المقدمة:

  1. في كتاب اسطورة الادب الرفيع ص 73 كتب الراحل الوردي التالي: [فاللغة يجب ان تكون دقيقة في التعبير عن مقاصدها لكي تؤدي وظيفتها الاجتماعية تأدية وافية] انتهى

2.في ص16 مهزلة العقل البشري كتب: [لا يكفي ان تكون الفكرة صحيحة بحد ذاتها الاحرى بها ان تكون عملية ممكنة التطبيق وكثيرا ما تكون الأفكار التي يأتي بها الطوبائيون من أصحاب البرج العاجي رائعة ولكنها في الوقت ذاته عظيمة تضر الناس كثر مما تنفعهم. ووجدنا أصحاب الفكر القديم لا يميزون بين الممكن وغير الممكن من الأفكارهمهم ان يدرسوا الفكرة دراسة منطقية مجردة فإذا وجدوها جميلة ذات محاسن آمنو بها واندفعوا في الدعوة اليها اندفاعاً اعمى] انتهى

الموضوع: في هذا الجزء سأتطرق الى ما تفضل به الدكتور الراحل علي الوردي عن الحجاب وعلاقته بنشوء /انتشار/زيادة الانحراف الجنسي في العراق وازدواج شخصية الفرد العراقي... حيث كما لاحظتُ انه أخذ الكثير من وقت الراحل وتوالى ذكره في كل كتبه واستمر موقفه منه منذ اطلالته الأولى على حياة النشر والتأليف والمحاضرات العامة...اي منذ محاضرته التي القاها عام 1951 والتي أصدرها في كراس تحت عنوان : (شخصية الفرد العراقي/بحث في نفسية الشعب العراقي على ضوء علم الاجتماع)، حتى كتابه :دراسة في طبيعة المجتمع العراق/1965.حيث عَمِلَ على ان يجعل من الحجاب نتيجة "منطقية" لمقدمات كبرى وصغرى تفنن في اختيارها واختلاقها، فضاع مع الاحترام له والتقدير بين المفاهيم ،ليلويها ليجعلها مقدمات لتلك النتيجة وفقاً لارسطوطاليسيتة التي نهى عنها لكنه سار عليها في كل ما كتب. فقد تاه في مسيرة الانحراف الجنسي بين "انتشار" و"نشوء" و"زيادة" وبين "الطبيعي" و"المكتسب" وتاه بين "الموجب" و" السالب" وبين "الحجاب" و"السفور "و"السفور" و"السفور المحتشم" [الملابسيان "ملابس" ان صح القول] وبين " الحجاب" و"الحُجُبْ".

الحجاب كما لمستُ كان عند الراحل الوردي "مخلوط" أو تعمد خلطه" بين حجاب الملابس "عباءة وبوشية "وبين حُجبْ / فصل/ فواصل/ عزل/ عوازل. عليه لا يجد من يقرأ للوردي او الأصح لم أجد شخصياً شيء واضح بهذا الخصوص

"الحجاب والانحراف الجنسي" سوى قصور غريب في تركيزه على الانحراف الجنسي عند الذكور دون أي إشارة للمرأة التي دار الحديث عنها كثير والتي يعنيها ويمسها الحجاب إلا نادراً.

كتب في ص59 شخصية الفرد العراقي/1951: [وبالإضافة الى ذلك نجد ان هذا الانفصال يؤدي في كثير من الأحيان الى الانحراف الجنسي فقد ثبت علميا بان الانحراف الجنسي في الغالب اكتسابي يسببه انفصال المرأة عن الرجل....] انتهى

انتبهوا لطفا الى "اكتسابي" و"يؤدي في كثير من الأحيان".

انا مع الراحل في تأثير الحُجُبْ التي تواجدت/وضِعَت/ بُنيتْ بين الرجل والمرأة، على نفسية الطرفين وتأثيرها في زيادة /تصاعد/انتشار الانحراف الجنسي المكتسب عند الجنسين. لكن لم تكن المرأة هي من وضعت تلك الحُجُبْ/الفواصل بينها وبين الرجل حتى يكتب الدكتور الوردي عبارته الغريبة وهو عالم الاجتماع "انفصال المرأة عن الرجل" ...اعتقد ان المرأة لم تسعى للانفصال عن الرجل ولم تكن راضية وهي ربما غير قادرة لو أراد الرجل غير ما تُريد... كما أتصور أن الرجل ايضاً لم يرغب بالفصل بينه وبينها فكلٍ منهما زائغة عيناه على/ الى الاخر...إنما "الفصل، العزل" فُرِضَ عليهما... واكيد لمسَ الراحل الوردي في تردده على الازقة في حارات بغداد كيف كان تواجد المرأة مع الرجل في الشارع والسوق وعند عتبات" عُتَبْ" الدور والمنازل وفي بعض الأماكن كانت هي التي تَتَسَّيَدْ الموقف أحيانا وان البعض يتسمى باسم والدته "ابن فلانه" او"بيت فلانه" او"ابن ام فُلانْ"حتى في مدينة الكاظمية المقدسة دينياً تلك التي ولد وترعرع فيها الراحل الوردي. والعلاقات العائلية وعلاقة الجيران والأقارب تسمح بالاختلاط المحتشم ان صح القول.

ثم يأتي الراحل الوردي بالجزم من ان العراق كان مهد الحجاب لأول انتشاره في الحاضرة الإسلامية. حيثُ كتب في ص60 / كراسة شخصية الفرد العراقي: [لسوء حظنا ان العراق كان مهد الحجاب لأول انتشاره في الحاضرة الإسلامية وكذلك مهبط الوحي على أبو نؤاس] انتهى

وهنا رَبَطَ الراحل الوردي بين الحجاب الأول في العصر العباسي والمنحرف الأول "الأشهر" جنسياً في العصر العباسي أبا نؤاس، مالئ الدنيا وشاغل الوردي... اعتمد الراحل الوردي هنا على ما قيل ان الحجاب بالصيغة التي وصلتنا اُقِرَفي العصر العباسي. لكن كان على الراحل الوردي كما اعتقد الانتباه او البحث جيداً عن ذلك حيث كما اعتقد ان الحجاب موجود قبل "الحاضرة الإسلامية" وتقول المعلومات انه أقدم من ذلك بكثير.

ولا اعرف لماذا قَّدَمَ الوردي لقوله هذا ب "لسوء حظنا" وكأنه تأكد من ان الحجاب صحيح قد كان في العراق اول أمره وان الانحراف الجنسي ارتبط بالشاعر ابي نؤاس!!!!

اعتقد ان الحجاب وعلاقته بالانحراف الجنسي وازدواج الشخصية موضوع معقد أشْعر أو شعرت ان الراحل الوردي لم يٌعطه الاهتمام الكافي ولم يديره بدقة وروَّية وعلمية لأنه اكتفى بقال فلان وقيل هنا وهناك ولم يجربه او يمارسه او يُخضعه للدارسة حتى عندما كانت الظروف تسمح بذلك

اليكم بعض ما طرحه الراحل الوردي حول الحجاب والانحراف الجنسي والذي فيه من التناقض الكثير:

أولاً:

1.في ص237 من كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي كتب الراحل الوردي التالي: [المعروف عن البدو انهم اعتادوا منذ قديم الزمان على قتل المرأة عند الاشتباه بسلوكها] انتهى

2.في ص77 من نفس الكتاب وتحت عنوان/صيانة المرأة في البادية كتب التالي: [والظاهر ان ليس هناك امة في العالم تحرص على عفة المرأة مثلهم، إنهم لا يتوانون أن يقتلوا المرأة عند الاشتباه بسيرتها ومن يتوانى منهم عن ذلك أصيب بالعار الذي لا يُمحى، هو وأولاده من بعده]

3.في ص51 من كراسة الاخلاق/1958 كتب التالي: [فقد ورث الناس من البادية امر احتقار المرأة وعادة قتلها عند الاشتباه بسلوكها...ولهذا أصبح قتل المرأة في العراق ظاهرة اجتماعية تلفت النظر ولا يكاد يمر يوم دون ان تسمع عن رجل قتل احدى قريباته غسلا للعار ثم سلم الى الشرطة خنجره الملطخ بالدم] انتهى

4.في ص238 من نفس الكتاب كتب: [هنا ينبغي ان نذكر ان من النادر في الصحراء ان تقتل امرأة لسوء سلوكها] انتهى

أقول:أشعر أن هناك بعض التناقض في طروحات الوردي هذه. وقد يقول قائل ان ما يقصده الراحل الوردي هو عدم انتشار الانحراف الجنسي في الجاهلية. اقول ربما! لكن ورود "انهم اعتادوا "و"ورث اهل الريف"و"لايتوانون"و"ورث الناس"لها معنى وبالذات عند ربطها بالوراثة.أقل ما يمكن ان أقول عما ورد هنا في "اولاً"هوعدم تطابقه مع ما ورد في(1)المقدمة.

وهنا حضر ما وَرَدَنا عن "وئد النساء"؟ وعن "وئد النساء" كتب في ص78 من نفس الكتاب كتب: [ويمكن القول ان من اهم ما يدفع الرجل البدوي الى الاستبسال في القتال هو دافع حماية المرأة وصيانتها من الإهانة والسبي وكان هذا من الأسباب التي جعلت بعض القبائل البدوية في الجاهلية تئد بناتها في التراب بعد ولادتهن مباشرةً] انتهى!!!!!!!!!!!!!!!

لماذا لا يكون الانحراف الجنسي له حضور هنا والراحل الوردي يقول عن سفور المرأة في الجاهلية واختلاطها بالرجل اليس في ذلك/هناك احتمال ولو بسيط؟

ثانياً:

1.في كتاب اسطورة الادب الرفيع كتب الراحل الوردي في ص74 التالي: [كان العرب في الجاهلية وصدر الإسلام لا يعرفون من الشذوذ الجنسي الا قليلا فقد كانت المرأة حين ذاك سافرة تختلط بالرجال وتصحبهم في حروبهم ثم بدأت بعدئذ تتحجب شيئا فشيئا وتنفصل عن عالم الرجال حيث أصبح البيت عالما خاصا بها تحيا وتموت فيه] انتهى

2.في نفس الكتاب ص125 كتب التالي: [يحكى عن ابي جهل انه كان مأبونا يؤتى من دبره ولكنه كان مع ذلك محترماً بين الناس يحف به الموالي والعبيد وتصب بين يديه الأموال] انتهى

أقول:الراحل الوردي يؤكد هنا على ارسطوطاليسيته حيث اوجد مقدمة كبرى هي السفور في الجاهلية الذي لم يثبته اصلاً ومقدمة صغرى هي عدم انتشار الانحراف الجنسي في الجاهلية وصدر الإسلام ليصل الى نتيجة سطحية تقول ان السفور يقلل الانحراف الجنسي/ حيث في الجاهلية لا يعرفون الشذوذ الجنسي الا قليلاً. وكما قلتُ سابقاً جاء من اتجاه اخر فأوجد مقدمته الكبرى أخرى وهي انتشار الانحراف الجنسي /مأخوذ من تصرفات أبو نؤاس وبعض قصائده وانتشار الحجاب في العهد العباسي "الابو نؤاسي" ليخلص الى نتيجته القلقة التي هي ان الحجاب هو السبب في انتشار الانحراف الجنسي.

هل يُعقل ان أبو نؤاس عاش الانحراف وكتب عنه الوردي كما ذكرت في السابقات انه كان منحرف جنسي سالب "مأبون" يؤتى من دبره في صباه ثم تحول "بقدرة؟؟؟؟" الى منحرف إيجابي يأتي الاخرين من ادبارهم بعد ذلك. ومنه اخذ الوردي رأيه في انتشار الانحراف الجنسي في العراق"40% من سكان المدن يمارسون اللواط" ولا يدل انحراف أبا جهل وموقعه ومكانته على انتشاره في قريش؟؟؟ السؤال هنا: مع من كان أبا جهل يمارس الجنس هل مع اشخاص من الفضاء؟ ماذا يحصل في مواسم اكتظاظ أماكن قريش دينياً وادبياً؟ ماذا يحصل في رحلاتهم الطويلة المتكررة والتي يبتعدون فيها عن نسائهم لعدة أشهر؟ وماذا كان يدور بين الموالي والعبيد الذين يحيطون به واسيادهم وسيداتهم؟

لا يمكن لي ان أتصور ان ليالي الانس "القريشية" التي كان المنحرفون جنسياً ايجابياً يأتون أبا جهل المنحرف جنسياً سلبياً كما قال الوردي من دبره قبل الإسلام ومع بداية الاسلام كانت مختلطة حيث يجلب كل من يردها زوجاته وبناته بلباسهن الخليع ليحضرن تلك الليلي ويتبادلن الانخاب مع الحضور بوجود الغلمان.

وعن أبو جهل كتب الوردي في ص117 وعاظ السلاطين: [فالمؤرخون ينسبون الى ابي جهل كل عيب ونقيصة ويجردونه من كل فضيلة ].... ثم يقول في ص118 من نفس الكتاب :[ان الفرق بين ابي جهل وغيره من نبلاء قريش في السلوك وتركيب الشخصية لم يكن كبيرا فمعضهم كانوا الطبقة المرابية التي تستغل الضعفاء وتتعالى على الناس لكنه اختلاف بالدرجة لا بالنوع كما يقول أصحاب المنطق الحديث .فمن سوء حظ ابي جهل انه قتل في معركة بدر في صف المشركين فنال بذلك لعنة الأبد ولو ان الصدفة ساعدته كما ساعت غيره فنجى من تلك المعركة ثم بقي الى يوم الفتح لصار من كبار الصحابة او القواد الذين رفعوا راية الإسلام ونصروا دين الله] انتهى

فهل ذهب الوردي هذا المذهب هنا؟

ثالثاً:

1.في ص 360 من /دراسة في طبيعة المجتمع العراقي/1965 كتب التالي: [الواقع ان الحجاب انتشر في أكثر البلاد الإسلامية منذ زمن بعيد ولكنه لم يبلغ من حيث تأثيره الاجتماعي في تلك البلاد كما بلغ في العراق فهو في العراق ذو تقاليد صارمة تضيق على المرأة الخناق ولعلني لا اغالي ذا قلت بان هذه التقاليد استمدت جذورها من عادة غسل العار وظلت محافظة على بعض معانيه] انتهى

2.كتب في ص305 من نفس الكتاب التالي: [مما يجدر ذكره ان هؤلاء الذين يتزمتون في الحجاب الى هذه الدرجة المفرطة قد ضعفت لديهم عادة "غسل العار" في الوقت ذاته فمن النادران يعمد أحد منهم الى قتل امرأة له عند الاشتباه بسلوكها يبدو انهم استعاضوا بالحجاب الشديد عن عادة غسل العار فهذه العادة بمثابة التهديد للمرأة اما الحجاب فهو السجن لها] انتهى

أقول:لا اعرف ماهي العلاقة بين غسل العار والحجاب؟ كيف استمدت عادة التشدد في الحجاب في العراق جذورها من غسل العار؟ هل الحجاب حمى البعض من غسل العار وكم ممن"غُسِلَ عارهن"من تلك الأيام الى اليوم ممن كُنَّ يرتدين اولا يرتدين الحجاب؟هل هناك احصائيات؟ ما دور الوازع الديني في قضية الحجاب ولماذا لم يذهب الوردي في بعض من تحليلاته هذه الى تأثير الدين والعتبات المقدسة في الكثير من المدن العراقية وبالذات تلك التي عَزَزَتْ إطارهُ الفكري بتأثيرها وشَدَتْ من سُمك قوقعتة الفكرية؟ لا أجد ربطاً بين الحجاب وغسل العار في ضوء "لغة" الراحل الوردي التي عَّبَرَ بها هنا عن رأيه والتي اشرتُ اليها في (1) المقدمة أعلاه؟

لا اعرف معنى" وضعفت لديهم عادة غسل العار...الخ" هل يعني الوردي انهم بدأوا يقبلون انحراف نسائهم ويدثرون ذلك بسمك الحجاب؟ العبارة ملتبسة!!!ولا تتناسب مع (1) المقدمة.

رابعاً:

  1. في ص305 من كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي كتب الراحل الوردي التالي: [ان السفور البدوي الذي كان منتشرا بين اغلب النساء في العهد العثماني هو اليوم سائر في سبيل الزوال انه كان في الواقع سفورا وقورا محتشما يكاد يخلو من مساوئ الحجاب ومساوئ التبرج لكنه لا يستطيع ان يصمد تجاه "الموضات" الحديثة] انتهى

أقول:هل هذه العبارة دقيقة؟من يفسرلي:"سفوراً وقوراً محتشماً يكاد يخلو من مساوئ الحجاب ومساوئ التبرج"

هنا نأتي الى السفور وأشكاله، فهناك سفور محتشم يكاد يخلو من المساوئ وآخر غير محتشم ويحمل المساوئ الكثيرة وسفور لا يكاد يخلو من مساوئ الحجاب والتبرج ولا اعرف أي "السفورين" او أي "السفورات" تلك التي دعا اليها الوردي للوقوف بوجه الحجاب الذي كان أحد أعظم الأسباب في انتشار الانحراف الجنسي في العراق؟

على فرض انتشار السفور في المجتمع وزوال الحجاب والحواجز بين الرجل والمرأة ماذا يحصل؟ هل يختفي الانحراف الجنسي او يقل؟ او كيف يقضي الفرد "انثى او ذكر" حاجاته الجنسية في السفور ورفع الحواجز؟ هل يعني الوردي بالسفور الإباحية؟

لقد عاش الراحل الوردي مراحل الحجاب والسفور الاربعة في المجتمع العراقي خلال القرن العشرين وهي كما اتصور:

1.الحجاب وعزل/حجر المرأة في نهاية العهد العثماني أي بداية القرن العشرين " حتى العقد الثالث منه".

2.المختلط او الانفتاح في العقد الرابع والخامس من القرن العشرين.

3.انطلاق المرأة بعد ثورة 14 تموز1958.

  1. عصر السفور التام تقريباً وعصر الميني جوب والقفزة الصناعية "الاقتصادية"/التعليمية الكبرى في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.

هل استغلها الراحل الوردي في دراسة حالة الانحراف الجنسي في المجتمع العراقي وكان ذلك متاحاً له وربما كان يمكن ان يحصل على دعم حكومي كبير، في ذلك؟

جوابي من خلال اطلاعي على ما نشره الراحل الوردي هو: كلا..

لماذا لم يُفكر الراحل الوردي بإغناء طروحاته القديمة بما حصل ويحصل في "مرحلة" السفور؟

جوابي هو لأن الراحل الوردي كما بدا لي انه لم يتعود اولم يتعلم طرق الدراسة ولم يعرف ان يختار الفرص ليتابع المستجدات. لأنه تعَّود واستحسن الغلق على نفسه كما بدا لي واطلاقه العنان للاسترسال وبذل الجهد في البحث عن تَمَّيُزْ من خلال دغدغة المشاعر بجمل وعبارات ونقل ما لم يسمع به العامة وقتها من اقوال علماء الاجتماع ورغبته العنيفة في طرحها بعد "توريدها" " جعلها وردية ""الوردي" مثل الثنائية الثقافية" "ازدواج الشخصية" و" الحالومية" و"القوقعة الفكرية" وغيرها تلك التي بذل جهداً كبيراً في فرضها ولكنه جوبه برفض المجمع العلمي العراقي لها حيث لم يؤيد أي من طروحات واصطلاحات الراحل الوردي وبذلك كما اعتقد انه الوحيد من كل الكتاب العراقيين الذي رفض المجمع العلمي العراقي التعامل معه وبشكل قاطع وهذ ملفت للنظر. فعلى ابسط وأسهل وأقل المعاني يمكن ان يُحسب ذلك ان الوردي لم يُحسن التعامل مع المجمع العلمي العراقي وهذا عيب كبير من شخص ذو تأثير كبير وقتها.

الانحراف الجنسي عند الوردي هو اللواط فقط كما يبدو...والدليل لم يسأل نفسه هل تبادل الجنس بين الجنسين في مرحلة السفور ليس انحرافاً جنسياً؟

العلماء الذي يردد الوردي انهم درسوا الانحراف الجنسي كان في قوقعتهم الفكرية او ثقافتهم الاجتماعية ان التواصل الجنسي بين الذكر والانثى حالة طبيعية والانحراف هو فقط الممارسات الجنسية المثلية في حين في مجتمعنا فأن التواصل الجنسي بين الرجل والمرأة خارج حدود العرف مرفوض ويعتبر انحراف. وهذا الشيء يفهمه ويعرفه الوردي ولكن حاجته للإثارة وترسيخ ما يريد دفعته الى التيهان.

ما هي نتائج السفور في السبعينات وما بعدها؟ هل اختفى/ انخفض /قل الانحراف الجنسي؟ هل كانت الفتيات السافرات مُباحات جنسياً للشباب ليشبعوا رغباتهم/حاجياتهم بشكل ليس فيه انحراف؟ السفور يثير بعض "الهياج" الجنسي والتفكير في إطفاء نار ذلك الهياج يدفع للذهاب الى طرق أخرى لأن السفور وضع حدود وضوابط منها الصداقة والزمالة والاحترام وتبادل الثقة والعلاقات الغرامية "الحب" والرغبة بصيانة الطرفين بعضهم للآخر بأمل الزواج مع وجود قانون صارم اجتماعي وعدلي. علما انه في الجنس اشباع العيون "النظر" لا يعني نهاية الموضوع انما من خلال النظر وملامح السفور تنتقل الصور الى الدماغ الذي يرسم صور لصاحبه تُحيره فيفكر في تنفيذها كلما سنحت الظروف فقد يكون اغتصاب بالعنف وقد يكون اختطاف وقد يكون زنا وقد يدفعه الى التخيل والاستمناء وهذه صور من الانحراف الجنسي للطرفين...فأيهم المفضوح الواضح الذي لمسه الراحل الوردي؟

كتب الراحل الوردي في هامش ص9 وعاظ السلاطين قال: [أقصد باللذة البريئة ما كان يُعتبر كذلك في نظرهم والاخلاق نسبية كما لا يُخفى فما يعدو في نظرهم بريئاً قد يُعتبر عندنا فسقاً وفجوراً وربما تنقلب الاحوال عندنا في المستقبل فيصبح مقياسنا في شؤون الاخلاق مخالفاً لمقياسنا الحاضر. ولست أنْكُر أني قد انذهلت حين رأيت في جامعات الغرب ذلك الاختلاط العجيب بين الجنسين لأول مرة واعتبرته من قبيل الاباحية والفسق حيث كنت أن ذاك لا ازال تحت تأثير التفكير الوعظي الذي نشأت عليه في بيئتي الشرقية المتزمتة] انتهى

ولتدعيم هذا القول/ العبارة كتب الراحل في وعاظ السلاطين في ص8 التالي: [وإني لأعترف بما اعتراني من دهشة أثناء تجوالي في بلاد الغرب المختلفة على ما رأيت هنالك من عناية بأمر الطبيعة البشرية ومن مُدارات لها. فهم يمنحون الإنسان حرية كافية يفصح فيها عن نفسه فلا يتشددون في وعظه ولا يمنعونه من اشباع شهوته أو انانيته ضمن حدود معترف بها] انتهى.

وفي ص338 من دراسة في طبيعة المجتمع العراقي كتب التالي: [فالملاحظ في المدن الحديثة من البلاد "الراقية" ان الوضع الخلقي فيها لم يصل في تفسخه الى الدرجة التي وصفها ابن خلدون. لا ننكر ان المدن الحديثة تحتوي على مناطق معينة يكثر فيها التفسخ الخلقي وهي المناطق التي تعرف بل"

" slums"

اما المناطق الأخرى منها فهي في الغالب غير متفسخة خلقياً ونعني بذلك انها منسجمة في وضعها الخلقي مع المعايير

الثقافية السائدة في المجتمع هناك] انتهى

وفي ص 361 من نفس الكتاب كتب: [يجب ان نعترف على أي حال بأن المدن العراقية كانت غير خالية من بعض الخصال الحميدة كروح الجيرة والتضامن العائلي وقيم الشهامة والنجدة وما اشبه وهي خصال قد ورثها اهل المدن من البداوة وحاولوا المحافظة عليها بمقدار ما اتاحته لهم ظروفهم الحضرية كما أشرنا اليه في فصل سابق لكن السؤال الذي يرد هنا في هذا الصدد هو: هل كانت تلك الخصال كافية لموازنة التفسخ الخلقي الذي كان شائع بينهم؟] انتهى

أقول: لا اعرف عن أي تفسخ خلقي كان شائع بين سكان المدن العراقية ذلك الذي ذكره الوردي؟ التفسخ الخلقي في المدن العراقية شائع ولكن التفسخ في المدن الحديثة "الراقية" محصور في مناطق محدد وبقية المناطق غير متفسخة بل منسجمة في وضعها الخلقي مع المعايير الثقافية السائدة في المجتمع هناك... المعايير السائدة هناك هي ان تصطحب الفتاة صديقها ليتقاسموا الفراش ليلاً في بيت أهلها والشاب يأتي بحبيبه الشاب ليتبادلوا الغرام امام الوالدين وليفعلوا ببعضهم كما فَعَلَ أبو نؤاس وأبو جهل وكما فُعِلَ بهم!!!... هل هذه هي الحدود المعترف بها

"اشباع شهوته وأنانيته ضمن حدود معترف بها"؟

كيف يتم قياس "شهوته وأنانيته" والاخلاق نسبية؟ كيف يتم تأشير تلك الحدود لتصبح معترفاً بها...ومعترف بها مِنْ مَنْ؟ وكيف يتم "مدارات الطبيعة البشرية"؟

[...واعتبرته من قبيل الاباحية والفسق حيث كنت أن ذاك لا ازال تحت تأثير التفكير الوعظي الذي نشأت عليه في بيئتي الشرقية المتزمتة] انتهى

الراحل الوردي كان قد قضى قبل هذا الوقت أربعة أعوام للدراسة في بيروت وشاهد هناك "الحجاب"/"السفور"والاختلاط بين الجنسين ضمن "نسبية الأخلاق " وضمن "حدود معترف بها "فما هو الجديد الذي أذْهَلَ وأدْهَشَ الراحل الوردي هنا؟ هل هو السفور الذي نعالج به "مشكلة" الحجاب في المجتمع العراقي، ذلك الحجاب الذي "كان" السبب الرئيسي في انتشار الانحراف الجنسي في العراق على قول الراحل الوردي؟ ليقدم لنا الوردي سفور/لا حجاب هو من قال عنه" واعتبرته من قبيل الإباحية والفسق"؟ والمفترض انه يعرف حال الثقافة الاجتماعية/المجتمع العراقي؟ هل هذا السفور الذي دعا/أشار اليه وتمناه وعمل على نشره الراحل الوردي أو بَّشَرَ به؟

هنا الراحل الوردي يضع الاخلاق برمتها بين السفور والحجاب فالأخلاق نسبية كما قال وصدق... لكن "النسبية" هنا بالقياس على/ الى أي شيء؟

بعد أن تخلص الراحل الوردي من تأثير التفكير الوعظي الذي نشأ عليه ذلك التفكير الذي جعله في حالة الذهول والدهشة تلك...كيف فسر تلك التي كانت إباحية او ضمن الحدود المعترف بها؟ هل اعتبرها حرية؟ وما دور نسبية الاخلاق هنا؟

"الله اعلم"!!!!

يتبع لطفاً