرة معدمة).

يشير الباحث الدكتور صالح ياسر  (الى ان التحول في العراق جاء ذو طابعا طفيليا وبيروقراطيا وكومبرادوريا) ويؤكد الى ان النشاطات في مجال التداول وليس في مجال الانتاج وخلق القيم وتحصل هذه الفئات على مداخيل وتجني ارباحا من تلك الانشطة)[3].

من جانبي ارى ان هذا التقسيم غير واضح في العراق بشكله الجلي وهو تقسيم متداخل في نمط المداخيل وجني الارباح. مشيرا الى ان الكثير من القادة السياسيين والحكوميين وخاصة من للاحزاب الاسلامية اصبحوا من البرجوازية ( البيروقراطية ) والمتنفذين لما يملكه من العقارات التي تم بيعها لهم بابخس الاسعار نتيجة التواطئ من قبل المتنفذين وبعض الموظفين الفاسدين في السلطة واصبحوا من اصحاب الملايين (وهم مجموعة من المسؤولين والمتنفذين في السلطة منذ سقوط النظام من المدنيين والعسكريين وكبار الحاشية وغيرهم) .

حتى لو اصبح هؤلاء برجوازية كبيرة او متوسطة ,ليس لها اي تقاليد وممارسة عمليا في الحياة الطبيعية (لان الصدفة هي التي لعبت دورها في امتلاك هؤلاء المال والاستثمار والعقارات المختلفة – بساتين وبيوت وفنادق وغير ذلك ).

واذ نشير الى الاقليم فهو الاكثر وضوحا حيث عوائل متنفذة تملك الملايين من الدولارات والسلطة (هناك اسماء كثيرة) اضافة الى قادة الاحزاب الاسلامية و الملاكين والاغوات من البرجوازية الناشئة من اصحاب العقارات والمولات. في حين ان النسبة الكبيرة من الشعب الكردي في كردستان فقيرة ومعدمة , فلا يوجد انتاج ولا توجد معامل والناس تعيش على بيع السلع البسيطة التي توفر لها العيش اليومي, والحياة في كردستان تعيش على الحياة التجارية وهي ذات طابع ريعي ومعتمدا على انتاج النفط والسياحة الداخلية.

نعم راس المال هو الذي يوفر الفساد والاستغلال الوضيفي الوظيفي (يتخذ راس المال العامل في المجالات التي تنشط فيها البرجوازية الطفيلية سمات محددة ويقوم على استغلال النفوذ وممارسة الفساد , واستخدام قوى غير اقتصادية في التعامل وتحقيق الدخول والارباح الطائلة ويهيمن على  المضاربة الواسعة[4] ), وهذا يعكس مفهوم الحياة بشكل اخر حيث تعتاش هذه الفئات وغيرها على الفساد من خلال سيطرتها على مفاصل الدولة وضعفها وحتى اصدار القوانين والقرارات بما تخدم هذه الفئات.

ان شرائح المجتمع العراقي حاليا ليس على وضع مستقر ,توضح الصورة للمجتمع عندما يكون في حالة الاستقرار والسلم , وتتغير الصورة في حالة الفوضى وايضا عند الخصخصة والتي تؤدي الى نشؤء فئات وطبقات جديدة , لها علاقة في الانتاج والاستغلال والسيطرة ومركز القرار.

ان المجتمع العراقي يعيش حالة الامل الوقتي , لحياة جديدة تنشا تطورا اخر وفي جميع المجالات عند توفر الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية .

ان دور العوامل الاقتصادية – الاجتماعية كبيرا في تغير نمط الحياة العامة , وتشكل ــ

أ ــ ظاهرة الدين او الوعي الديني , جزء من العوامل  مرتبطة بالتقاليد الراسخة والوعي والمشاعر وغير ذلك.

ب ـ دور الحرب وشراء الاسلحة يؤدي الى التقليل من مساعدة الفقراء والمعدومين (الاعانات الاجتماعية او العمل على اعادة البناء في كافة المجالات) .

ج ـ الحرب الداخلية التي استنزفت القدرات المالية للبلد والذي  ولدت وضعا اجتماعيا واقتصاديا مربكا يؤدي بالتالي الى تشكيل طبقة كبيرة من الفقراء.

د ــ اضافة الى النهب والفساد , واطماع البلدان الاخرى الاقليمية و الاوربية ومنها الاتفاقيات مع العراق (وهو ضعيف الارادة ) حيث يحتاج مزيدا من المال لسد احياجاته.وكذلك صندوق النقد الدولي وشروطه المؤذية لشعبنا.

الخاتمة

ارى ان  الامور الاساسية هي ــ

1ــ  زيادة الوعي لدى الناس في مفهوم العدالة الاجتماعية بين المواطنين ومحاربة الفساد .

2 ــ العمل على تحريك الاقتصاد من خلال الدورة الاقتصادية وتنشيط عمل الانتاج في المؤسسات والمعامل.

3 ـ  المطالبة بتحسين ظروف حياة المواطنين وتحريكهم وتوعيتهم الى حقوقهم الاساسية .

4 ــ ويحتاج رفد الحركة العمالية ونقاباتها في القوانين التي ترفع من شأن العمال والكادحين وايجاد فرص عمل الى المهمشين والفقراء .

5 ـ الحاجة الى برنامج واسع تشارك فيه كل منظمات المجتمع العراقي.

******************

[1] موقع الناس الالكتروني الدكتور فاخر جاسم

[2] المصدر السابق

[3] دكتور صالح ياسر الثقافة الجديدة عدد382

[4] نفس المصدر السابق

 

عرض مقالات: