أطلعت مشكوراً على دراسة الصديق والزميل العزيز الدكتور علي مرزا، بعنوان المشار
اليه في اعلاه، وادناه رابط الدراسة
بدأ، تتميز هذه الدراسة بجودة ممتازة في التوصيف التاريخي والتحليل العلمي والمعرفي للحالة الاقتصادية/ السياسية للنموذج الاقتصادي العراقي بعد الاحتلال في عام 2003 لغاية العام الحالي 2025. و إبراز دور كل من القطاع الخاص/ السوق، والقطاع العام والمؤسسات ذات العلاقة في تحقيق التقدم والنمو الاقتصادي عبر عملية التنمية الاقتصادية/ الاجتماعية المستدامة.
تستند الدراسة على البيانات والمعلومات الإحصائية الموثوقة والمعتمدة من المؤسسات، والمصادر العراقية المختصة، والمنظمات الدولية ذات العلاقة، بالإضافة الى عدة دراسات القيمة للباحث، التي أشار اليها كمصادر في نهاية الدراسة. وبذلك تكون لدى الباحث رؤية واضحة وموضوعية في تحليل موضوع الدراسة، والخروج بنتائج تساعد على تقديم الحلول لكثير من المشاكل والمعضلات التي يعاني منها الاقتصاد العراقي خلال عقدين بعد عام 2003. كما ويستحق الكاتب كل التقدير والتثمين على هذه الدراسة المهمة والقيمة.
أدناه ورقتي المتواضعة على هامش الدراسة، كلاتي:
مقدمة
شهد الاقتصاد العراقي منذ عام 2003 تغيّرات كبيرة نتيجة الاحتلال وما تلاه من إعادة هيكلة سياسية واقتصادية. وقد أثّر النموذج الريعي للاقتصاد بشكل مباشر على مسار التنمية المستدامة، حيث اعتمدت الدولة بشكل أساسي على عوائد النفط، متجاهلة تعزيز القطاعات الإنتاجية غير النفطية وتطوير مؤسسات الدولة. تهدف هذه المداخلة/الورقة، إلى تحليل أثر هذا النموذج على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العراق، مع التركيز على دور القطاعين العام والخاص، واستعراض مواقف المؤسسات المالية الدولية، بما في ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
اولاً: التحليل التاريخي والنموذج الاقتصادي بعد عام 2003
اعتمدت الدولة العراقية على الموارد النفطية كمصدر رئيس لإيرادات الموازنة العامة، ما أدى إلى هيمنة الاقتصاد الريعي. انعكس ذلك على توزيع الإنفاق العام، حيث فضّل الإنفاق الجاري على النفقات الاستثمارية. وفق بيانات وزارة المالية العراقية لعام 2023، شكّلت الإيرادات النفطية حوالي 90٪ من إجمالي الإيرادات الحكومية، بينما بقيت مساهمة الضرائب المباشرة وغير المباشرة محدودة جدًا (٪5 >).
هذا الاعتماد المفرط على النفط أثر سلبًا على تنويع الاقتصاد، وأدى إلى ضعف الاستثمار في الصناعات التحويلية والزراعة والبنية التحتية. كما أظهرت تقارير البنك الدولي لعام 2024 أن الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي نما بوتيرة متواضعة، مع أن القطاع الخاص أبدى بعض المرونة في الاستثمار غير النفطي مقارنة بالقطاع العام.
ثانياًً: القطاعان العام والخاص
يظل القطاع العام العراقي المسؤول عن الإنتاج النفطي والخدمات الأساسية، بينما يميل القطاع الخاص نحو الأنشطة غير النفطية، خصوصًا الصناعة التحويلية والزراعة. ومع ذلك، أظهرت الإحصاءات أن مساهمة القطاعين في الناتج المحلي الإجمالي لم تتغير بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، مع استثناء نمو طفيف للقطاع الخاص في النشاط غير النفطي.
أحد التحديات الرئيسية هو ضعف التنسيق بين المؤسسات الاقتصادية: وزارة التخطيط المسؤولة عن المشاريع الإنتاجية، وزارة المالية عن الموازنة العامة، وزارة التجارة عن ميزان المدفوعات، والبنك المركزي عن السياسة النقدية. هذا النقص في التنسيق أثر على القدرة على تحقيق التنمية المستدامة وتوزيع عادل للإيرادات النفطية.
ثالثاً: النموذج الريعي وأثره على التنمية
اعتماد العراق على الاقتصاد الريعي أدى إلى مجموعة من المشكلات البنيوية:
1.الاستثمار المحدود في القطاعات الإنتاجية ما قلل من قدرة الاقتصاد على خلق فرص العمل وتقليل البطالة (حوالي 18٪ عام 2023 وفق البنك الدولي).
- الاعتماد على النفط مقابل ضعف الصناعات التحويلية والزراعة، حيث ساهم النفط بما يزيد على 60٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بينما ظلت مساهمة القطاعات الإنتاجية الأخرى دون 20٪.
3.تفشي الفساد المالي والإداري ما أدى إلى ضياع عشرات المليارات من الدولارات خلال العقدين الماضيين في مشاريع غير منتجة أو موجهة سياسياً.
4.تقلب الإيرادات النفطية انعكس مباشرة على تقلبات الموازنة العامة والناتج المحلي الإجمالي، كما أظهر تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2023.
رابعاً: مواقف المؤسسات المالية الدولية
ــ البنك الدولي: أشار في تقاريره المتكررة إلى ضرورة تنويع الاقتصاد العراقي والحد من الاعتماد على النفط، وتعزيز البنية التحتية للقطاعات الإنتاجية والخدماتية.
ـــ صندوق النقد الدولي: ركّز على الإصلاحات المالية والنقدية، بما في ذلك تعزيز الشفافية في الموازنة العامة، وإصلاح سياسات الدعم العام، وتشجيع الخصخصة، مع الانتقاد الموجه لضعف الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية.
ـــ في المقابل، لوحظ أن التوجيهات الدولية غالبًا ما ركزت على اقتصاد السوق الحر والخصخصة، دون مراعاة الخصوصية الاقتصادية والاجتماعية للعراق.
خامساً: بيانات وإحصاءات داعمة
1.الناتج المحلي الإجمالي (2023): حوالي 260 مليار دولار، مع مساهمة النفط بنسبة 62٪.
- معدل البطالة (2023): 18 ــ 20٪، أعلى نسبياً بين الشباب والنساء.
- الفقر (2022): حوالي 22٪ من السكان تحت خط الفقر.
- الإنفاق العام على الاستثمار مقابل التشغيل: 15٪ استثمار و 85٪ تشغيل.
هذه المؤشرات تعكس استمرار تأثير الاقتصاد الريعي على التنمية المحدودة في العراق، مع ضعف الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية والخدمات الاجتماعية.
سادساً: الخاتمة والتوصيات لتحقيق التنمية المستدامة في العراق
ـــ تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، مع تعزيز القطاعات الإنتاجية غير النفطية؛
ـــ تعزيز مؤسسات الدولة من خلال تبني سياسات مالية ونقدية وتجارية رشيدة، وتطبيق الشفافية والإفصاح عن البيانات الاقتصادية؛
ـــ تطوير البنية التحتية والخدمات العامة بما يدعم القطاع الخاص والاستثمار المحلي؛
ـــ التنسيق بين الوزارات والمؤسسات الاقتصادية، لضمان توزيع عادل للإيرادات النفطية وتوجهها نحو التنمية المستدامة.
ـــ الاستفادة النقدية والفنية من ملاحظات البنك والصندوق الدوليين، مع مراعات خصوصيات العراق التنظيمية، والقانونية، والاقتصادية، والاجتماعية.
ـــ احياء مشروع تأسيس صندوق سيادي، يمكن استخدام أصوله و/أو عوائد استثماراته في تنويع الاستثمارات، وتقليل مخاطر مالية في الميزانيات العامة، وغيرها.
بتنفيذ هذه الإصلاحات وغيرها، يمكن للعراق أن يحقق نموًا اقتصادياً مستدامًا، ويخلق فرص عمل، ويقلل الفقر، ويضمن العدالة الاجتماعية، مما يدفع البلاد نحو الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار.
جزيل شكري الى صديقي وزميلي الدكتور علي مرزا على اطلاعه هذه الورقة واقتراحه نشرها على موقع الشبكة الموقر.
*دكتوراه في فلسفة الاقتصاد الكمي، باحث أكاديمي متقاعد في النظام المحاسبي.
(1) المقال منشور على شبكة الاقتصاديين العراقيين، بتاريخ 10/10/2025
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
- وزارة التخطيط العراقية، تقارير التنمية الاقتصادية والاجتماعية، 2023 ــ 2024.
- البنك المركزي العراقي، بيانات الميزانية العامة، وإحصاءات الناتج المحلي الإجمالي، 2023 ــ 2024.
- الجهاز المركزي للإحصاء العراقي، بيانات البطالة والفقر، 2022 ــ 2024.
- البنك الدولي، تقارير التنمية الاقتصادية للعراق، 2022 ـــ 2024
صندوق النقد الدولي. Iraq: Article IV Consultaion, 2023 .5
- الأمم المتحدة، برنامج التنمية البشرية. تقرير العراق، 2023