لقد فرضت الحاجة الموضوعية شروطا ملزمة لإنجاز مهمات مشتركة سياسية - إجتماعية بعد الإنتحابات البرلمانية التي جرت في الثاني عشر من حزيران الحالي ، أملتها الظروف الذاتية والموضوعية التي يمر بها الوطن حاليا على كافة القوى الإسلامية المتنورة والمدنية المتحضرة وعلى من يدين بالماركسية تبنيها والسعي لإنجازها ، سيما وإن إئتلاف سائرون بلورها على شكل رؤى واضحة المعالم لتكون معبرة عن إشتداد الصراع الطبقي وتنوعه في المجتمع العراقي من جهة الإرتباط مع المتغيرات الكبرى التي حدثت في الوطن ، فأكسبها النوعية والكيفية في التعامل مع الخطاب الوطني الذي فُقد بغياب تفاهمات وتحالفات ترتكز لرؤية وطنية خالصة بعيدا عن تدخل خارجي ، لتخليص الوطن من ما هو عليه الآن ، وتَضمن نجاح العملية السياسية وديمومة نجاحها 

بتطبيق قواعد التحالفات المقبلة التي لخصها إئتلاف سائرون، بنبذ المحاصصة الطائفية وحصر السلاح بيد الدولة وتشخيص الفاسدين لمحاسبتهم، وإستبعاد المال السياسي، والنأي عن تشريع قرارات على اساس مذهبي تضر بحقوق المكونات العرقية للمجتمع العراقي، وتعيق إستمرار تواصل محافظتها بذات الجذور التاريخية والحضارية والقيم المرتبطة اساسا بالحركة المدنية الإجتماعية العراقية 

 فالبنود التي جاء بها برنامج سائرون لم تكن بعيدة عما تولد من صراع طبقي في المجتمع دفع بقواعده إلى التحرك جمعيا من أجل التغيير والإصلاح، وحمل مهام ثورية جديدة لتحقيق ما نشده التخلص من الدكتاتورية وإملاءاتها الإقتصادية - الإجتماعية. ولا عن نضوج  قيادة مكوناته في فهم الطابع السياسي للصعوبات الموضوعية التي يعاني منها الناس ، فسلط الضوء على خطوات  التطبيق الحي لتجاوز تلك الصعوبات بنهج وطني تحضري ، آخذاً في الحسبان إتساع التركيب الإجتماعي للحركة المدنية وضغط أفكار وممارسات وتقاليد مكوناته الطبقية ، بحكم قرب قواعدها الكادحة والفقيرة المهمشة من البروليتاريا، حيث عاشت في تفاعل مستمر معها منذ ثورة تموز 1958 وخاصة في مدينة الصدر (الثورة) لكون أغلب ابناء تلك القواعد وأبائهم وحتى أجدادهم من عايش أو مارس المسار البروليتاري في سني الثورة الأولى ونضالها السري فيما بعد. فلا غرابة أن نرى تعمق الصراع الطبقي وإندماج عناصره من المهمشين والفقراء في ساحات التظاهر مطالبة بالإصلاح والتغيير، سيما عندما إنكشف أمام أعينها بشكل ساطع سرقة ثروة البلاد من قبل المتحاصصين الطائفيين والذين تموضعوا على مواقع القرار، واهملوا دون معالجة تعمق أزمة وأتساع ساحة الفقر بين صفوف الشعب العراقي، وإنتكاس العملية السياسية على ايديهم. فأدى المطاف بقواعد الطبقات المسحوقة في المجتمع إلى التفتيش عن حلول لإيقاف إنتكاس العملية السياسية. هذا المأزق الذي بدأ ينذرها بعواقب وخيمة ستعاني منها الأجيال القادمة، وما مبادرة الشيوعيين والمهمشين من الفقراء والمعدمين الإسلاميين في التوصل لصيغة أذهلت المراقبين في الداخل والخارج، تتفهم وتضمن ما يريده المواطن العراقي الذي غُلب على أمره ليتماشى مع تطور وعيه الذي لم يعد يتقبل ما يمارس بحقه من تعسير لحياته اليومية من أحداث قبل وبعد 2003 

لقد وجدت طليعة الفقراء والمهمشين  والكادحين أنها لو بقيت مرهونة و متعلقة أو منحازة لمذهبها أو قوميتها وبالعامل الخارجي ، فلن تتاح لها فرصة الإلمام بقوانين حركة التطور الإجتماعي ضمن الأطر الوطنية التي تسعى لتحقيقها ، و التي في ذاتها تريد لها أن تعيش بأجواء ديمقراطية قائمة على منظومة متفاعلة من القوانين والأنظمة والمؤسسات الدستورية والقضائية التي تضمن تطوير ثقافة مكونات شعبها في فضاء من الحرية والمساواة والمشاركة وإلإعتراف بالتنوع والتعددية ، فستبقى مشدودة الظهور الخجول أو المعدوم في مواصلة مسيرة تحقيق المصالح الوطنية العليا  وستختفي وراء هشاشة بعدها عن حاضنة الوطن ، فكان لا بد من إضعاف القوى المعادية لحراكها وتسقيطها عبر الإنتخابات، وبالتالي إيقاف محاولات تمييع وجهة الصراع الطبقي منها وإخماد وشحذ تأجيج التناقضات الثانوية ، التي لعبت بشكل إجابي في تعميق الصراع الطبقي على الرغم من قوة الخطاب الطائفي والرجعي والتدخل الخارجي في شؤون البلاد الداخلية ، والذي أغلق الكثير من العقول في مواصلة الخيار الوطني

 فإئتلاف سائرون قد جسد التفاعل الديالكتيكي بين ما دعت اليه الجماهير الفقيرة والمعدمة من تغيير وإصلاح نادت به في ساحات التظاهر والإعتصام، وبين تحقيق التقدم والتحضر الذي يطمحون اليه. فتمسكت به، وبضرورة تحقيق بنوده كشروط اساسية لإقامة الكتلة الأكبر التي ستشكل الحكومة، ولن تحيد الجماهير الكادحة والمهمشة عن ذلك حتى لو تنصل البعض منه، ونكثوا ما وُقع على بنوده وما وعدوا به فقراء الشعب والمعدمين، ولن يقبلوا (فقراء الشعب) بغير التمسك والتقيد بتحقيق بنود إئتلافهم مع أي قوى سياسية، لكونها شروط ضرورية لتخليص الوطن من الوقوع في هاوية لا يُعرف عمقها.