حسب احصائيات وزارة التعليم العالي أن هناك ما يقارب 15000 خمسة عشر ألف من حملة الدكتوراه والماجستير عاطلين عن العمل لا توجد امكانية لأستيعابهم في وزارة التعليم العالي" حسب تصريحات الوزارة" وتؤكد ايضا ممكن استيعابهم من قبل وزارات اخرى او في القطاع الخاص وغيرها, تلك هي اللغة الرسميه لتسويف مطاليبهم وعدم الأكتراث بهم, وقد مهد اهمال مطالبهم المشروعه في الحصول على عمل, بعد أكثر من ثلاثة اشهر من الاحتجاجات, التجاوز عليهم واستخدام مختلف الأساليب القمعيه, من ضرب واستخدام الهراوات وخراطيم المياه الساخن, الى جانب الأعتداء على النساء الخريجات والتجاوز عليهن بأساليب غير مؤدبة وغير حضاريه ولا تليق بالمرأة.
نقول هنا ان تخلف البنية التحتية الأقتصادية والتقنية والعلمية أضعف فرص امتصاص الطاقه العاملة وخاصة ذوي التحصيل العالي, وكان للمحاصصة الطائفية والأثنية والفساد الأداري والمالي ونهب المال العام الذي يضعف الأمل في أي نهضة شامله افقدت الأمل في حل مشكلة البطالة حل شامل في الأفق المنظور, الى جانب اشتراطات صندوق النقد الدولي بالحد من التعيينات, والى جانب التشوهات البنيويه وفوضى القطاع الخاص وعدم امتلاكه خطط واضحه لحاجته من الشهادات المختلفه الى جانب الفساد والمحسوبية والمنسوبية في.
ومما يزيد الطين بله هو الأنتشار الواسع للجامعات الأهلية ذات الطابع الربحي البحت وانعدام تنسيقها مع الجامعات الحكومية والذي يدفع بدوره الى المزيد من الخريجين في مختلف التخصصات وبعيدا عن دراسة سوق العمل والحاجة الى التخصصات" رغم ان العراق لايزال في سبات أو ارض بكر وقد يحتاج الى الجميع لاحقا" ولكنه نذير الى المزيد من البطاله, الى جانب كون هذه الجامعات الأهليه في اغلبها تعود ملكيتها لزعماء احزاب طائفية وأثنية ويعج فيها الفساد اسوة بغيرها, ولاتتمتع مخرجاتها بكفاءة يعهد لها بالجودة والمنافسة.
نحن امام مهمة عصية على التنفيذ وهي استيعاب خريجي الكليات والدراسات العليا في اطار القوى العامله, في ظل نظام لا يمتلك بوادر نهضة.اقتصادية واجتماعية وعلمية وينهش فيه الفساد ويهدر فيه المال العام, وكذلك امام مشكلة اخرى, وهي كيف نربط الطموحات العلمية المشروعه في ضوء الحاجة الماسة لسوق العمل. أن عدم تلبية طموحات خريجي الدراسات العليا والجامعية في الحصول على عمل هو امتداد طبيعي لأوضاع مؤسسات التعليم العالي وأزمتها الخانقة, والتي تتجسد بأرز ملامحها الآتية:
ـ التدهور الأمني المستمر لمؤسسات التعليم العالي وتدخل رجالات الأحزاب والمليشيات الطائفية في شؤون التعليم العالي مما يضع طرفي العملية التعليمية : الطالب ـ الأستاذ والعملية التعليمية برمتها في دوامة عدم الاستقرار والخوف من المستقبل¸مما يترك أثره الواضح في تسرب الطلاب وهجرهم لمقاعد الدراسة وهجرة الكادر التدريسي.
ـ الإجراءات التعسفية في إقالة أو إحالة الكادر التدريسي الجامعي ومن درجات علمية متقدمة " أستاذ وأستاذ مساعد " على التقاعد بذرائع ومبررات واهية, منها كبر السن أو بتهمة عدم الكفاءة, وهي إجراءات تنفذ في الخفاء بواجهات سياسية أو انتماءات طائفية, وتحرم هذه المؤسسات من خيرة كادرها المتمرس في التدريس والبحث العلمي.
ـ تدهور البنية التحتية اللازمة لتطوير التعليم العالي من مكتبات علمية ومختبرات وشبكة انترنيت ومصادر المعلومات المختلفة, وقد تعرض الكثير منها إلى الحرق والإتلاف الكامل والى التخريب والسرقات المقصودة لإفراغ الجامعات من محتواها المتمثل بالمراجع والكتب والأبحاث والمقررات الدراسية بمختلف التخصصات, وغلق أقساما للدراسات العليا بكاملها تحت ذريعة عدم توفر الكادر التدريسي اللازم لها.
ـ تدهور المستوى العلمي والتحصيلي للطلاب جراء تدهور الوضع الأمني والانقطاع عن الدراسة, أو النجاح بأي ثمن تحت وطأة تهديد الأستاذ الجامعي من قبل مليشيات الأحزاب السياسية ـ الطائفية وفرض معايير مشوه للتفوق الدراسي لا تعبر عن إمكانيات الطلاب الفعلية, بل تعبر عن أولويات الانتماء السياسي أو المذهبي أو الطائفي, وهي تذكرنا بممارسات التبعيث لفرض النتائج الدراسية وانتقاء الطلبة على أساس الولاء للحزب الحاكم.
ـ تغييب الكليات الإنسانية والتضييق على دورها المهم في الحياة الثقافية العامة عبر الحد وعرقلة أنشطتها المختلفة التي يفترض لها أن تسهم بإشاعة ونشر قيم التسامح والعدل والحق ومكافحة الإرهاب, وقد شهدت هذه الكليات حرق العديد من مكتباتها بالكامل, وعرقلة إصدار دورياتها الثقافية الشهرية أو الفصلية أو السنوية, وانعدام الأجهزة اللازمة لاستمرار عملها كأجهزة الاستنساخ والطباعة وغيرها, إضافة إلى محاصرة العديد من مبدعي وكتاب هذه الكليات ومنعهم من الظهور العلني للحديث عن نشاطاتهم ونتاجاتهم الثقافية والأدبية المختلفة.
ـ استشراء الفساد بمختلف مظاهرة الإدارية والمالية, من محسوبية ومنسوبيه وسرقة الأموال المخصصة لهذا القطاع وتزوير للشهادات والتلاعب بسجلات الدرجات من خلال ممارسة الضغط والابتزاز على إدارات الأقسام الدراسية و عمادة الكليات لمنح ضعاف التحصيل ما لا يستحقوه أو إضعاف المتفوقين دراسيا والعبث بدرجاتهم بدوافع الانتقام والثأر بواجهات مختلفة, سياسية ومذهبية وطائفية وغيرها.
ـ عدم السماح وعرقلة جهود المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وأجهزتها المعنية بشؤون التعليم العالي على الإشراف والتأكد من ظروف عمل هذه المؤسسات بما يستجيب لشروط الجودة العالمية لهذه المؤسسات وحماية خريجها من عدم الاعتراف بالشهادة, وكذلك عرقلة جهود اللجنة الدولية للتضامن مع أساتذة الجامعات.
ـ في ظروف العراق الحالية والذي توقفت فيه التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشاملة, تضعف فيه كنتيجة منطقية قدرة ودور الجامعات والمؤسسات البحثية في المجتمع وبالتالي تضعف روابط التعليم العالي ودوره الأساسي في التخطيط والاستجابة لظروف التنمية البشرية الشاملة وحاجتها الفعلية لمختلف القيادات والكوادر في مختلف التخصصات العلمية والأدبية والمهنية والتقنية وغيرها.
.ـ ضعف الإنفاق على التعليم العالي والبحث العلمي باعتباره دعامة أساسية لإعادة بناء بنيته التحتية وإقامة المشاريع البحثية والتعليمية المتقدمة, وبالتالي فأن أي نوايا للإصلاح دون توفير الأموال اللازمة هي نوايا باطلة وقد تعكس بنفس الوقت رؤى متخلفة للقيادات التربوية والتي ترى أن ما يصرف على التعليم هو من باب الاستهلاك الغير ضروري وليست الاستثمار طويل الأمد. ـ ضعف وتدهور البحث العلمي وأصالته ومكانته في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وضعف استقلالية الأستاذ الباحث الذي يتعرض إلى ضغوطات مختلفة لتوجيهه الوجهة التي يرغب فيها هذا الكيان السياسي أو ذاك, وأن اغلب ما يجري من أبحاث يعتمد على نظريات ومفاهيم مهجورة أو أنها تقادمت في ظل عصر تتغير فيه المعلومة يوميا, أو أنها هجنت بطريقة عجيبة نتيجة للقيود والضغوطات الرقابية والحزبية والطائفية.
ـ غياب إستراتيجية واضحة للبحث العلمي في ضوء احتياجات المجتمع المحلي لها, حيث أن المبادرة الفردية للباحث والأستاذ تلعب دورا كبيرا في تقرير ذلك, ومعظمها يجري لأغراض الترقية العلمية أو لأغراض المتعة العقلية الخالصة للبحث, ويجري ذلك في ظل انعدام صناديق متخصصة لدعم وتمويل البحوث, وضعف القاعدة المعلوماتية, وعدم وجود مراكز أو هيئات للتنسيق بين المؤسسات البحثية, وضعف الحرية الأكاديمية كتلك التي يتمتع بها الباحث في بلدان العالم الديمقراطي, وعدم تفهم أو انعدام دور القطاع الخاص ومشاركته في الأنشطة العلمية حيث لا يزال قطاعا متخلفا يركز على الربحية السريعة والسهلة ولا يعي حقيقة وأهمية البحث العلمي في تطويره. بين أزمة التعليم العالي العامة في داخل مؤسساته وبين استعصاء ايجاد حلول لمخرجاته يعاد انتاج ابقاء الاوضاع كما هي دون جدوى أو مبادرة حكومية مسؤولة تفضي الى معالجة الأزمة البنيوية للتعليم العالي, أسوة بمختلف القطاعات الاجتماعية, ومن هنا سيعاد انتاج نفس الأزمات دون حلول تذكر, مالم ينهض المجتمع والدولة في اعادة بناء البنية التحتية المجتمعية في كل القطاعات, وسيصحبها الاستفادة الكاملة من كل الطاقات العلمية والمهنية.
اما ما يعنينا من داخل التعليم العالي فأن الحرية في المجتمع الأكاديمي وتوسيع دائرة الصلاحيات للإدارات الجامعية وعدم اقحامها بالصراعات الأثنو طائفية السياسية, وفصلها وعزلها عن المؤسسات الدينية, سببا مهما في نمو الفاعلية ورفع مستوى الأداء، فالاستقلال النسبي ماديا وإداريا وفكريا وسياسيا سيدفعها إلى البحث عن التميز والشعور بالمسؤولية تجاه جودة المخرجات، لأن الجامعات في هذه الحالة ستعمل على طريقة تحقق فيها متطلبات التنمية لتدخل ضمن مجال تنافسي علمي تحكمه المستجدات العلمية والتقنية المعلوماتية وإبراز الأفكار المبدعة، فسترفع من هذه القيمة باستقطاب المفكرين وتبني الآراء التي تسهم في وصولها إلى مكانة أفضل نسبة إلى غيرها، وهذه الأهداف ستتجاوز ما نخشاه من سيطرة النزعة المناطقية والنفعية والطائفية والأثنية التي تسيطر على الإدارات وعلى السياسات العامة، ويأتي هذا كله مع ضرورة إيجاد نظام يحمي مكتسبات الجامعات من أي تدخل خارجي، والنتيجة تؤدي إلى خلق بيئة ملائمة لنمو المعرفة والإبداع, وبهذا ستكون مؤسسات التعليم العالي بيئة صالحة لجذب افضل الكوادر العلمية, وتقلص بدورها من هجرة الكادر وتسربه من الجامعات الى خارج العراق أو داخله.
قد يبدو الحديث اعلاه مجرد طموحات مجردة لأعادة هيبة ومكانة التعليم العالي وبالتالي مكانة وهيبة الخريجين منه, وبدون شك انها مهمة صعبة في ظل نظام المحاصصة الطائفي والأثني الذي خرب مؤسسات الدولة والمجتمع وعبث في استقرارها وتطورها وعرقل استجابتها لحاجة العصر والمجتمع, وبالتالي فأن المدخل الواسع للحديث عن الأصلاح هو حديث متصل عن اصلاح بنية النظام السياسي برمته واعادة بناء السياسة التعليمية والتربوية ومن ضمنها سياسة الحاجة الى الكادر الجامعي والعالي من مختلف التخصصات وفي اطار خطط محكمة لبناء المستقبل.