منذ الأول من تشرين الاول 2019 وحتى الان سطرت الجماهير العراقية اروع البطولات والتضحيات من اجل عراق آمن مستقر بعيدا عن نهج المحاصصة الطائفية والانتقال نحو البديل المدني الديمقراطي وبناء دولة المؤسسات والقانون والحريات والعدالة الاجتماعية، لكن بعد مرور أكثر من تسعة أشهر على الانتفاضة صار من المهم بل والضروري جدا التفكر في تنسيقها وتوحيد صفوفها.

 وبخصوص انتفاضة تشرين فقد تفجرت جميع التناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في وقت واحد، وجاء ادراكها لضرورة اعادة بناء وتشكيل هوية وطنية عراقية معاصرة جامعة لكل الهويات الفرعية، هوية وطنية قائمة على اساس دولة المواطنة والقانون والحريات، وقد لا يختلف اثنان على ان النقطة الاساسية في الانتفاضة هي عفويتها لحظة انطلاقها، حيث نلاحظ عدم وجود تنظيم فيها يشير الى قيادة سياسية ذات مشروع ورؤية متكاملين، باستثناء اشكال تنظيم محدودة. وهذا يترك آثاره على افاق الانتفاضة ومشروعها .اذ أن عفوية الانطلاق ليس في الجوهر غير الشكل الجنيني للوعي، وليس من الممكن ان تستمر بعفويتها وتشظي قواها  لأن قوة انتفاضتنا تكمن في يقظتها ، وان ضعفها يكمن في عدم كفاية وعي ومبادرة منتفضيها في التنسيق والتنظيم  وفي التشديد على سلميتها ، كونه شكل النضال المتاح في ظل هذه التطورات التي عصفت بالبلد ، فقد جاءت انتفاضة تشرين  انعكاسا لواقع متردٍ وسيئ  ولتناقضات احتدمت وتراكمت، ولهوّة سحيقة بين الغنى الفاحش والفقر المدقع، ولغياب العدالة الاجتماعية واحتكار السلطة.

وإذا تعمقنا في جوهر الأمر، وإذا طرحنا جانبا النزاعات الشخصية، يجب علينا الآن كمنتفضين التفكير في شكل تنسيق وتنظيم الانتفاضة، لان التنظيم بالنسبة للمنتفضين هو السلاح الوحيد الذي نملكه بأيدينا في نضالنا امام طغمة الفساد والمحاصصة.

 اذن على الحراك الآن، رغم كل الخلافات الثانوية ان يهتم بمسألة التنظيم بقدر من التجانس يجعله كتلة لا يستهان بها، فالتجربة الثورية والمهارة التنظيمية امران يكتسبان اكتسابا، وحسب المرء ان يعي النواقص، وهو ما يعادل في العمل الثوري أكثر من نصف اصلاح الخطأ. لكن المصيبة تكمن في ان الوعي هذا أخذ يخبو، متجها نحو الخضوع الذليل امام العفوية وتقديسها، رافضا كل شكل من اشكال تنظيمها، وعلى انتفاضتنا ان لا تقيد يدها، ولا تقيد نشاطها باي شكل او اسلوب يوضع سلفا من اشكال او اساليب النضال، عليها ان تعترف بتنوع اشكال احتجاجها، كالإضرابات والتظاهرات المناطقية والقطاعية، والتصعيد السلمي لها.

الى اين نسير في انتفاضتنا؟

لقد تعاظم نهوض الجماهير واتسع باستمرار واطراد ، وهو فضلا عن انه لم يتوقف في الأماكن التي بدأ فيها ، اخذ يشمل مناطق جديدة وفئات جديدة من السكان ممن تضرروا بسبب الادارة السيئة للحكم والتفريط بخيرات العراق ،هذا الأمر يضع على عاتقنا  ان نفكر في كيفية اشراك مختلف الفئات الاجتماعية الممكنة والضرورية لأحداث التغيير المطلوب، بعد كل المشاكل الموجودة سابقا واضيفت لها مشاكل أخرى،  من المرجح بل والأكيد ان تتجدد انتفاضتنا، بالتالي  ينبغي الدعوة لخلق تنسيقية قادرة على جميع القوى لقيادة الانتفاضة، لا بالاسم وحسب بل بالفعل ايضا، اي ان تكون مستعدة على الدوام لتأييد كل احتجاج وكل  غليان سلمي ، وللاستفادة من هذه الاحتجاجات والغليان الجماهيري  في زيادة وتعزيز زخم الانتفاضة لحسم معركتنا امام قوى الفساد والطائفية،  ان كل يوم نؤخر فيه تنظيم صفوفنا يسبب لنا متاعب أشهر وتضحيات جمة، وربما ادى تأخرنا الى فقدان قضيتنا الهادفة الى التغيير الجذري، واذا لم نستعجل وننظم انفسنا اليوم، فسيرسم مصيرنا من رسم ماضينا، ستقرر مصيرنا الطغمة الفاسدة المبنية على اساس المحاصصة الطائفية.  لذا يتطلب منا تنسيق الجهود لمواجهة هذه الطغمة الفاسدة، مما يتطلبه هذا الحال هو خلق قيادة حكيمة وجريئة لا تتردد ولا تضيع الفرص بحجة انتظار الفرص الجديدة، وعدم افساح مجال العمل امام الصياحين ومنمقي الجمل، الذين يؤخذون ويفتتنون بالثورية ((البراقة)) العاجزين عن القيام بعمل ثوري دائب، عاقل، موزون، يحسب الحساب لأصعب الاطوار الانتقالية.

  قد تكون هذه الخطوات كفيلة بتحقيق مطالب الانتفاضة التي اكدت وشددت على اتمامها منذ الأيام التي تلت انطلاقها، وهي التغيير الجذري عبر الانتخابات البرلمانية المبكرة  بأشراف اممي فاعل ووفق قانون انتخابي عادل ومفوضية مستقلة، كذلك الكشف عن قتلة المتظاهرين وتقديمهم للقضاء لينالوا جزاءهم العادل، وعلينا ان نتذكر دائما ونحن نفكر بتنسيق انتفاضتنا هو ان لا نقطع الطريق بأنفسنا امام انفسنا أي نرفض كل اشكال التنسيق والتعاون فيما بيننا الى  ان تتحقق كل مطالب انتفاضتنا، فالنجاح بأيدينا، وعلينا ان لا نفرط به ابدا.

عرض مقالات: