طُرِحتْ قبل فترة وثيقة المنهاج الوزاري لحكومة السيد رئيس الوزراء للمدة (2018-2022) وتضمنت المحاور التالية:
- استكمال بناء أسس الدولة الاتحادية الواحدة ونظامها الجمهوري النيابي الديمقراطي
- سيادة النظام والقانون وتعزيز الامن الداخلي والخارجي
- الاستثمار الأمثل للطاقة والموارد المائية
- تقوية الاقتصاد
- الخدمات والتنمية البشرية والمجتمعية
ويبدو جليا عند تصفح الوثيقة المكونة من 121 صفحة شمولية الالتزامات الوزارية في التعبير عن مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والخدمية والسياسية والأمنية بما يؤكد ان واضعي هذه الالتزامات قد اخذوا بنظر الاعتبار كل ما هو عاجل ومهم من إجراءات وسياسات توجه مسيرة الأداء الحكومي على المدى القصير، وما يسهم في تطوير برامج الدولة ويسرع من عملية البناء والتنمية. وكم كان ما يزيد سروري لو ان الفرصة اتيحت أمام الخبراء والمهتمين من مناقشتها وإبداء ما يعن لهم من آراء حولها قبل اعتمادها بصورة نهائية كبرنامج ومنهاج وزاري "يحدد الاولويات الوطنية والمجتمعية لتلبية اهم المتطلبات الاستراتيجية والآنية التي يحتاجها الوطن والمواطن". وكذلك تأكيد المنهاج المطروح على الأمل في تقديم برنامج مفصل تعده الوزارات خلال الايام الـ 100 الاولى وتلتزم بتطبيقه، وهو ما سيعكس اهتمام قيادة البلاد بمشورة اصحاب الاختصاص والخبراء الأكاديميين، فضلا عن اتاحة الفرصة لكل المواطنين من الاطلاع على برنامج الوزارات وبالتالي امكانية تقييم عملها في المستقبل القصير.
واقتصادا للوقت والجهد، واحتراما للاختصاص واهميته في معالجة فقرات الالتزامات الوزارية المختلفة فإنني سأحتفظ بعدد من الملاحظات على نصوص المواد التي تضمنتها الاولويات المشار إليها، محاولا التركيز على النقاط الخاصة بموضوع اهتمامي وخبرتي، والمتعلق بتطوير كفاءة المؤسسات التربوية والتعليمية وذلك على النحو التالي:
- تطرق محور الخدمات والتنمية البشرية والمجتمعية الى التربية والتعليم من خلال تحديد التزامات كل من وزارة التربية بصورة عامة مؤكدا على تطوير المناهج وتدريب الهيئات التعليمية وتشجيع القطاع الخاص وبناء المدارس وبخصوص وزارة التعليم العالي مؤكدا على اهمية دخول الجامعات الى التصنيفات الدولية والتوأمة مع الجامعات العالمية ومعالجة الترهل وتشجيع تأسيس الجامعات الاهلية وتوسيع الكليات الحكومية ورفع مستوياتها. ستتعلق ملاحظاتي هنا بمنهاج وزارة التربية فقط. افتقر المنهاج الى اهداف ومحاور جوهرية في اعتقادنا انها مفردة ومجتمعة لو وضعت من شأنها ان تضفي على المنهاج الوزاري الاهمية والجدية الضرورية لتحقيق الاهداف العامة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وسيادة النظام والقانون، وفي تحسين حياة الانسان العراقي ونهضة المجتمع والارتقاء بهما.
- من اهم المحاور التربوية التي تطرق لها منهاج وزارة التربية هو تطوير المناهج حيث اكد على اهمية "بناء جيل متعلم، رفيع المستوى خلقيا واجتماعيا ومعرفيا، محبا للآخرين، ونابذا للعنف والتطرف والعنصرية". برأي ان تحقيق اهداف هذا المحور سيعتبر تحقيقا لأهم الاهداف الوزارية حيث سيضمن تحقيق التقدم واللحاق بالدول المتطورة التي سبقتنا في هذا المضمار، مؤكدين فيه على الأخوة الإنسانية، و وحدة العقل الإنسانى العالمي، فبدونه يصبح الرصيد الفكرى المتاح لتجاوز الأزمات محدودا للغاية، واحتمالات كبيرة لنشوء حركات وقوى متطرفة قد تكون اخطر من داعش، وبدون تربية الفرد بروح التسامح والمحبة، ولا حرية دون التعليم الصحيح، فهما في أي مجتمع يجب ان يكونا متوازيين.. ان اختل احدهما يختل توازن المجتمع، وهذا ما حصل في الماضي في عراقنا. كان بودي ان يتضمن هذا المحور بالاضافة لأهمية المناهج ايضا، الالتزام بالاساليب التربوية وطرق التعليم العصرية التي تؤكد على تربية الفرد تربية صحيحة لغرض زرع وترسيخ الايمان بالقيم والمبادئ الانسانية، والالتزام بالثقافة الوطنية، والانفتاح على الثقافات العالمية، وان تغذي في الطالب مبدأ سيادة القانون على المواطنين وبأنه الوسيلة لتحيق العدالة والمساواة بينهم، وبأن تسعى الى تربية وتطوير المعارف والمهارات والمواقف والقيم والسلوك الانساني في الطالب، وبشكل خاص اعتزازه بوطنه وانتمائه له، واعلاء المصلحة العامة، وتوطيد روح السلام في الذات، وإدراك أهمية العلم والتكنولوجيا والثقافة والفن واللغات في تطوير الشخصية والانسجام مع العالم.
- تضمن المنهاج ما يلي: "ادخال الحاسوب والبرامج المتطورة للرقي بمستوى التربية والتعليم". ان تنفيذ مثل هذا الهدف سيكون مرهونا بتطوير قابليات المدرسين في مجال تقنية المعلومات، كشرط لادخال مادة الحاسوب بنجاح ضمن المناهج التعليمية. اني استطيع القول ان غياب الرقمنة في المدارس، هي احد التحديات التي تحتاج الى جهد كبير وتعاون كبير فيها بين الجامعة والمدرسة، ولأن تكنولوجيا المعلومات وتطويرها يعني بشكل او بأخر تطوير التعليم لأنه يوفر ادوات التواصل المختلفة بين بيئة التعليم والمتعلمين. برأي ان مواكبة التطورات الالكترونية لابد ان تشمل توفير خدمة الانترنت للمدارس، وتوظيف الخدمات الالكترونية في هذا الصدد، وتوفير كوادر بشرية على قدر كبير من التدريب والتأهل لاداء رسالة التدريس على اكمل وجه. ولابد للأولويات الإستراتيجية ان تجيب عن اسئلة مشروعة وهي كيفية تحفيز الطلاب على المضي قدما في التعليم والدراسة برغبة وبمسؤلية كاملة، وما هو نوع التعليم الذي نحتاج اليه في السنوات المقبلة؟
- اهمل المنهاج الوزاري موضوع التعليم الالزامي كما فعلت الاولويات الستراتيجية للحكومة السابقة. ينص الدستور في المادة الرابعة والثلاثون على: 1- التعليم عامل أساس لتقدم المجتمع وحق تكفله الدولة وهو الزامي في المرحلة الابتدائية وتكفل الدولة مكافحة الامية . 2- التعليم المجاني حق لكل العراقيين في مختلف مراحله. بالرغم من ذلك لا اعرف بأنه يوجد حاليا قانون ينظم عملية التعليم الالزامي كما هو عليه عملية التعليم الأهلي، بحيث تهدف الاولويات الى تفعيل العمل به وبحيث تضمن الدولة كل المستلزمات لنجاحه حتى مرحلة الدراسة المتوسطة.
- اهملت المحاور التربوية موضوع العلاقة بين منهج التلقين والحفظ، وبين التخلف الذي يصيب كل جوانب حياتنا نتيجة فشل نظام التربية والتعليم في قلب اهتمام المدرسة والجامعة. لقد لعب التلقين والحفظ دورا أساسيا في بناء المناهج منذ تأسيس المدرسة الحديثة والتي تمثلت تاريخيا بالمقرر الدراسي الذي يجب على الطالب تعلمه مما ادى الى التركيز على كمية المعلومات التي يتضمنها الكتاب التدريسي من دون مراعاة الاهداف ومخارج التعلم للمادة التعليمية ، فأصبحت العملية التعليمية، سواء في المدرسة او الجامعة عبارة عن تلقين المعلومات تلقينا اعمى غير واعي، والامتحانات تقوم على تذكر المعلومات واجترارها، وإهمال الكثير من المهام الاساسية في العملية التعليمية، كاكتشاف وتوظيف القدرات والمهارات والمواهب. فأصبح للحفظ قيمة ايجابية كما كان عليه في العصور القديمة، بالرغم من كونه يجعل الانسان اكثر استعدادا لتقبل القهر السياسي، ويكرس الاستبداد ويشجع على الغش والتطرف. كان يمكن للمنهاج الوزاري ان يضع في قمة اهتماماته ان يحرر النظام التعليمي من مصيدة التلقين والحفظ وذلك بالتأكيد على الأساليب التربوية وطرق التدريس التي تشجع على الفهم والتفكير المستقل والتساؤل والبحث والتجريب والنقد والعمل الجماعي لكي يسهل عملية تحقيق الاهداف التربوية الاخرى.
- يبدو ان سياسة الحكومة التربوية ستعتمد الى درجة كبيرة على مساهمات القطاع الخاص وعلى المدارس الاهلية بحيث انها اولت هذا الموضوع اهتماما كبيرا لتمنح ثلاثة التزامات من اصل خمسة التزامات لوزارة التربية تتعلق بدعم المدارس الاهلية والتعليم الخصوصي وبتشجيع القطاع الخاص لبناء المدارس وادارتها. يبدو ان هذا الاهتمام نتيجة لفشل التعليم الحكومي وقد يعبر عن اتهام له بعدم اهليته لتنمية النشء ، كما يؤكد على تزايد القلق بخصوص النظام التعليمي العراقي الذي يسير بسرعتين، لصالح التعليم الاهلي والخصوصي، ويكرس عدم تساوي الفرص بين اطفال العراق، خاصة في صفوف الفئات الاجتماعية قليلة الدخل، وسيوسع الفرق بين مستوى القراءة والتعليم لدى الاطفال الفقراء والاغنياء بسبب التعليم الاهلي والخصوصي. ان الدولة على عكس ما تقوم به من تشجيع للقطاع الاهلي في التعليم أن تعالج عواقب التطور السريع للتعليم الخصوصي، وتتأكد من أن يقوم المدرسون بتحسين التعليم بدل استغلالهم في القطاع الاهلي. اننا في دولة يؤكد دستورها على ان التعليم المجاني حق تكفله الدولة بالاضافة الى امتلاكها لموارد كافية لضمان التعليم المدرسي المجاني ولضمان المساواة التامة في التعامل مع الطلاب كما تفعل دول تصدرت العالم في التعليم كفنلندة واليابان. أن سوء التعليم في المدارس الحكومية هو الذي يدفع عددا كبيرا من الأسر، رغم دخلها المحدود، لتحمل التكاليف الباهظة لتدريس أبنائها في المدارس الاهلية، أو في توفير التدريس الخصوصي، لتفادي مشاكل التعليم الحكومي. لذا نريد تطوير التعليم الحكومي وتوفير مدارس ملائمة وهذا قد يحتاج الى سياسة سريعة (قد تكون سياسة مؤقتة لمعالجة الازمة)، لاستئجار بنايات لفك الازدواج في المدارس واستيعاب النمو الطبيعي لأعداد الطلبة بدلا من انتظار بناء بنايات جديدة وهي السياسة التي فشلت الوزارات السابقة في تحقيقها. سيتطلب تحقيق هذا الهدف انشاء الآلاف من المدارس المجهزة بأحدث ما يتوفر من مرافق ومعدات تدريسية بالإضافة الى توفير اعداد كافية من المعلمين والمدرسين لضمان فك الازدواج بكفاءة وقدرة حقيقية. ولربما من المستحيل تحقيق هذا الهدف كاملا في فترة اربعة سنوات، لذا فمن المهم هو ضمان توفير معدل مقبول من ساعات دراسية مدرسية يتم فيها تغطية منهج دراسي متكامل في السنة الدراسية الواحدة. لذا فان حساب عدد الوحدات المدرسية اللازمة سيعتمد على عدد الساعات الصفية وهي التي بدورها تحدد عدد الوحدات المدرسية اللازمة، الا انه يبقى توفير ساعات دراسية كافية في السنة بدرجة من الاهمية تعادل او تتفوق على مسألة فك الازدواج. يقدر عدد ايام الدراسة وعدد الساعات الصفية في السنة الواحدة في العراق ب 604 ساعة، الا انه من الضروري ان لا يقل العدد عن 900 ساعة في السنة الدراسية الواحدة، بالاضافة للساعات المخصصة للنشاطات اللاصفية كما هو معمول به في دول مختلفة من العالم.
- ان بناء الوحدات المدرسية اللازمة وإعادة تأهيل اكثر من 7500 مدرسة سيتعلق بدرجة كبيرة بعدد المعلمين والمدرسين المتوفرين وعلى أساس نسبة معلم او مدرس لكل 20-25 طالب، وهي نسبة بالرغم من صعوبة تحقيقها اعتبر بلوغها من الاولويات الستراتيجية، لذا فليس هناك فائدة من فك الازدواج مع بقاء نسبة معلم لكل 30 الى 50 طالب في الصف الواحد. ان احدى طرق تطوير التعليم الأساسي هي بالاستفادة من الطاقات الهائلة المتوفرة لدى حملة الماجستير والدكتوراه العاطلين بغض النظرعن اختصاصهم وذلك بتعينهم كمدرسين في المدارس الثانوية والاعدادية كما هو عليه الحال في معظم دول العالم خصوصا في مدارس الدول الغربية.
هذا ما احببت طرحه بخصوص التزامات وزارة التربية التي تضمنها المنهاج الوزاري، وسأعود الى الموضوع لمناقشة المنهاج الوزاري لوزارة التعليم العالي، وهدفي هو تطوير الرؤية المستقبلية لقطاع التربية والتعليم والبحث العلمي والابتكار وردف عملية التخطيط والتنفيذ.