الناس وعلى مختلف مشاربهم، يملكون قيما خاصة بهم أو توارثوها فيما بينهم، وكونت جزءا من شخصياتهم تحتم على حاملها نوعا معينا من السلوك الذي يتواءم مع هذه القيم.

  وتدل بحوث ودراسات علماء الاجتماع، ومنهم علماء النفس الاجتماعي على وجه الخصوص إلى إن التخلي عن هذه القيم أو الابتعاد عنها يسبب للإنسان المعني ألما داخليا وحالة من التوتر النفسي أو من الإجهاد العقلي وعدم الراحة فإذا كان يحمل قيما إيجابية عن الأمانة والصدق والإخلاص، وقام بممارسة أفعالا أو سلوكا يتنافى مع هذه القيم، فهو من جهة يحمل قيما نبيلة ومن جهة أخرى يمارس سلوكا يتقاطع مع هذه القيم فيصل إلى حالة conitive dissone التنافر المعرفي وبالإنجليزية.

 فما هو التنافر المعرفي؟

 النظرية في علم النفس الاجتماعي صاغها عالم النفس الاجتماعي ليون فستنغر بالإنكليزية ( Leon Festinger ) المولود في 8 أيار 1919 والمتوفي في11 شباط 1989 والتي أطلق عليها اسم التنافر المعرفي توضح أن البشر ميالون إلى خلق حالة من الاتساق الداخلي أي التوافق ما بين سلوكهم وبين القيم التي يؤمنون بها، وعندما يحدث التناقض بين هذه القيم والسلوك الذي يمارسه الشخص، تنتابه حالة من التنافر وعدم الارتياح النفسي، فيلجأ إلى خلق الحافز الذي يزيل هذا التنافر.

 يمكن للقارئ الكريم الاطلاع على تفاصيل شرح هذه النظرية عبر) الويكيبيديا)

 كيفية خلق هذا الحافز الذي يعالج التنافر؟

إن المطلوب  هو قيمة جديدة، يخلقها المرء لنفسه، وهي أما أن يقوم برفض السلوك المسبب لحالة التنافر واما أن يقوم بتبرير فعلته ويقنع نفسه بأن ما قام به من سلوك يتطابق مع مصلحته وإن القيم السابقة لم تكن لتحقق مصالحه، ففي الحالة الأولى عندما يكون الحافز هو رفض السلوك المتنافي مع القيم المعتادة، والتمسك بهذه القيم ، فينتابه شعور بالراحة النفسية نتيجة عودته  للتوازن والاتساق بين القيم والسلوك، فيسير على هذا المنوال  رغم بعض حالات التحسر على فقدانه فرصة قد تبدو ثمينة ظاهريا للاستفادة الذاتية غير المقبولة اجتماعيا، والتي رفضها أصلا، أما صاحبنا في الحالة الثانية، الذي يكون حافزه، التكيف مع السلوك الجديد عن طريق تعديل قيمه حيث  يقيم ملاءمة لهذا السلوك الجديد، مع القيم و مع السعي لخلق وإيجاد المبررات التي تزين له سلوكه هذا وتلمعه له.

 الفاسدون في بلادنا 

يمثل الفاسدون في بلادنا وغيرها من البلدان الحالة الثانية المذكورة أعلاه فكيف تم لهم ذلك؟

 في هذه الحالة يتم للفاسدين من التلاعب في قيمهم ، وخلق قيم جديدة تعيد لهم الاتساق والانسجام مع السلوك الفاسد ولا يتوانون عن خلق المبررات والتفسيرات التي تتواءم مع وضعهم الجديد، فكل ما مارسوه من السحت الحرام والتلاعب بالقوانين والتعليمات والتجاوز على حرمة المال العام، وطبيعة واجباتهم الوظيفية تجد تفسيراتها عندهم بما يتلاءم مع مصالحهم وسعيهم إلى الإثراء على حساب المواطن والدولة، ولم تسلم حتى التفسيرات الدينية وغيرها من تخريجاتهم، وكل ذلك يفسر على أساس الاستحقاق الطبيعي لهم لاسيما إذا كان مقرونا بتشريعات  قانونية فيصل بهم منطقهم إلى أحقيتهم في الاستحواذ على كل شئ دون الشعور بالذنب إذا في هذه الحالة تسنى للفاسدين ومن خلال التخلص من التنافر المعرفي ومن الضيق المرافق له، حينما مارسوا سلوكهم المشين في السرقة العلنية للمال العام ، لأنهم  أولا وقبل كل شئ فكروا بتحقيق مصلحتهم الطاغية في الإثراء من  هذا المال من خلال وظيفتهم الاجتماعية ، حيث طغى هذا التفكير  واصبحت قيمته هي القيمة الطاغية، التي دفعتهم إلى سلوك الأفعال الشائنة وإلى خلق التفسيرات والمبررات الملائمة لها ، فتفننوا في تحقيق الخيانة والسرقة، للمال العام تحت مختلف الذرائع والحجج وبذلك تخلصوا حتى لو ظاهريا من القلق والضيق الذي تسببه الأفكار والمدارك المتناقضة.

 ---------------------------------------------------------------------------------الهوامش

الحصول على الحاجات الضرورية التي هي حاجات موضوعية ليس للوعي دخل في حدوثها مثل الحاجة للأكل والحاجة للشرب والحاجة للتنفس والحاجة للعيش، وينعكس عن هذه الحاجات المصالح أو المصلحة ولتحقيق المصلحة يلعب الوعي دورا في تحقيقها فعندما يراد إلى تحقيق الحاجة للأكل يختار الأنسان وجبته المفضلة والتي يشتهيها بين مجموعة من الوجبات، في هذه الحالة لعب الاختيار الدور المهم في تحقيق المصلحة، اي إنها خضعت لتحقيقها إلى الوعي وينعكس عن هذه المصلحة ما ندعوه

القيم، التي هي تعطي التعليل الإدراكي للمصلحة ولماذا كانت بهذا الشكل وليس بغيره، وهذه القيم تتأصل في إدراك ومعرفة الإنسان وعند تعارضها مع سلوك الفرد تسبب له الألم والضيق وما نسميه التنافر المعرفي او التنافر الإدراكي.