العلاقة بين الجامعة والسلطة السياسية يمكن وصفها بعملية تأليف كتاب معقدة.  فكلاهما يعمل في نفس المخطوطة، وأي خطوة خاطئة من أحدهما قد تؤدي الى تشويه المحتوى. لكي تكون عملية التأليف هذه مثمرة، يجب ان يفهم كل طرف دوره، فدور السياسي هو توفير الطابعة والورق (الدعم والتمويل) وفتح دور النشر (الفضاء المجتمعي والحرية الاكاديمية)، بينما دور الأكاديمي هو صياغة الافكار وكتابة الفصول (البحث والمنهج العلمي) وتحريرها بحرية وابداع.  في هذه الحالة، تزدهر المعرفة وتنمو وتصل الى القراء.

لكن عملية التأليف هذه تتحول الى صراع على المراجعة عندما تحاول السلطة السياسية املاء الكلمات والجمل على شريكها. وهنا يأتي دور قرار المحكمة العليا الذي يمثل نقطة تحول حاسمة.

هذا القرار برفض دستورية منح وزير التعليم العالي صلاحية تعيين مساعدي رؤساء الجامعات وعمداء الكليات والمعاهد هو بمثابة فصل واضح بين الناشر والمؤلف. هو تأكيد على ان دور السياسي ينتهي عند توفير الدعم، بينما تبدأ مهمة الأكاديمي في ادارة مؤسسته بحرية واستقلالية كاملة. هذا القرار لا يمنع الوزير من اداء دوره، بل يحدد صلاحياته ويمنعها من التدخل في الشؤون الاكاديمية الداخلية للجامعات.

بموجب هذا الحكم، تستعيد الجامعة هويتها الحقيقية كمنارة للفكر والابداع، وتتحرر من ان تكون مجرد ظل للسلطة. ان استقلال الجامعة عن التأثيرات السياسية المباشرة يضمن ان تكون القرارات الاكاديمية مبنية على الكفاءة والجدارة، وليس على الولاءات السياسية. وهذا هو جوهر تقدم اي مجتمع، لان الجامعة المستقلة هي التي تنتج المعرفة الحقيقية، وتعزز البحث العلمي، وتخرج قادة المستقبل الذين يحملون شعلة التغيير.

عرض مقالات: