في خضم التطرق للأخطاء الفادحة التي اقترفها قصي السهيل خلال ادارته لوزارة التعليم العالي لم يراع الكاتب في بعض جوانب موضوع نظام المقررات الحد الفاصل بين الموضوعية والذاتية عند بحثه عن الحقيقة التاريخية والسياسية. ولحماس الكاتب في فضح آثام قصي السهيل وتسفيه اجراءاته (وهو محق في ذلك) نسى ان نظام المقررات لم توضع اسسه في عهد د قصي وانما في عهد الدكتور عبد الرزاق العيسى لذا رأيت من المفيد القاء ضوء على تلك الفترة وعلى جوهر نظام المقررات. أسست ركائز نظام المقررات بجهود شخصية مني ومن الدكتور عبد الحسين غانم صخي. وتم لنا من وضع أسس هذا النظام الراقي بعد ان شكلت لجنة برأستي استنادا للأمر الوزاري (ق/7/5/ 2559) بتاريخ في3/7/2017  لدراسة الموضوع وضمت بالإضافة الى د عبد الحسين د غسان حميد عبد المجيد مدير عام دائرة البحث والتطوير و د سهيل نجم عبد الله حسين مدير عام دائرة الدراسات والتخطيط و د أسامة فاضل عبد اللطيف حسن مساعد رئيس جامعة بغداد ود فوزي حامد حسين الهيتي مساعد رئيس جامعة المستنصرية ود علاء عبد الحسن عطية مساعد رئيس الجامعة التكنولوجية ود علاء عبد نعمة العاني مساعد رئيس جامعة النهرين و د قحطان هادي حسين مساعد رئيس جامعة بابل و د محمود جواد أبو شعير عميد كلية الرافدين الجامعة. درست هذه اللجنة شكلين من نظام المقررات وهما نظام الوحدات الأمريكي ونظام الموديلر الأوربي (والذي يختلف عن نظام الكورسات البريطاني والذي اسماه الكاتب خطأ بنظام المقررات)، كما اخذت اللجنة بنظر الاعتبار الصيغة التي طبقت سابقا في بعض الجامعات العراقية كجامعة البصرة، واخذت أيضا بنظر الاعتبار المشاكل والصعوبات التي واجهت تطبيق النظام السابق. توصلت اللجنة الى صيغة توافقية ضمت عددا من أسس نظام المقررات الأوربي ونظام الوحدات الامريكي وبني على أساس ما تم تطبيقه في الجامعات العربية والعراقية، وتركزت محاورها على الأسس البيداغوجية والتربوية الحديثة كمخارج التعلم وعبئ الطالب وتوصيف البرامج، واعتمدت مفهوم (الطالب محور العملية التعليمية) بدلا من المفاهيم التقليدية للتدريس. كما ان الصيغة التي تم إقرارها من قبل هيئة الرأي حينذاك اخذت بنظر الاعتبار عدم تحميل الجامعات عبئ أكثر من طاقاتها من قاعات جديدة او بنى تحتية او زيادة في عدد التدريسيين.  ولقد تألمت كثيرا من سماع الأصوات المتذمرة بشأن عدم توفر القاعات والتدريسيين وصعوبة نظام التسجيل، لان ذلك لم يكن ابدا من شروط تطبيق النظام، لكونه وضع كنظام لا يحتاج ابدا الى اية زيادة في البنى التحتية والموارد البشرية، ولكونه يسهل عملية تسجيل الطلاب. وكنا نشارك الوزير د عبد الرزاق العيسى الايمان بضرورة تجربة نظام المقررات في عدد محدد من الكليات والجامعات والتعرف على إيجابياته وسلبياته وعلى اراء هيئات التدريس، ولذلك اقرت هيئة الرأي بتجربته أولا ولمدة سنة واحدة في ثلاث جامعات صغيرة نسبيا بعد ان تم اخذ موافقتها، وهي بالتحديد الكرخ للعلوم والتكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات والجامعة التكنولوجية (بعد نيل استقلاليتها الإدارية والأكاديمية) ومن ثم يتم اشراك جامعات أخرى في حالة رغبتها في تطبيق النظام. وحالما بدأنا بتدريب الإداريين والتدريسيين في هذه الجامعات حدث التغيير الوزاري وجاء د قصي السهيل ليأمر بتشكيل لجنة جديدة لنظام المقررات، وليبدأ بتطبيق نظام مستل من نظام المقررات الأصلي الذي تم اقراره في عهد د عبد الرزاق العيسى وفرضه بصورة شاملة على جميع الجامعات، وبأهمال متعمد لما اوصت به اللجنة السابقة وبما أمرت به هيئة الرأي كجزء من سياسته في التصدي لكل الإجراءات التي اتخذها الدكتور عبد الرزاق العيسى. ولم اعلم بهذا التغيير المفاجئ الا بعد زيارتي للعراق اثناء تسنم د قصي لمهامه فحاولت مناقشته بهذا الامر ضمن أمور كثيرة ولكنه لم يكن ليذعن الى نصيحتي ولا الى الاهتمام بأرائي. شعرت خلال الأيام القادمة بما كان يضمر لي من كراهية ولاحظت عن كثب المعاملة السيئة للقيادات الجامعية مما اضطرني الى ترك العراق ومقاطعة الوزير تماما. وما جرى بعد ذلك لم يكن لي علاقة به وبالتطبيق المبتذل والمحرف لما سمي بنظام المقررات والذي من خلاله تم القضاء على أحد احلامي واحلام التربويين والمصلحين في ادخال الجامعات العراقية الى القرن الواحد والعشرين.

اسمحوا لي ان أدرج ادناه الأسس المهمة لنظام المقررات الأصلي، والذي كنت اسميه بنظام المقررات المبني على أساس الوحدات، وللأسباب التي ذكرتها أعلاه.

نظرة عامة لنظام المقررات المبني على أساس الوحدات

1- شروط الحصول على الشهادة تحدد في "توصيف البرنامج". واهم ما فيه هو تحقيق الأهداف التربوية. اما الاليات فيمكن تطويعها بما يتناسب وامكانيات الجامعة.

2- لكل مقرر عدد من مخرجات التعلم تحدد عدد الوحدات المقررة للمقرر وطريقة الامتحان ويمكن ان يبنى المقررعلى أساس بيداغوجيا "التعلم المبني على المشكلة".

3- يتم التسجيل من قبل الطالب على المقررات في بداية الفصل الدراسي او بداية السنة على حسب طبيعة المقرر.

4- لكل مقرر عدد من الوحدات ولكن في معظمها يكون لكل منها 5 وحدات مع ان المشروع والاطروحة لها عدد أكبر من الوحدات.

5- كل وحدة تتمثل بعمل يسمى عبئ الطالب يعادل 20 ساعة عمل تشمل المحاضرات (ساعات الاتصال) والقراءة والتقارير والامتحانات والمختبرات.

6- بالمعدل يكون لكل سنة 60 وحدة ولكل 4 سنوات للحصول على الشهادة 240 وحدة.

7- المقررات تقسم على مستويات (مراحل) ولكل مستوى عدد منها عند اكمالها يتقدم الطالب مستوى (او مرحلة). في بعض الأحيان تدرس بعض المقررات في مرحلة متقدمة او متأخرة وحتى من الممكن تدريس مقرر لمستوى الماجستير في المرحلة الرابعة.

8- تسمح المقررات بالدراسة المتعددة التخصصات وبدراسة مقررات تمنح من قبل عدد من الأقسام او عدد من الكليات.

9- تتضمن معايير التقييم في نظام المقررات كيفية تحديد التدريسي ما إذا كان الطلبة قد حققوا مخرجات التعلم المقررة لكل وحدة من وحدات الدراسة، أي عن طريق تقديم توقعات مفصلة من حيث أداء المتعلم. وينبغي أن تكون هناك صلة واضحة وقابلة للتثبت بين مخرجات التعلم ومعايير التقييم لكل وحدة نمطية.

10- يبنى فيه تقييم الطالب على اساس مخرجات التعلم وليس على اساس مفردات المقرر اي ليس لغرض معرفة ماذا درّس الطلاب في المقرر بل يفحص نواتج عملية التعلم بمعنى معرفة ماذا تعلم الطلاب.

11- في العادة يكمل المقرر في فصل واحد او في سنة واحدة. نظام المقررات يمكن ان يكون نظام فصلي او سنوي

12- ليس بالضرورة ادخال مقررات جديدة او اختيارية عند عدم توفر البنى التحتية او التدريسيين.

هذه هي أسس نظام المقررات، وهي التي كنا نحلم بتطبيقها في الجامعات العراقية، وما ربط اسم هذا النظام باسم د قصي السهيل الا اجحاف لجهود الوزارات السابقة ولجهودنا وجهود السادة أعضاء لجنة "وضع اسس نظام المقررات" والأساتذة الذين ساهموا في تدريب الإداريين والتدريسيين وتمكينهم على تطبيقه. لقد ساهم قصي السهيل عن قصد او عن غير قصد في تهديم أحد دعائم تطوير التعليم في الجامعات العراقية وبذلك ترك اثار سيئة واسعة النطاق.  

عرض مقالات: