لم يتمكن النظام الفاشي الجديد من الصمود بسبب وقوف شعوب العالم , وفي مقدمتها شعوب العالم الاشتراكي (آنذاك) إلى جانب الشعب العراقي ضدّ الحكّام الجدد وقيام محاولات للقضاء على النظام من قبل الجيش , مثل محاولة الشهيد حسن سريع يوم 3 تموز 1963 . بالإضافة إلى ذلك قيام البعث بتصفية أقرب حلفائه من القوميين الآخرين , ثمّ تفاقم الخلافات داخل قيادته وإزاحة كتلة منه لأخرى لينتهي حكم البعث الأول إلى مزبلة التأريخ , الذي دام تسعة أشهر وتسعة أيام بانقلاب 18 تشرين 1963 على يد رئيس جمهوريتهم عبد السلام عارف , الذي غيّر فقط قمة الهرم بأخرى . رغم تخفيف الكابوس عن صدر الشعب بإطلاق سراح الكثير من الموقوفين وإلغاء الحرس القومي (الفاشي) واعتقال قسم منهم وبعض قيادات حزب البعث تمّ إطلاق سراحهم بعد أيام , ومنهم أحمد حسن البكر , الذي قدّم البراءة من حزب البعث إلى سيده عبد السلام عارف ,مقتديا بذلك ما قام به عفلق, مؤسس حزبه , حينما قدّم نفس البراءة إلى قائد الانقلاب في سوريا الجنرال حسني الزعيم عام 1949 والتوسل لديه لإطلاق سراحة والتفرّغ لعائلته . لم يلغ النظام الجديد أساليب الاضطهاد ضدّ القوى الوطنية , حيث أبقى على آلاف أخرى من الموقوفين والمحكومين واستشهد الكثير منهم بسبب المرض وانعدام الرعاية الصحية, واستمرّت سياسة معاداة القوى الوطنية من شخصيات وأحزاب ومنظمات مدنية ومواصلة الحرب ضدّ الشعب الكردي . وكانت هذه السياسة مدخلا للوحدة مجددا مع مصر . ولاقى الانقلاب الجديد كلّ التأييد من مصر, ولقبوا عارف " بقائد الثورات الثلاث"!!!
هكذا اندفع عارف مرة أخرى للتوجه نحو الوحدة مع مصر, ومن أجل ذلك قام بتأسيس حزب "الإتحاد الاشتراكي العربي" مثل نظيره المصري , ليكون خيمة آمنة للنظام تنضوي تحتها مختلف الأحزاب العراقية من مختلف الإتجاهات الفكرية ,ولم يستجب لذلك سوى بعض التجمعات القومية . وفي تموز 1964 قام النظام بتأميم عشرات المؤسسات الصناعية وبنوك خاصة وشركات للاستيراد والتصدير. وادّعى بأنه يسير في طريق الاشتراكية العربية كما كان يدّعي النظام المصري . ولتوحيد البلدين تمّ تشكيل لجان متعددة لتمهيد الطريق إلى الوحدة . لكن حكام مصر , رغم تعطشهم للوحدة مع العراق , لم يبادلوا حكّام العراق نفس الرغبة , لأن تجربة الوحدة الفاشلة مع سوريا وإعادة المحاولة مع بعث العراق وسوريا في عام 1963 التي أبيح خلالها دم العراقيين , جعلت حكام مصر يتريثّون في إعلان الوحدة . وبسبب التأمينات "الاشتراكية" الطائشة التي أعلنت في آب 1964والخراب الاقتصادي الذي خلّفه نظام البعث , أدت إلى توقف بعض الصناعات وتردي الزراعة وزيادة نسبة البطالة وتهريب رؤوس الأموال إلى الخارج بسبب التخوف من استثمارها داخليا . كانت تلك أسبابا رئيسية للركود الاقتصادي . بالإضافة إلى ذلك واصل النظام حربه ضدّ الشعب الكردي حتى اضطراره إلى توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار مع قيادة الثورة الكردية بعد هزيمته في معركة جبل هندرين التي خطط لها ونفذّتها فصائل الأنصار الشيوعيين في صيف 1966 .
بعد مقتل عارف بتفجير طائرته الهليوكوبتر في الجو عام 1966 تسلّم أخوه عبد الرحمن عارف رئاسة الدولة . واستمرّت المحاولات لتغيير النظام من قبل قوى مختلفة الاتجاهات , يسارية وقومية ومنها حزب عفلق , بسبب ضعف النظام الذي لم يعتمد خطط تنمية اقتصادية واجتماعية والاستمرار على النهج الدكتاتوري العسكري وتفشي البطالة وزيادة الفقر وانعدام حرية العمل الحزبي والمهني . وفي هذه الفترة تنام دور القوى الوطنية الديمقراطية . ونشير هنا إلى أنّ السلطات قررت إجراء انتخابات طلابية عام 1967 لتغطي على وجهها الكالح أمام الرأي العام الداخلي والخارجي . وفي هذه الانتخابات فازت قائمة إتحاد الطلبة العام بقيادة الطلبة الشيوعيين بأكثر من 65% في جامعة بغداد (الكليات التي تأسست حديثا في الموصل كانت ملحقة بجامعة بغداد) و95% في جامعة البصرة وفي معظم معاهد العراق . مع العلم أن جهاز الأمن آنذاك جنّد الطلبة البعثيين , وفي مقدمتهم صدّام حسين وعزّت الدوري , والقوميين المتطرفين بالاعتداء على الطلبة الشيوعيين واليساريين , وكذلك مزاولة التزوير للتأثير على نتيجة الانتخابات , وعندما فاجأت نتيجة الانتخابات القائمين عليها قبل غيرهم سارعت السلطات إلى إلغائها . 
خوفا من مجيء قوى وطنية ديمقراطية إلى الحكم , سارعت المخابرات الغربية إلى التعجيل في سدّ الطريق أمامها وتمهيدها لإنجاح المحاولة الانقلابية يوم 17 تموز 1968التي قادها الضابطان عبد الرزّاق النايف وإبراهيم داود بالتعاون مع البعث العفلقي . وبعد أسبوعين قام البعث بوضع خطة لإبعاد النايف وداود عن منصبهما , وبعد ذلك تمت تصفيتهما جسديا . يقول روجر موريس في مذكراته, وهو عضو سابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي أثناء إدارات جونسون ونيكسون: "إنّ المخابرات المركزية شاركت في انقلابين خلال الحرب الباردة , أحدهما كان انقلاب 1968 الذي ثبّت صدّام بإحكام على الطريق الى السلطة"(7) . ويقول جيمس كريتشفيلد , كبير المسؤولين في المخابرات الأمريكية ومسؤول نشاطاتها في الشرق الأوسط في مطلع ستينات القرن الماضي: "إن المخابرات الأمريكية هي التي لعبت الدور الأساسي والحاسم في الإطاحة بعدالكريم قاسم ونظامه وتأمين نجاح إنقلاب حزب البعث في 8 فبراير 1963 ...هذا الإنقلاب مهّد الطريق بعد خمس سنوات من الإضطرابات والتقلبات في العراق,لإنقلاب 17 يوليو 1968ولحكم أحمد حسن البكر ونائبه صدام حسين الذي أصبح في يوليو 1979 حاكم العراق المطلق"(8). إذن القطار الأمريكي كان جاهزا بعد قيام ثورة الشعب والجيش في 14 تموز 1958 لنقل البعث وأعوانه الى دست الحكم .
بدأ الإنقلابيون الإتصال بقوى وطنية , ومنها الحزب الشيوعي , لدعوتها الى دعم الحكم والمساهمة فيه لختم إنقلابهم بطمغة التقدمية . وفي نفس الوقت بدأ الإنقلابيون بإطلاق سراح الموقوفين السياسيين وإرجاع البعض الى وظائفهم (بإستثناء العسكريين) ثمّ إلغاء سجن نقرة السلمان السئ الصيت . في الوقت الذي كانوا يلتقون مع القوى الوطنية للتفاوض حول إمكانية قيام جبهة , فإنهم لم يتخلو عن أساليبهم الفاشية من إعتقال وتعذيب , وبدؤا من جديد حربهم القذرة ضدّ الشعب الكردي . ومن خلال هذه الممارسات إستطاعوا تصفية الجناح الآخر للبعث (الموالي لسوريا) وحركة القوميين العرب بعد سجن واغتيال رئيسها فؤاد الركابي . 
بعد إنقلابه , سارع البعث الى دعوة ميشيل عفلق إلى العراق , بإعتباره منظّر البعث . وكان المؤتمر السادس للقيادة القومية قد رفض أفكار عفلق النازية , وتمّ طرده من سوريا. وبعد الدعودة المشؤومة والمشبوهة هذه أخذ الإعلام الغربي , مثل الصحف الأمريكية وإذاعة صوت أميركا ولندن ومونتكارلو , تطبل لهذه الدعوة وتعتبرها "إضفاء الهيبة للنظام الجديد في بغداد" . لماذا هذا الإطراء المجاني؟؟؟
تحاشى البعث ذكر إنقلابهم الفاشي في 8 شباط 1963 لمدة تقارب السنتين , لما حمله هذا الإنقلاب من كوارث على الشعب العراقي , ولكن رئيس جمهوريتهم أحمد البكر فاجأ العراقيين بوصفه للإنقلاب ب "عروسة الثورات", مما أدخل الريبة والشك الى قلوب العراقيين وما ستحمله سياسة البعث لهم في المستقبل . 
إستطاع البعث من جرّ الحزب الشيوعي الى جبهة بينهما (جوقد) بعد رفض الحزب الديمقراطي الكردستاني الدخول فيها مما كان يعتبر إضعافا لموقف الحزب الشيوعي داخل الجبهة , كما كان لقيادة الثورة الكردية علاقات إقليمية ودولية منعتها من الإنضمام الى الجبهة . حصل حزب البعث ,وبعد محادثات مطولّة , على تنازلات مهمة من الحزب الشيوعي , مثل "تجميد" المنظمات الديمقراطية (إتحاد الطلبة العام ورابطة المرأة والشبيبة الديمقراطية) والقبول بتمثيل هزيل ومنع أي نشاط حزبي داخل القوات المسلحة , بإستثناء حزب البعث لخلق جيش عقائدي . واستحوذ البعث على محطات الإذاعة والتلفزيون وبدأ بمضاقة إعلام الحزب الشيوعي المحدود منذ اليوم الأول لقيام الجبهة والتجسس على أعضاء الحزب وتقديم الإغراءات المادية لكسب بعضهم وضمّهم الى جهاز مخابرات صدام . لم يتردد البعث عن إعلانه كون الجبهة سياسة تكتيكية , ولم يكن ميثاق الجبهة الموقعة بين الحزبين سوى وريقة لا قيمة لها عند البعث , لأنّ الغدر والخيانة صفتان متلازمتان له , وظهر ذلك , وبشكل جلي , بعد ثورة 14 تمّوز في المؤامرات التي حاكها ضدّها مع أعوانه في داخل وخارج العراق للتفرد بالسلطة تحت شعار زائف سفكوا من خلاله دماء العراقيين في حروب داخلية وخارجية وجرائم فاقت ما قام به هولاكو . أما الحزب الشيوعي كان يثقف أعضاءه وجماهيره بأنّ الجبهة هي من سياساته الإستراتيجية وسوف تؤو الى نظام برلماني ! ولكن شتّان بين من يقود السفينة ومن يجلس في مؤخرتها , (يرجى الإطلاع على تقييم الحزب الشيوعي لسياسته أبان الجبهة مع حزب البعث) . كان البون شاسعا بين الحزبين في كثير من المسائل المعقدّة , مثل القضية القومية وإدارة إقتصاد بلد تسوده فوارق طبقية كبيرة ويتمتع بثروات طبيعية كبيرة , ووضع أسس لبناء نظام ديمقراطي في مجتمع متعدد القوميات والأديان والطوائف .
لم يكن البعث مؤهلا لحل المسألة القومية , وخاصة القضية الكردية, بسبب عقيدته القومية المتطرفة التي رسمها ميشيل عفلق , فهو يحاول الإستحواذ على عقلية الناس , وخاصة الشباب منهم , بتعريفه للقومية كونها حب وفرح وأمل... كأنه يخاطب أحداث. فهو يقول مثلا : " القومية التي ننادي بها هي حب قبل كل شيء"..."والقومية ككل حب، تفعم القلب فرحاً وتشيع الأمل في جوانب النفس، ويود من يشعر بها لو ان الناس يشاركونه في الغبطة" ويضيف : "إذ إنّ الذي يشعر بقدسيتها ينقاد في الوقت نفسه الى تقديسها عند سائر الشعوب "... " ان الذي يحب لا يسأل عن اسباب حبه. واذا سأل فليس بواجد له سبباً واضحا. والذي لا يستطيع الحب الا لسبب واضح يدل على ان الحب في نفسه قد فتر او مات "..." فكيف يجوز لبعض الشباب ان يتساءلوا عن الحجة الدامغة التي تقنعهم بان حبهم لامتهم العربية يجب ان يغلب حبهم لاي شعب اخر... الحب أيها الشباب قبل كل شيئ . الحب أولا والتعريف يأتي بعد " (9).
هذه المصطلحات الإعلامية الساذجة تعطى للمراهق الذي يحلم بفتاة أحلامه أو مراهقة تحلم بفارس أحلامها , وليس للكبار , وخاصة فئة المثقفين, وهي مدعاة سخرية لدى الكثير من البعثيين , مثلا هاني الفكيكي، وهو أحد أقطاب مفكري البعث، في كتابه "أوكار الهزيمة" يعتبر كتابات عفلق ساذجة . إلاّ أن عفلق يحاول تسويق مبدأ هتلر الذي يقول : "إنّ الدعايات تهدف الى لفت نظر الجمهور...لا الى تنوير الشعب على أساس علمي . لذلك وجب التوجه الى قلوب الشعب لا عقله"(10). لذلك إستحوذ البعث على الإعلام من أجل تضليل الناس لا لتوعيتهم . 
لا يقرّ عفلق بتقديم دراسات أو تفسير حول القومية العربية لأنها ليست فكر!فهو يقول "لا يصبح العرب قوميين باعتناقهم فكرة القومية فهي ليست فكرة. لا يحتاج العرب إلى تعلم شيء جديد ليصبحوا قوميين، بل إلى إهمال كثير مما تعلموه حتى تعود إليهم صلتهم المباشرة بطبعهم الصافي الأصيل. كل تفسير للقومية العربية لا ينبعث من صميمها... وكل نظرية عن العروبة يصح أن تقال على السواء عن فرنسة القرن الثامن عشر وعن اليونان في عهد أفلاطون، نظرية زائفة آلية "(11) . يحاول عفلق إعادة صياغة أفكار أدولف هتلرالذي يقول :"...إذا , إن الأعراق هي التي أسست الحضارات وجعلتنا نهتف بما نسميه الحضارة البشرية ,لذا فإن كل عملية بحث عن الأعراق وجذورها هي عملية فاشلة ولن تجدي نفعا , والآريون هم أول من أوجدوا الحضارة المثلى , وبالتالي فهم يمثلون خير نموذج للإنسان..."(12) هكذا يحاول عفلق بديماغوغيته فرض أفكاره على الآخرين لمنعهم من البحث والدراسة في كثير من القضايا, ومنها تأريخ وحضارة الشعوب العربية , وفرض أفكار قومية متطرفة لسلب حقوق القوميات الأخرى عندما يعتبر القومية شيئ مجرّد غير قابل للنقاش أو التحليل . هل أنّ عفلق لايميّز بين ما هو علمي جدير بالدراسة وبين ما هو غيرقابل للنقد كشخص أو قبيلة أو شعب يفصح عن أصله , أم أنه يعتقد بأن أفكاره هذه تسمو على الكتب السماوية التي فسرت آياتها وأصحاحها وأسفارها على آلاف الصفحات؟؟؟ كيف يمكن لشعوب الدول العربية أن تهمل دراسة حضارة وادي الرافدين ووادي النيل اللتان أبهرتا شعوب العالم !!! في العراق يعتبر البعث القوميات السريانية والآشورية والكلدانية من أصل عربي , وكان يطلق عليها " العرب الناطقون بالسريانية ", وكذلك بالنسبة لللإزديين والصابئة والشبك والأرمن , ويفرض تسجيلهم كعرب في الوثائق العراقية وإلاّ تعرضوا الى عقوبات ومضايقات . ومنذ مجيئه للسلطة بعد إنقلاب 68 بدأ البعث بالتغيير الديمغرافي والأثني في محافظة كركوك وديالى وصلاح الدين ونينوى . واستطاع البعث بإحتواء الكثير من أبناء هذه القوميات والطوائف وضمّهم اليه عن طريق أساليبه المعروفة بالإغراء والترهيب وإبعادهم عن الأحزاب الأخرى , وخاصة عن الحزب الشيوعي , الذي كان يحضى بتأييد واسع من أبناء هذه القوميات والطوائف لكونه الحزب العراقي الوحيد الذي ناضل ويناضل , ومنذ تأسيسه , من أجل حقوقها القومية بعيدا عن أي تمييز بين العراقيين . والأقبح من ذلك كان البعث يعتمد على شبكة من هؤلاء الحزبيين الذين كانوا يقدمون تقاريرهم ,السيئة الصيت , الى مسؤوليهم لإلحاق الأذى وإنزال العقوبات بأبناء جلدتهم . ومن المهازل التي خلّفها الإحتلال بعد 2003 , إنضمام الكثير من هؤلاء الى مختلف الأحزاب , وخاصة القومية والطائفية منها التي ظهرت حديثا على الساحة السياسية العراقية لإخفاء وجوههم الكالحة والظهور بملابس حمل ديمقراطي . ولم يترك البعث سكان جنوب العراق للعيش بسلام ووئام ,وخاصة الكرد الفيلية , فقام بإضطهادهم , بسبب شكّه في ولائهم له , وإتهم الكثير من شيعة جنوب العراق بأنهم من أصل فارسي , وكأنّ الغير العربي هو مجرم , فأعدم الكثير منهم ونقل الآلاف الى الحدود مع إيران بعد الإستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم , فدخل قسم منهم الى إيران والآخرين ظلوا عالقين على الحدود ليلاقوا شتى أنواع العذابات . ونشير هنا الى مقالة القاضي الأستاذ زهير كاظم عبود حول مدى حقد البعث على غير العربي " ... ويبدو أن الجواري وشهاب كانا في حديث عن محافظات العراق ، سمعت شهاب يقول للجواري إن جميع سكان المنطقة التي تقع بين المحمودية وجنوب العراق هم (( عجم )) ، ولابد من التخلص منهم لتنقية الدم العربي النقي " (13) .وكان هذا الشهاب وزيرا للدفاع وعضو مجلس قيادة الثورة بعد إنقلاب 1968 . وقام النظام بالتغيير الديمغرافي والأثني في محافظات كركوك وديالى وصلاح الدين ونينوى , سواء بعزل نواحي وأقضية من محافظة وضمّها الى أخرى , أو منح محفزّات مالية لنقل عوائل من محافظة الى أخرى وإجبار عوائل لترك مدنها وتهجيرها الى أخرى , كما جرى , مثلا , لكثير من عوائل كركوك غير العربية . وفي محافظة نينوى تمّ الإستيلاء على أراض زراعية لمسيحيي قضائي تلكيف وحمدانية وتوزيعها على الشبك وعرب من مناطق جنوب الموصل , والعرب رفضوا , أمّا الشبك لايزالون يطلبون المزيد ! وكان السيئ السمعة خيرالله طلفاح يردد مقولته "العربي غير المسلم فوضوي والمسلم غير العربي شعوبي " . وكان صدّام قد عهد إليه إعادة كتابة التأريخ , فأي تأريخ هذا الذي يكتبه حاقد على غير المسلم وغير العربي!!!!!
في منهجه الذي إختطه عفلق , حاول البعث تسقيط الأحزاب والتنظيمات والشخصيات بغض النظر عن برامجها وأفكارها , ويدعو عفلق في كتاباته بأن يعلو حزب البعث عليها بعد توصيفها بالخيانة أو الكسل أو التخلّف لتبرير القضاء عليها . حيث يقول: " لذلك كنا من الناحية السياسية متطلعين الى مرحلة تعلو على الحركات الوطنية السائدة في العالم العربي، وهذه الاشياء قد كتبت مرارا، بأننا لم نرض لانفسنا في وقت من الاوقات ان نكون مجرد ردّ فعل للخيانة والاستعمار، بل وضعنا نصب أعيننا الحركات الوطنية لكي نعلو عليها ونرتفع الى درجة أعلى، ونصفيها من شوائب العدوى التي لحقت بها من حالة الاستعمار والخيانة"(14) ..هكذا توصف الأحزاب الوطنية والقومية في الدول العربية من قبل إنسان مشبوه لاعلاقة له بالقومية العربية ولا بالدين الإسلامي الحنيف , وربى قادة لحزب البعث قاموا بأبشع الجرائم في العالم من قتل وتعذيب واغتصاب وسرقات وإضطهاد الأقليات القومية والدينية والطائفية , وخاصة في العراق وسوريا ولبنان , تحت شعارات مصطنعة . بعد تصفية الأحزاب والمنظمات التي لاتدين بفكر عفلق , حاول حزب البعث القضاء على الحزب الشيوعي , مستخدما في البداية أسايب المضايقة والإسفزاز لأعضاءه ومؤازريه , ثمّ الإعتقال والإستجواب والتعذيب والإغتصاب وتنفيذ أحكام إعدام بتهم زائفة , ومنها تنفيذ أحكام الإعدام بحق 31 من أعضاء ومؤازري الحزب الشيوعي في 1978 . جاء ذلك بعد أن إستحوذ حزب البعث على كامل مؤسسات الدولة والمنظمات المهنية والنقابية , وأصبح يتحكم بواردات الدولة والتي بواسطتها بنى أجهزة أمن ومخابرات قوية وجيش يدين معظم قادته بفكر البعث بعد تصفية الكثير من ضبّاط وضبّاط صف ممن يشكّ بولائهم لهذا الحزب وقيادته وشراء ذمم من داخل وخارج العراق , ومنهم صحفيين ومراسلين للإذاعة والتلفزيون وسياسيين . وفي عام 1970 تأسّس الجيش الشعبي تحت قيادة صدام ,ثمّ عهدت قيادته الى طه الجزراوي عام 1974 ليتفرغ صدام الى شؤون أخرى ,خاصة الإهتمام وقيادة كافة أجهزة أمن الدولة واستحداث مواقع لتدريبها وتزويدها بأحدث أجهزة التجسس . 
لم يكن لحزب البعث كوادر من هم في مستوى التخطيط الإقتصادي ولم يستعن بكوادر العراق الوطنية , لذلك عانى الإقتصاد من عدم الإستقرار وسوء توزيع الثروة , رغم واردات النفط الكبيرة . فبعد تاميم النفط عام 1972 أعلن النظام عن خطة إقتصادية ,سمّاها "الخطة الإنفجارية". أدى ذلك الى هجرة الكثير من سكان الريف للحصول على فرص عمل في المدن وترك الأعمال الزراعية , وفسح المجال للفساد المالي والإداري وزيادة تخصيصات من هم في الحزب والسلطة والقوّات المسلحة والأجهزة الأمنية والسلك الدبلوماسي وإعطاء مسؤوليات في دوائر الدولة , بما فيها الوزارات , لأشخاص غير مؤهلين لها من الناحية العلمية والفنية , وفقط كونهم حزبيين . وسببت هذه السياسة التشويه الطبقي للمجتمع العراقي والتفاوت في مدخول الأفراد . وفي آذار 1978 إنتقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في بيانها المنشور على صفحات طريق الشعب السياسة الإقتصادية للنظام والتفريط بالدخل القومي الذي ينخر من الداخل . وكانت هذه حجة أخرى للهجوم على الحزب الشيوعي ومنع طريق الشعب من الصدور, وهذا ما جعل الكثير من أعضاء الحزب الشيوعي في التفكير بالتوجه نحو كردستان وإعادة تشكيل قوات الأنصار . 
للتغطية على سياساته القمعية وتطور الأوضاع في إيران لصالح الإنتفاضة , التي كانت قاعدتها الأساسية من الأحزاب اليسارية , حاول حزب البعث إحتواء النظام السوري عن طريق قيام وحدة بين البلدين , وكانت سوريا حينها تحتضن الأحزاب المعارضة لنظام البعث العراقي , بما فيها أحزاب الإسلام الشيعي . وبعكس ذلك , كان النظام العراقي يحاول تقديم المساعدة لنظام شاه , ومنها الضغط على المرجع الشيعي الأعلى آية الله العظمى خوئين للإفتاء ضدّ المنتفضين في إيران , ولكن الطلب قوبل بالرفض كون المرجعية ,حينها لم تؤمن بزجّ الدين بالسياسة . وبعد مفاوضات بين حزبي البعث تمّ توقيع إتفاقية سمّيت ب"ميثاق العمل القومي المشترك"بين الرئيسين الأسد والبكر في أكتوبر 1978. رغم الخلافات العقائدية والسياسية بين الحزبين إقتنع البعث السوري ,على مضض , بهذه الوحدة , بدافع الوضع الإقتصادي السيئ لسوريا وكون العراق يحصل على واردات كبيرة من نفطه , وهذا ما سيساعد سوريا على تحسين إقتصادها. وفي هذا الميثاق لم تتم الإشارة ,لا من قريب ولا من بعيد , الى الأحزاب المؤتلفة مع حزب البعث في الجبهة في البلدين , وكان هذا دليلا على أن الحزبين لا يعيران أية قيمة للجبهة كونها حالة طارئة .
أقلق إنتصار الثورة الإيرانية في شباط 1979 قيادة البعث العراقي ,رغم إعتراف البلدين بالنظام الجديد , لكن النظام السوري إختلف مع النظام العراقي وأبدى تأييده للثورة الإيرانية . أخذ النظام العراقي يفصح عن عدائه للثورة الإيرانية , ولم تكن القيادة الدينية للنظام الجديد في إيران أقل عداء للنظام العراقي . في هذه الفترة بالذات
أخذ البعث العراقي يوغل أكثر فأكثر في إضطهاد القوى الوطنية , حيث دخل أكثرمن 700 ألف من العراقيين من مختلف القوميات والأديان والطوائف , من عمّال وفلاحين ومثقفين وكسبة من رجال ونساء , أقبية الأمن والمخابرات التي كان يديرها صدّام بتهمة الإنتماء أو تأييد الحزب الشيوعي العراقي , وإختفى الكثير منهم وسجن القسم الآخر بعد تعرضهم الى أشدّ أنواع التعذيب والإغتصاب والتسميم بالثاليوم , واضطر الكثير إلى مغادرة العراق . كما توجهت أعداد أخرى الى كردستان وأعادت تشكيل فصائل الأنصار التي حلّت بعد إتفاقية آذار 1970 بين الحكومة وقيادة الثورة الكردية والتي فرّط بها البعث بعد ذلك . وبعد أن إستحوذ صدام على كافة وأخطر مؤسسات الدولة , قام بتصفية من هم يرغبون في مواصلة التعاون مع البعث السوري في تمّوز 1979 بمسرحية دموية غدر برفاقه من قيادة البعث بما فيهم رئيس الجمهورية أحمد البكر , وأسال دمائهم بحجة محاولتهم الإطاحة به بالتعاون مع النظام السوري . ولم تكن هذه الوجبة الأولى ولا الأخيرة من سلسلة تصفيات لدعاة الوحدة العربية من قبل دعاة الوحدة . ومنذ الإنقلاب الفاشي عام 1963 تمّت تصفية ثلاث رؤساء جمهورية وأربعة رؤساء وزارة وعشرات الوزراء ومئات الضباط ومئات أخرى من البعثيين .وهؤلاء الوحدويون ساهموا في إزهاق دم الزعيم الوطني قاسم ورفاقه وآلاف الوطنيين المخلصين والشيوغيين بشكل خاص .
تحول النظام من دكتاتورية حزب الى دكتاتورية شخص وأصبح الشغل الشاغل للدكتاتور الجديد القضاء على أي صوت يعارض سياساته , ومنها سياسته في إيجاد طريقة للقضاء على الثورة الإيرانية . وكان عبد الناصر قد علّق بقول مهم عندما زاره وفد رسمي عراقي بصدد إختيار صدّام نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة في 1969 وقال : " إنّ إختيار نائب رئيس مجلس قيادة الثورة يعود للأخوة في العراق , ولكن الواد صدّام إحنا عارفينو , ده طايش وبلطجي"(15) .
أصبحت عسكرة المجتمع الشغل الشاغل لصدام بإستحداث تشكيلات عسكرية وصناعة عسكرية وزجّ المواطنين قسرا فيها . وفكرة عسكرة المجتمع جاءت من إقتداء عفلق بفكر الحزب النازي الألماني الذي يتزعمه هتلر ويقول :"هكذا رأينا الأمة الألمانية التي كانت في مطلع القرن الماضي في وضع من التجزئة المفروضة، والانقسام المصطنع الى ممالك وإمارات، يشبه وضع الأمة العربية في هذا العصر. كذلك رأينا هذه الأمة نفسها عندما خرجت مقهورة من الحرب العالمية الاولى . ولكن الأمة الألمانية عرفت كيف تجعل من قوى الامن الداخلي المحدودة العدد جيشاً جراراً، وكيف تحوِّل الصناعات المدنية الى معامل للسلاح وأدوات للحرب" . إلاّ أن عفلق يتغاضى الإشارة الى أن الجيش النازي أسسه هتلر لزجّه في حروب عدوانية توسعية لتحقيق أحلامه المريضة كما فعل صدّام لاحقا . أخذت وتيرة العداء للفرس قبل الحرب مع إيران بإزدياد , مثلا كان السيئ السمعة خير الله طلفاح يروج للكراهية تجاه القوميات الأخرى , وكان يردد مقولته "ما كان على الله أن يخلق الفرس والذباب واليهود ", أي أنه ينتقد سبحانه وتعالى على خلق ما لا يحلو للبعث ومن على شاكلته .
قرأت المخابرات الأمريكية أفكار صدّام وقلقه من الثورة الإيرانية بسهولة ,لأنه كان أحد صباياها وخادم أمريكا في العراق (بلد النفط) (16) . وتمّت اللقاءات بين الطرفين الأمريكي والعراقي والتي كان عرابها ملك الأردن حسين بن طلال , ووضعت اللمسات الأخيرة للحرب بين إيران والعراق بعد أن وعدت دول الخليج تقديم مساعدات مالية الى العراق في حالة إستمرار الحرب التي دامت ثمان سنوات خسر فيها البلدان الغالي والنفيس , بسبب سياسات الدكتاتور الفاشي وتعنّت القيادة الدينية الإيرانية الحالمة ب" تحرير كربلاء المقدسة " . وكان المستفيد الوحيد من الحرب المدمرّة هو إسرائيل وأمريكا . وقبل إنتهاء الحرب بعدة أشهر بدأ النظام أنفاله بضرب مدينة حلبجة الكردية بالسلاح الكيمياوي والتي إستشهد فيها أكثر من 5000 نسمة من سكانها المسالمين . وكان النظام قد إستخدم هذا السلاح ضدّ قواعد فصائل الأنصار الشيوعيين (قاطع بهدنان) في أيار 1987 . 
لم يستفق العراق من حربه مع إيران حتى أستدرج صدام مرة أخرى , من قبل نفس الجهات التي إستدرجته للحرب مع إيران , للدخول الى الكويت لتبدأ حرب الخليج الثانية التي كانت نتائجها أسوأ من الأولى . بسبب السياسات الرعناء لصدام والخسارات الهائلة في الأرواح وتدمير الإقتصاد ,مما جعل الشعب العراقي يثور على الأوضاع المزرية في آذار 1991 بدءا من مدينة البصرة حتى زاخو. إلاّ أن النظام سارع لتقديم التنازلات للأمريكان مقابل إستخدام الحرس الجمهوري وفدائيي صدام الذين كانت غالبيتهم من محافظات الجنوب للقضاء على الإنتفاضة . إستجاب الأمريكان للطلب خوفا من خروج الأوضاع من تحت سيطرتهم , وخاصة أنّ إيران لم تخف أطماعها في العراق وأرسلت قوات بدر الى هناك والتي تشكلت في إيران من عراقيين تحت قيادة ضباط إيرانيين مما أسال لعاب قيادة إيران الدينية في إمكانية قيام نظام طائفي في العراق , وكان هذا أحد أسباب فشل الإنتفاضة التي قمعت بأبشع الأساليب وقتل مئات الألوف , والمقابر الجماعية شاهد على ذلك . 
هذا ما جناه الشعب العراقي خلال فترتي حكم البعث و الأخوين عارف من سجون ودفن القتلى في مئات المقابر الجماعية وتعذيب واغتصاب الأعراض وسرقة الأموال وحروب داخلية وخارجية وتشريد الملايين ونشر الفساد بأشكاله وتفتيت النسيج الإجتماعي للشعب بزرع الفوارق القومية والدينية والطائفية وتدمير الإقتصاد الوطني . وكانت فترة البعث الثانية 1968 – 2003 هي الأبشع في تاريخ الشعب العراقي , كونها فترة تجسيد أفكار البعث العفلقي على يد تلميذه صدّام . ولم تمرّ مناسبة حتى يزفّ فيها عفلق إطراءه اللا محدود لتلميذه , وهذا نموذج لرسالة تهنئة بمناسبة مرور سنة على مذبحة تسلم صدام مقاليد الحكم من البكر : "واستطيع القول دون تردد ان حزبنا وشعبنا في العراق بقيادتك الحكيمة الفذة وفكرك العلمي الحديث وخلقك العربي الصافي قد جسد الصورة الصادقة للبعث ولفكرته القومية ذات المضمون العلمي والافق الحضاري والبعد الروحي النابع من رسالة الإسلام العظمى " . لقد ذهبتم إلى مزبلة التأريخ , ولا أحدا يأسف على مصيركم هذا, كمصير غيركم من الذين زرعوا الرعب والدمار في بلاد الرافدين , وليكون هذا درسا لكل من يسلك طريقكم .

المصادر :
1- في سبيل البعث، ميشيل عفلق، حول الوحدة بين سوريا ومصر

 2- الحكّام العرب في مذكرات زعماء ورجال مخابرات العالم ص327
3- المصدر السابق ص316
4- في سبيل البعث ميشيل عفلق,الجزء الأول,الباب الثالث
5- كفاحي,أدولف هتلر,دار الأنوار-بيروت ص56
6- في سبيل البعث,ميشيل عفلق,الجزء الأول,الباب الثالث
7- كفاحي,أدولف هتلر,دار الأنوار ص93
8- في سبيل البعث, عفلق الجزء الأول
9- في سبيل البعث, ميشيل عفلق, الجزء الأول, الباب الثالث
10- قراءة في شهادة وزير عراقي للقاضي زهير كاظم عبّود
11- الحكّام العرب في مذكّرات زعماء ورجال مخابرات العالم,مجدي كامل,ص327-329

عرض مقالات: