يتميز الفكر السياسي اليساري بتعدد تياراته الفكرية والسياسية المتجاوبة وسمات الدولة الوطنية وطبيعة النظام الدولي السائد، وبهذا المسار جرى انتقال اليسار الاشتراكي من مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية الى مشروع الوطنية الديمقراطية الذي تشترطه وحدانية التطور الرأسمالي في العلاقات الدولية.

استنادا الى ذلك الانتقال نحاول تحديد سمات الفكر السياسي لمشروع الوطنية الديمقراطية الهادف لتفعيل الكفاح الوطني- الديمقراطي المناهض للعولمة الرأسمالية العاملة على تخريب الدول الوطنية وتهميش قواها الطبقية.  

أولا – التطور الرأسمالي ومشروعي الوطنية الديمقراطية.

-احتل مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية موقعا محوريا في برامج الأحزاب الاشتراكية الساعية الى قيادة الطبقة العاملة للسلطة السياسية وتحقيق هيمنتها الطبقية اعتماداً على جعل سلطة الطبقة العاملة اطاراً سياسياً جامعا للوحدة الوطنية.

- انتقال الأحزاب الاشتراكية الى مشروع الوطنية الديمقراطية ترابط وانهيار التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية للاشتراكية وبهذا المسار يتعين على الباحثين تحديد التشابك بين المشروعين مشروع -الثورة الوطنية الديمقراطية ومشروع الوطنية الديمقراطية- حيث يتشارك المشروعان بقواسم فكرية - سياسية أساسية تتمثل في المحددات التالية—

أولا -بناء الدولة الوطنية

1--يسعى مشروعا الثورة الوطنية الديمقراطية- والوطنية الديمقراطية الى ضرورة بناء الدولة الوطنية المنبثقة من سيادة الشرعية الديمقراطية وتلبية المصالح الطبقية للقوى المنتجة في التشكيلات الاجتماعية الوطنية فضلا عن توازن مصالح بنية الدولة القومية.

2-- اشترط عجز البرجوازية الوطنية عن قيادة الكفاح الوطني المناهض للهيمنة الكولونيالية وهيمنة الطبقات الفرعية على السلطة السياسية تصدر الطبقة العاملة للكفاح الوطني- الديمقراطي.

3- أكد المشروعان الوطنيان على تصدر الطبقة العاملة للنزاعات الوطنية المناهضة للرأسمال الوطني -والوافد باعتبارهما قوى مهيمنة في التشكيلات الاقتصادية الوطنية.

-- اعتمد المشروعان الوطنيان مهام كفاحهما الوطني- الديمقراطي وفق مضامين برامجهما السياسية التي تشابكت فيها المطالب الوطنية مع المهام الطبقية.

 ثانياً – الشرعية الديمقراطية والثورة الاجتماعية.

- اعتمد مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية على الانقلاب الثوري في تحقيق سيادة الطبقة العاملة على السلطة السياسية بينما ارتكز مشروع الوطنية الديمقراطية على الشرعية الديمقراطية بسبب وحدانية التطور الرأسمالي في العلاقات الدولية.

- تبنى مشروع الوطنية الديمقراطية الشرعية الانتخابية  للوصول الى السلطة السياسية بينما اتخذ المشروع الآخر الثورة الوطنية الهادفة الى السيادة الطبقية المتحكمة في السلطة السياسية وإدارة شؤون البلاد السياسية – الاقتصادية.  

- لم يتكلل الكفاح الوطني – الطبقي الذي خاضته الأحزاب الاشتراكية في مرحلة المعسكرين بالنجاح بسبب طبيعة السلطات السياسية الحاكمة وقيادتها القومية وطرحها أهدافا استراتيجية مثالية تتعارض ومشروع الوطنية الديمقراطية حيت تمثلت استراتيجية القوى القومية بالمحددات التالية -  

1– رفض التيار القومي بمختلف احزابه السياسية مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية واعتمد الوحدة القومية هدفاً استراتيجيا بدلا من الوحدة الوطنية وبنائه أنظمة سياسية استبدادية بديلا عن الديمقراطية السياسية.

 2 – عمدت الأنظمة القومية - العسكرية الى إشاعة الإرهاب السلطوي ضد التيارات اليسارية والاشتراكية ويعود ذلك الى –

أ – اعلاء شان الوحدة القومية العربية على القضايا الوطنية وما نتج عن ذلك من تشديد النزاعات الاجتماعية وضياع الرؤية الاستراتيجية.

ب –ضعف فعالية البرجوازية الوطنية السياسي ادى الى الاعتماد على شرائح الطبقة الوسطى في أجهزة الدولة البيروقراطية - العسكرية المتحكمة في النظم السياسية للدولة الوطنية.

ج – قادت الروح العسكرية- البيروقراطية المتحكمة في سلطة الدولة الوطنية في النظم السياسية القومية الى سيادة الإرهاب السياسي ضد القوى الديمقراطية والفصائل اليسارية.

د— معاداة القوى الاشتراكية والديمقراطية حفزت الأنظمة الديكتاتورية الى توطيد التعاون بين القوى الطبقية المحلية والرأسمالية العالمية من خلال مساندة الأخيرة لأنظمة الحكم الاستبداد.

ان احتراب التيارات القومية والاحزاب اليسارية الاشتراكية حول طبيعة الدولة ومستقبلها السياسي أدى الى ضياع السيادة الوطنية والامن الاجتماعي وتشويش الفكر السياسي للقوى السياسية الفاعلة في التشكيلات الاجتماعية.

  ثانيا – وحدانية التطور الرأسمالي ومشروع الوطنية الديمقراطية.  

- أنتج انهيار النظم السياسية الاشتراكية وسيادة خيار التطور الرأسمالي في دول التشكيلة الرأسمالية العالمية ظواهر جديدة في الدول الوطنية يمكننا حصرها بالموضوعات التالية –  

-- أفضى انهيار النظم السياسية القومية وركائزها الفكرية الى انتقال السلطة السياسية الى طبقات فرعية بيروقراطية متحكمة في النهوج السياسية -الاقتصادية للدولة الوطنية.  

-- انهيار أنظمة الحكم القومية وسياسة الإرهاب السلطوي ضد القوى اليسارية والاشتراكية أدى الى تشتت التيار القومي وانقسامه الى فصائل سياسية وأخرى إرهابية.

— أدى تحالف الطبقات الفرعية – برجوازية كمبورادورية وشرائح مالية ربوية فئات عقارية - مع الخارج الرأسمالي الى تشديد التبعية والتهميش في العلاقات الوطنية - الدولية.

-- أفضى  انحسار دور الجمهوريات العربية الكفاحي الى صعود النظم العشائرية الخليجية وتشديد ترابطاتها مع الدول الرأسمالية الكبرى بدلاً عن النظم القومية السابقة.   

-- خلاصة القول ان اللوحة السياسية في الدول العربية وتياراتها السياسية تتلون بكثرة من الإشكالات الاجتماعية والفكرية التي عجلت بظهور تيار الوطنية الديمقراطية باعتباره مشروعا بديلا عن حالة التبعثر والتبعية السائدة في الظروف الراهنة.  

-- استنادا الى تنامي دور مشروع الوطنية الديمقراطية دعونا نتفحص المضامين الفكرية - السياسية لهذا المشروع ورصد حركته السياسية العامة وتأثيراتها على توحيد الحركة الوطنية المناهضة للتبعية والتهميش.

-- ترتكز عناوين مشروع الوطنية الديمقراطية على موضوعات فكرية - سياسية تتجلى ب-

1 - الوطنية –  

تعني الوطنية الحفاظ على الدولة الوطنية من التبعية والتهميش استنادا الى مشاركة كل القوى والتيارات السياسية العاملة على اعادة بناء الدولة الوطنية المستقلة دون اقصاء او ابعاد.

 2-- الديمقراطية السياسية.

سيادة التداول السلمي للسلطة السياسية باعتباره أساساً لبناء الدولة الوطنية ونظامها السياسي المرتكز على الأسس التالية-

أ-اعتبار الشرعية الديمقراطية نهجاً ثابتا في بناء سلطة الدولة الوطنية مرتكزة على اجراء انتخابات ديمقراطية دورية.

ب – صيانة السيادة الوطنية للدولة ومكافحة ميول التبعية والتهميش الملازمة للرأسمالية المعولمة.

ج – اعتماد التحالفات السياسية أساساً لبناء الدولة الوطنية وقواها السياسية وتوطيد الطابع التضامني الرافض لسياسة التحجيم والاقصاء.

د – بناء اقتصادات وطنية مستقلة بعيدة عن الهيمنة الخارجية هادفة لتطور المصالح الطبقية لقوى التشكيلة الاجتماعية الوطنية.

ه– بناء علاقات دولية على اساس احترام المصالح الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الوطنية.

و- – إقامة علاقات تعاون وصداقة مع الدول المناهضة للتبعية والهيمنة الأجنبية على أساس صيانة وتطوير المصالح الوطنية المشتركة.   

اعتمادا على بنية المقال التحليلية ورؤاه الفكرية لابد من تثبيت الاستنتاجات التالية

أولا-- اعتبار مشروع الوطنية الديمقراطية بديلا فكريا- سياسياً عن برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية بسبب تجاوبه مع سيادة وحدانية التطور الرأسمالي في العلاقات الدولية.

ثانياً- يرتكز مشروع الوطنية – الديمقراطية على الشرعية الديمقراطية الضامنة للتداول السلمي للسلطة السياسية والمعتمدة على حرية ونشاط كل القوى والأحزاب الوطنية.

ثالثاً- يسعى مشروع الوطنية الديمقراطية الى بناء التحالفات الوطنية بين القوى الطبقية الرافضة لمبدأ الانفراد بالسلطة السياسية والتحالف مع الخارج الرأسمالي المعولم.  

 رابعاً – يرتكز مشروع الوطنية الديمقراطية على القيادة الجماعية لفصائل التحالف الوطني الهادفة الى بناء دولة العدالة الاجتماعية.

خامساً- يستند مشروع الوطنية الديمقراطية على الشرعية الديمقراطية الرافضة لاحتكار السلطة والروح الانقلابية في تشكيلة البلاد السياسية.

       اخيراً لابد من التأكيد على ان مشروع الوطنية الديمقراطية يتماشى وسيادة وحدانية التطور الرأسمالي في العلاقات الدولية رافضا نهوج الارهاب السياسي واحتكار السلط السياسية باعتبارهما شكلا من اشكال الديكتاتورية في الحياة السياسية.

 

عرض مقالات: