في إحدى مسرحيات توفيق الحكيم، يظهر البطل خوفه من أن يموت ويطويه النسيان من دون أن يتذكره أحد، فقد كان رئيس وزراء سابق في العهد الملكي، وما أكثر الذين تولوا هذا المنصب، فالحكومات تتغير بين ليلة وضحاها.
يفكر الرجل بالطريقة التي يحاول أن يخلد نفسه، فيستخدم كل الوسائل ومنها محاولة لتفجير مكتبه، كي تكتب الصحف (رئيس وزراء سابق يتعرض لمحاولة اغتيال) ولكن سكرتيرته تكتشف وجود العبوة، وتفشل محاولته، يظل يفكر وهو يمشي في طرق القاهرة، وفجأة يسقط في (مانهول) للمجاري ويموت فيه من دون أن يعرف أحد ما حل به.
هذه المسرحية الجميلة، تعكس عقدة الخوف التي لا تلازم الضحايا فقط بل الأنظمة ورجالها أيضا. وكلاهما يفكر في طريقة ما لتجاوزها.
ومعروف أن اشكال الخوف كظاهرة إنسانية عديدة، كما أن مظاهرها متنوعة وتختلف من شخص إلى آخر، وقد وظفته الحكومات القمعية بشكل يخدم أهدافها، من ملاحقة ومحاربة المواطن برزقه وابتزازه بأشكال مختلفة وغسل دماغه أيضا، وصولا إلى سجنه واعتقاله كوسيلة كي تبقيه مستعبدا مذلا مهانا من قبلها. ويصل بالبعض من دجن من قبل السلطة أن يبدي خوفه عليها بعد أن كان يخاف منها على حد تعبير الكاتب زهير الجزائري.
والقمع الممنهج وإشاعة الرعب يدل في الوقت نفسه على خوف السلطات من أي تحركات جماهيرية واعية التي يمكن إذا أتيحت لها الفرصة أن تطيح بحكمها.
ولنا في جمهورية (البعث) مثالا في هذه البشاعة.
وكثيرا ما تغلبت الجماهير على مخاوفها، واسقطت (ورقة التوت) عن السلطات من خلال انتفاضة عام 1991 والمقاومة السرية وخصوصا في الأرياف والاهوار والبيشمركة في كردستان.
وسقطت جمهورية الخوف الأولى، لتأتي جمهورية فتية، ولكنها سرعان ما أصبحت مثل سابقتها.
فالمواطن الآن خائف من البطالة والمرض وعلى مستقبله عموما، ويتعرض لكافة أنواع الابتزاز، وأمام عينيه يجري نهب ثروات بلاده التي تتلاعب بها (القطط السمان) الجديدة وأن اعترض أو أحتج فهناك من يقتله أو يسجنه أو يختطفه.
البعض بسبب خوفه وتوهمه بدأ يترحم على الجمهورية الأولى كأنها أكثر رحمة من الثانية، من دون أن يعي أن الجلادين هم صنف واحد وإن اختلفوا في المظهر والأقوال، وإن بدت سكاكينهم أيضا مختلفة بالطول والحدة وألوان المقابض.
إن خروج المواطن من دائرة النسيان والإهمال والتهميش لا يصح ان يكون خلاصه على طريقة بطل مسرحية توفيق الحكيم، ولا بالترحم على القديم ولا تقبل الحاضر كأمر واقع غير قابل للتغيير وأن طال الزمن، بل من خلال تحويل القلق والمخاوف إلى فعل مقاوم، وألا يظل اسيرا لا حول له ولا قوة.
فمن (تشابه يوماه فهو مغبون) وعليه ان يأخذ الرفض وجهة له، وأن يتجاوز الطغمة الحاكمة وجمهورية خوفها الجديدة من أجل جمهورية الضرورة.. جمهورية الحرية، وكما يقول المنتفضون: الخائفون لا يصنعون الحرية!