في الوقت الذي تشتد فيه جبهات الرفض لتعديل قانون الأحوال المدنية الرقم 188 من العام 1959 وهو العام الذي بدأت فيه الجمهورية بعد انطلاقها في 14 تموز من العام 1958 الناشئة لتأسيس مجتمع مدني قائم على الحق والعدل بين الجنسين وتكريس المساواة في الأحوال المدنية من زواج وطلاق مع احترامها لكل المذاهب والأديان، بل ان هذا القانون جاء كخلاصة مركزة واحترام لكل ما ورد في الأديان من أجل التأسيس لأسرة صالحة قوامها عند الاختلاف هو القانون المدني وإعطاء كل حق حقه عند حالات الفرقة الاضطراري وكما هو الزواج امساك بعرفان والطلاق تسريح بعرفان كما ورد في النصوص الدينية دون عبث واضطهاد لأطراف العلاقة، والدولة والقانون باعتبارهما الحكم الذي لا يمكن تجاوزهما لضمان فرقة مؤدبة وباستحقاقات انسانية.
وهذا يجري لحد علمنا انسجاما مع لائحة حقوق الأنسان الذي شرعنته الأمم المتحدة والذي نص على احترام حقوق المرأة في مساواتها مع الرجل في قضايا الإرث والحضانة بعيدا عن الاجتهاد العبثي ودون وصاية والتفاف من قبل دعاة المذهب والدين لاستغلال ضعف المرأة المكتسب بفعل عوامل القهر الاجتماعي..
وفي بعض ما يجري من تحايل على حقوق المرأة من قبل مضطهديها هو إجراء استبيانات لجر وتشويه الرأي العام حول إبداء الرأي حول تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 للعام 1958، مثل هكذا قضايا انسانية تتعلق بالمساواة بين الجنسين لا يمكن أبدا حسمها في استبيانات مشوهة تفتقد إلى المنطقية والواقعية فهي على نسق هل انت مع الإبادة الجماعية وهل انت من أنصار الجنس الأبيض او الأسمر هكذا اسئلة مرفوضة من أساسها البنائي المخالف للقيم الإنسانية وبالتالي لا تحل بالإجابة بنعم أو لا، بل بالرفض المطلق لتعارضها مع قيم العيش المشترك لكل التنوعات الجنسية والعرقية والأثنية.
والاستبيان باعتباره احدى ادوات البحث العلمي، وهي تتكون من مجموعة من الأسئلة وغيرها من اوجه طلب المعلومات في القضايا ذات الصلة بالعديد من المشكلات الميدانية ذات الخلاف لتبيان الرأي فيها ولكن ليست في الموضوعات ذات الصلة الإنسانية بمصير الوحدات الإنسانية حيث الخلاف قد حسم فيها وغير قابلة للاجتهاد كمثل الطلاق والزواج والمساواة بين الشريكين، ولا يمكن اثارة الاختلاف في قضايا ذات بعد انساني محسوم بفعل تعقد ظروف الحياة وان الاختلاف بين الجنسين هو اختلاف في الخلق وليست في الحقوق، فهناك ادوار مناطة بكلا الجنسيين استنادا الى البنية التشريحية والفسيولوجية والنفسية وليست اختلافات قهرية تقسم الظهر بل هي اختلافات تستند الى البنية النفسية والهرمونية لكلا الجنسين والاساس بينهما هم العدل والمساواة، فهذه الاستبيانات التي ترسل من صفحات النت هي مظللة في جوهرها الاجتماعي وتعكس ثقافة المجتمع الذكوري الذي يرغب في انتزاع الشرعية من الأمومة كما يرغب في المهيمنة الذكورية على مصير المرأة الضحية.
الكثير من هذه الاستبيانات مضلل وذو اجندة متخلفة يتحايل على مؤسسات البحث العلمي لإضفاء على نفسه الشرعية لاغتصاب حقوق المرأة من خلال الاستعانة ببعض المؤسسات البحثية لاستمالة الرأي العام وتشويه فلسفة الحق والجمال والمساواة بين الجنسيين، ويلعب هنا الأسلام السياسي دورا خبيثا لتمرير اجندته في الحط من مكانة المرأة واعتبارها مشروع متعة لا غير وتسهيل عملية استلابها كمربية وأم وحاضنة للطفولة.
الأصل في المؤسسات البحثية الراقية والمعتمدة ممنوع عمل هكذا استبيان لأنه متعلق بحقوق الأنسان كمسلمات ولا يجوز العبث في المسلمات فالاجتهاد هنا هو لتسويق خطاب مريض الهدف منه حرف الأنظار عن ما يجري من صراعات بين قوى التقدم المدني والقوى الإسلاموية ذات الطابع المعادي للأنوثة.
ما نحتاجه الآن هو ليست اجراء استبيانات تجيب على" هل انت مع تعديل قانون الأحوال المدنية أم لا " بل ما نحتاجه هو حملات توعية اجتماعية وثقافية وسياسية لتكريس مفهوم المساواة بين الجنسين في كل المجالات، وليست الى حملات تضليل للرأي العام الهدف منها شرعنة وسلب حقوق المرأة المدنية من خلال فرض التعديلات المجحفة على قانون الأحوال المدنية الصادر في العام 1959 والمرقم 188 والمعمول به لحد الآن.