قبل أيام كتب الزميل عامر صالح وأعقبه اليوم الزميل صادق أطيمش على موقع الحزب الشيوعي العراقي عن ذكرى استشهاد الإمام الحُسين على أرض كربلاء التي لم تكن يومها مثل هذا اليوم واحدة من أهم مدن وحواضر العراق ، كتب الزميل الأول عن المأساة المتجددة من كل موسم بقيام جمهرة من المعزين بجلد الذات من خلال التطبير وزناجيل السكاكين والمشي على الجمرات والتمرغ في الطين وغيرها من الممارسات الاخرى التي أدانتها وحرمتها مرجعيات دينية كبرى في حين تستغلها مرجعيات منافسة محدودة التأثير والجماهيرية لتشجيعها وإباحتها نكاية بالأولى ، ناهيك عن استغلالها من قِبل عدد من أحزاب الإسلام السياسي كما كتب الزميل الثاني لتوظيفها للتحشيد السياسي والطائفي وللنفاق وستر فسادها ، ويبدو واضحاً لا سلطة للمرجعيات العقلانية لا على جمهرة المعزين من الرعاع ولا على جمهرة واسعة من المعممين من معتلي المنبر الحُسيني فيما يروجون له لتأييد تلك الممارسات أو ترويج الخرافات المتقادمة عن الواقعة ، وكل ذلك للأسف الشديد يُبث على عشرات القنوات الفضائية حتى باتت هذه المدينة المقدسة العريقة التي تُعتبر بحق إحدى الروافد المهمة في نهضة العراق الحديثة لا تُعرف عالمياً إلا بمثوى ترابها لضريح الإمام الشهيد الحُسين وبتلك الممارسات الشاذة ، وقلة فقط من يعرف وجهها الحضاري الثقافي الآخر ، وحتى كثرة من نجوم الممثلين في السينما العربية والشعر والأدب يحجون إلى المدينة لزيارة الضريح المقدس دون أن يعلموا شيئاً  بوجهها الحضاري الآخر  . 

وقبل بضعة أسابيع وفي حفل رياضي شهد استاذ المدينة حفلاً موسيقياً بهيجاً قدمت فيه العازفة اللبنانية جويل سعادة وصلة عزف للنشيد الوطني ، وبدا أن من تعاقدوا معها من منظمي  المهرجان بأن الأمر سيمر مرور الكرام ، سيما وأن الملعب مُغلق وبعيد عن الروضتين  الحُسينية والعباسية ، وسيستمتع الجمهور الكربلائي بلحظات من السعادة كم هو بحاجة إليها ، وما أن انتهى حفل افتتاح بطولة غرب آسيا حتى انهالت عاصفة مزمجرة ضد الضيفة العربية وضد من استقدمها ولم تعلم بها الضيفة المسكينة إلا بُعيد عودتها للفندق ، ثم ظهرت في فيديو للجمهور الكربلائي لتبدي أسفها الشديد بعدم علمها المسبق بخصوصية المدينة المحافظة ،  وأنها لو كانت تعلم ذلك لما توانت عن لبس الحجاب وهذا ما فعلته عند مغادرتها المطار .

هكذا بدت سلطة المحتجين أقوى من محاربتهم لتلك الممارسات الشاذة سواء في الممارسات التي تسيء لذكرى الفاجعة في مواكب العزاء أم في خطب المنبر الحُسيني. لكن هل تساءل هؤلاء كم يستفيد اقتصاد المدينة وأهلها، سواء من مثل هذه المناسبات أم من خلال غيرها من المناسبات الفنية والثقافية للترويج السياحي بجانبيه الديني والحضاري؟ فكم من العرب والمسلمين الذين يعرفون الوجه الآخر الثقافي والفني والادبي والرياضي للمدينة؟ أو ليست هذه المدينة نفسها قدمت للعراق قامات كبيرة في الشعر والرواية والمسرح الذي خدم فاجعة الإمام الحُسين في كربلاء علاوة على كوكبة عريضة من كبار الموسيقيين والفنانين كمدينة تنبض بصروح الثقافة الحضارية في مختلف شأنها شأن المدن الكبرى؟ وأنت لو تصفحت كتاباً للزميل الكربلائي خالد الشمري، تحت عنوان " أروقة الثقافة الصادر خلال هذا العام 2019، وآخر للصديق سلام القريني الصادر عام 2015 تحت عنوان " نادي الكتاب في كتاب " لهالك ما تزخر به هذه المدينة الجميلة العريقة التي يناهز سكانها اليوم المليون نسمة من كفاءات متعددة في مختلف حقول المعرفة في الأدب والفن والمسرح والتمثيل، وما تضج به لياليها من فعاليات ليلية وتستضيف من خلاله قمماً كربلائية وعراقية وعربية. لكن كم عربي ومسلم سيطلع على هذين الكتابين؟ أو كم عربي ومسلم يعرف عن الوجه الآخر الحضاري الثقافي عن هذه المدينة سوى اشتهارها بسياحتها الدينية فقط، وبل من وخلال تلك الممارسات المؤسفة التي تسيء للمدينة وهذه الذكرى الأليمة المقدسة. فمتى يبادر المسؤولون عن المدينة إلى تنظيم مهرجانات سنوية تشمل حضارة المدينة بشقيها السياحي الديني والحضاري والثقافي معاً إسوةً بمدن البصرة وبغداد وأربيل وغيرها من المدن الاخرى؟ أليست هذه الاولوية تفوق أهمية من إثارة الزوابع حول قضايا هامشية أقل أهميةً مقارنة بمثل هذه المهام ومنها محاربة الممارسات الشاذة في عاشوراء وذكرى الأربعين والقضاء على آفة الفساد؟ أليس القضاء على هذه الآفة المنهكة لإقتصاد المدينة أكثر إلحاحاً مما يزعم من ظهور العازفة السفور في ملعب المدينة؟ 

 

عرض مقالات: