اليسار الجذري والصراع الطبقي
في عام مئوية استشهاد روزا لوكسمبورغ وكارل ليكنشخت، ومرور مئة عام على تاسيس الاممية الشيوعية الكومنترن، وبعد مرور اكثر من ربع قرن على تفكك الاتحاد السوفيتي، ونهاية التجربة الاشتراكية في شرق اوربا، تسعى اوساط واسعة من اليسار الجذري الى استعادة اكتشاف جذورها الطبقبية النضالية.
لقد مرت علاقات الانتاج بتغيرات جذرية كثيرة منذ صدور البيان الشيوعي والى يومنا هذا. وما ترتب ويترتب على ذلك لا ينحصر في طبيعة وتكوين الطبقة العاملة فقط، بل يشمل ايضا الاطار الفكري. ويبدو إن الليبرالية الجديدة، والقوى المرتبطة بها في بلدان الاطراف، والتي تتبنى الليبرالية بشكلها التقليدي، ولا تتبنى عمليا تجاوز النظام الراسمالي، تسخر قدراتها لاحتواء الممارسات والمطالب التحررية، ودمجها في سياساتها ، لغرض اضعاف قدرات الرؤية النقدية لليسار. ولعرقلة نجاحها. ولذلك يجب وضع نضالات اليسار في سياق واسع، يعطي صورة واضحة عن الترابط بين مطالب اليسار المنفردة، التي لاينحصر نضاله فيها، واهدافه الكلية الجامعة التي يجسدها مشروعه الاقتصادي - الاجتماعي. ان نقدا لاحد جوانب المشكلة لا يكفي لتحقيق التحول في علاقات الملكية القائمة. ومن هنا تأتي ضرورة تسيس المطالب المنفردة، وجعلها في اطار نقدي عام للاستغلال الراسمالي، بغية احداث التحولات المرحلية المطلوبة.
وجلي جدا وجود تباين وانقسام في اوساط اليسار الجذري بشأن طبيعة الحلفاء المحتملين. ان الكثير من منظمات المهاجرين، النساء، او النقابات في البلدان الراسمالية، ومايقابلها في بلداننا، تنشط في داخل الاطر البرجوازية، وارتباطا بمطالبها الاصلاحية، هناك صعوبات في تقبل الاصطفاف مع حركة يسارية تهتم بالتحول الكلي، والطرفان معنيان بهذه الصعوبات. وليس انطلاقا من التحول المجتمعي نحو اليمين، لا يمكن لليسار ان يظل مشغولا بنفسه، وبالتالي هناك حاجة لبناء شبكات مع اجزاء من المجتمع المدني. لقد بين العمل مع اللاجئين ان ذلك ممكنًا و ضروري جدا. و بالطبع ، لا يعني ذلك ان يتولى اليسار الجذري دور الدولة، في الحفاظ على النظام القائم من خلال مشاركة المجتمع المدني. وبالمقابل لايمكن لليسار ان يتجاهل ببساطة محنة الكثيرين من الناس، وعليه ان يجد مدخلا للمارسة العملية. وهذا يعني تقديم الدعم الملموس، فعندما يدفع بهؤلاء الى الخلف او يسقطون في القاع جراء سيادة منطق الاستغلال، سواء كانوا لاجئين، مشردين، او عوائل مهددة بالاخلاء القسري من مساكنها، او نازحين داخل بلدان الازمات كما هو الحال في العراق.
ومرة اخرى ليس المقصود المشاركة في توزيع الطعام والملابس على المحتاجين، على الرغم من الاهمية الانية لذلك. ان الاكثر اهمية هو دعم الناس سياسيا، والنضال في سبيل حقوقهم، ومشاركتهم في اتخاذ القرارات التي تمس حياتهم. لقد تجاهلت اوساط واسعة من اليسار في الماضي القريب قضايا السياسة الاجتماعية، ولكن آثارها العملية وآلام المعاناة المرتبطة بها توفر نقاط انطلاق مثالية لتقديم مطالب جذرية، ممكنة ايضا لاصطفاف حتى اوساط من قوى الوسط. ان الذين اخرجو من مساكنهم بفعل عمليات الترميم الفاخرة المبنية على منطق ربحي استهلاكي، لايجدون فكرة ازالة، او الاستيلاء على المساكن فكرة غريبة. ومن يهدده الموت غرقا، وهو يمارس العمل التطوعي لانقاذ اللاجئين في البحر الابيض المتوسط، قد لايجد فكرة حدود الدولة الوطنية جيدة.
ان اعادة القضايا الاجتماعية الى نضالات اليسار، وعلى اساس قاعدة بروليتارية واسعة، مرتبطة بسؤال: من هي البروليتاريا اليوم؟ ونظرًا لعلاقات الإنتاج المتغيرة ، يصبح من الصعب تحديد من ينتمي ومن لا ينتمي الى البروليتاريا. ان صغار العاملين في القطاع الخاص،والمقاولين الفرعيين ووكلاء الشركات، ومديري المشاريع الصغيرة يصعب تصنيفهم طبقيا.
وعلى هذا الاساس لا يمكن توصيف البروليتاريا على اساس موقع الناس في العملية الانتاجية فقط. ولهذا سيكون التعريف المعاصر للبروليتاريا مبني على الموقف الشخصي من الصراع الطبقي. ولهذا فان كل فرد يعارض الراسمالية ويقاومها يمكن ان يكون جزء من البروليتاريا. ان مثل هذا المفهوم التكاملي للطبقة سيكون على الأقل قادرًا على توحيد النضالات التحررية المختلفة تحت مفهوم واحد. وهذا لا يتعارض مع المفهوم الكلاسيكي للطبقة العاملة القائل: ان الطبقة العاملة هي الطبقة الوحيدة التي لا تملك شيئا، وبالتالي لا تبدل استغلا، باستغلال آخر.
ان سياسة طبقية يسارية معاصرة يجب ان تراعي اشكال عدم الاستقرار والاستغلال، وتعمل على دمجهم في نضالات الناس المشتركة. وهذا لا يعني فقط تشبيك قوي النضالات العابرة للحدود الوطنية، بل يعني ايضا العمل خارج خطوط الانشقاق التقليدية. إن الربط بين النضالات المهمة ضد القومانية والعنصرية والتمييز الجنسي وتدهور البيئة و الكثير مع القضايا الاجتماعية دون ترتيبها هرميا ، يوفر إمكانية لتوسيع الصراع الطبقي والتصدي لاحتواء الفئات المتضررة من قبل اليمين.
ومن الأمثلة على ذلك حملة "اجعلوا الأمازون تدفع!"، التي مثلت مصالح العاملين في الامازون النقابية،وفي الوقت نفسه وضعت هذه المصالح في سياق واسع مناهض للرأسمالية. ان النقد والتصدي لعملاق الإنترنت المتمثل بشركة امازون للتجارة الالكترونية العابرة للحدود ، يمثل هنا ظروف العمل العامة غير المستقرة في عصر الليبرالية الجديدة.
ان التحدي الذي يواجه سياسة اليسار الطبقية يتمثل في جمع مختلف الممارسات المقاومة في النضال ضد الراسمالية. ولكن كيف يمكن لمثل هذا النوع من الجمع أن ينجح دون إهمال المطالب الحقيقية للحركات المنفردة؟ ان ذلك يكون ممكنا فقط، عندما تكون كل معركة من اجل حصة من لاحصة لهم، معركة على طريق تخطئة اساسية للنظام الراسمالي.
وبالنسبة للفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك ، فإن اقصاء عناصر معينة من المجتمع يجلب دائمًا إمكانات ثورية ايضا. ان النظام المهيمين يدعي تمثيل مصالح الكل، ولكن حقيقة ان قسما من هذا الكل ليس له نصيب، يقوض النظام الحالي. وعندما يرفض قسم من المجتمع الموقع الدوني المفروض عليه، والذي يحدده العام المهيمن باعتباره ممثلا،فان ذلك يزعزع الاستقرار الطبيعي المفترض للنظام الراسمالي. و إذا كانت المدينة ملكًا للجميع ، فلماذا لا تستطيع تقديم الاكثر؟ وإذا كان النظام الاقتصادي يحقق الرخاء للجميع ، فلماذا يوجد الكثير من الفقراء؟ السؤال هو ، من هو المقصود فعلاً بـ "الكل"؟
وعندما يتضامن اليسار مع الاوساط الاجتماعية التي لا نصيب لها، يصبح خطل العلاقات وتركيبة النظام المهيمن واضح للعيان.وبهذا تنفتح إمكانية التغيير وتخلق فضاءات امام نظام غير رأسمالي. وفي مواقع المقاومة المشتركة ، يمكن التغلب على الانقسامات المختلفة وخلق الوعي البروليتاري. وبما أن كل معركة يمكن أن تسخر النضالات لتخطئة النظام الرأسمالي ، فيمكن فتح العديد من الامكانيات والافاق.
ان نقطة الانطلاق الأولى هي النصال الراهن ضد الازاحة والتمييز. بواسطة توفير الدعم الملموس للمتضررين وتعزيز هياكل الجوار ، ويمكن العثور على نقاط انطلاق واعدة لإشراك قطاعات واسعة من السكان في النضالات التقدمية. وعندما لا تكون الانقسامات داخل الطبقة ، ولكن بين الطبقات ، فيمكن التقدم خطوة حاسمة أخرى في النضال ضد النظام الرأسمالي الاستغلالي.
*- اعدت هذه المادة على اساس مقالة بنفس العنوان للصحفية الالمانية الشابة ماري فرانك.