ان الموازنات الاتحادية العامة التي اعدت خلال الفترة المحصورة بين الأعوام 2003 - 2019 لم تبن على اساس التعريف الاكثر رواجا في الادبيات الاقتصادية والذي ينص على ان الموازنة (هي خطة واقعية للمستقبل وتعبير كمي عن الاهداف التي تسعىالادارة - ونقصد هنا الحكومة - في المدى القصير أو الطويلويمكن التعبير عنها على إنها مجموعة من الادوات التي تستخدمها الادارة في تحقيق اهدافها) فهل صممت الموازنات السابقة وفق هذه المعيارية وهل ستنعكس في الموازنات اللاحقة؟

في هذا المقال سنتجاوز موازنة 2020 التي اثير حولها الجدل واعيدت الى مجلس الوزراء بعد ارسالها الى البرلمان لمعالجة المشاكل الحسابية والقانونية، وهي في الواقع ليست بسيطة لأنها ان صح ما نشر تشكل جوهر الموازنة التي يجري تصميمها في كل مرة، ولكن موازنة لثلاثة أشهرلا تستحق هذا الجدل خاصة وان النفقات والايرادات للأشهر الماضية هي ارقام حقيقية بنيت على اساس موازنة العام السابق لذلك من الافضل التمهيد لإعداد موازنة 2021 وترك ما أنفق لهذا العام في اعداد الحسابات الختامية.

ومن المهم هنا البحث في الاشكاليات التي واجهت موازنات السنين الماضية والتي يتقدمها  التخطيط  التنموي  للموازنة فان كل الموازنات السابقة كانت أبعد ما تكون عن  موازنات تنموية لسببين أساسيين، الاول يتعلق بعجز هذه الموازنات التي بلغحجم اموالها 1512 تريليون دينار اي ما يعادل 1258 مليار دولار، وان مجموع موازنات السنوات 2006—2014 بلغت562 مليار دولار، عن تحقيق  اي تطور او زيادة في قيمة الانتاج المحلي الاجمالي بسبب ما صاحبها من عمليات فساد وهدر مالي قل نظيره في تاريخ العراق الحديث، فان حجم الهدر ما بعد عام 2011 بلغ 175 مليار دولار، والسبب الآخر ان الموازنات السنوية لم ترتبط بالخطط الخمسية لكي تكون اداة لتنفيذ تلك الخطط يسهل حسابها ومتابعتها .اما الاشكالية الاخرى فتجد تعبيرها في الاعتماد على الموارد النفطية التي تشكل 95 في المائة من مصادر تمويلها مما أسهم في بروز  ظاهرة العجزغيرالقانوني،وبالتالي مخالفتها لأحكام قانون الادارة المالية والدين العام، اما الاشكالية  الثالثة فتتمثل في غياب الجوانب  الاجتماعية فكانت الرواتب هي الطاغية على الموازنة التشغيلية مع وجود فوارق ظالمة في سلم الرواتب داخل الجهاز الحكومي وقلة  المنفق على الخدمات بمختلف عناوينها وفقر الدعم الحكومي على البطاقة التموينية المصابة بمرض الفساد المزمن.ويمكن بلا تردد القول إن المبالغة في الانفاق العام في الموازنة لم يكن معزولا عن مرض المحاصصة الأزلية حتى تستولي قوى المحاصصة على حصتها من المال العام عبر لجانها الاقتصادية سيئة الصيت.  ويمكن القول ان اهم الاشكاليات في عموم الموازنات السابقة يكمن في غياب الحسابات الختامية التي تشكل صمام الأمان في الحفاظ على المال العام وضبط ايقاع بياناته الفعلية بما يصب في صالح المجتمع والعدالة في توزيع الدخل وهو الامر الذي يؤكد عدم دستورية الموازنات السابقة بسبب مخالفتها المادة 62 من الدستور التي ألزمت اعداد الموازنة ومناقشتها مع الحسابات الختامية في ان واحد.

ان اية موازنة تعتزم الحكومة اعدادها لابد ان تأخذ في الاعتبار الاشكاليات المشار لها والتي تستلزم تنوع مصادر التمويل والابتعاد ما أمكن عن الاعتماد الكلي على الموارد النفطية وان تأخذ بالحساب التأكيد على تلبية الحاجات الاجتماعية الاساسية لمعالجة ظاهرة تفاقم الفقر، والاهم من كل ذلك التأكيد على تنشيط الاقتصاد واخراجه من حالة الانكماش، مع عرضها على الراي العام للمشاركة في مناقشتها.

عرض مقالات: