احتفل العالم الخميس المنصرم، العشرين من شباط، باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، الذي اقرته الأمم المتحدة عام ٢٠٠٧ مناسبةً لتعزيز العمل من أجل تقليل الفقر والتهميش الاجتماعي والظلم واللامساواة على الأرض، وبذل المزيد من الجهود لبناء مجتمع بشري تتوزع فيه الحقوق والفرص، ودعم الحق في الحصول على العمل الكريم، وتوزيع الثروات بشكل أكثر عدلاً بين الناس، ودون أي تمييز على أساس العرق أو الجنس أو الدين أو المعتقد أو الإمكانيات المادية، وذلك بغية ضمان الإستقرار السياسي والتنمية المستدامة والسلام.
ورغم تواصل كفاح الشعوب في كل البلدان للوصول الى هذه الأهداف النبيلة، فما زال التفاوت الطبقي مريعاً داخل كل شعب على حدة، فيما يشهد التفاوت بين الدول في الوصول الى مستلزمات التقدم تزايداً مخيفاً، جراء هيمنة العولمة الرأسمالية المتوحشة، وتحكمها بمصائر المعمورة وتهديدها للأمن العالمي. وهو ما ينعكس في نشرها الخوف والعنصرية والتعصب القومي، ورفعها وتيرة الهيمنة والتسلط للحفاظ على أكثر من 15850 رأساً نووياً، وإنفاق تريليون دولار جديدة في إنتاج أسلحة الدمار الشامل خلال عقد واحد، أو في حصول 20 في المائة من البشر على 85 في المائة من الناتج العالمي الإجمالي، و 84 في المائة من التجارة العالمية، وعلى 70 في المائة من الطاقة و75 في المائة من المعادن و60 في المائة من الغذاء و 85 في المائة من المدخرات. إضافة الى احتكارها وسائل الدعاية والإعلام وشبكات الاتصال الحديثة، كالأقمار الصناعية والفضائيات والشبكة العنكبوتية، ومجمل المواد والمنتجات الإعلانية والثقافية والترفيهية. وكل ذلك لتكريس هذه الهيمنة، في وقت يعاني فيه مليار إنسان من الجوع ومليار من الأمية، ويفتقد 3.1 مليار مياه الشرب، ولا يمتلك 82 في المائة من الناس مجتمعين سوى 19.5 في المائة من الثروة فقط!
وفي بلادنا المبتلاة بمنظومة المحاصصة وتفشي الفساد وفوضى السلاح المنفلت، تشتد أيضاً ظاهرة التفاوت الطبقي وعدم المساواة، جراء التمييز على أساس الإنتماءات الفرعية، أثنية كانت أم دينية وطائفية، وضد المرأة والشبيبة، وملايين الكادحين المعدمين، سواءً في فرص العمل، حيث يعاني خمس المواطنين من البطالة، أو في الدخل حيث يعيش عشرة ملايين مواطن تحت خط الفقر، مقابل بلوغ عدد المليارديرات والمليونيرات ستة عشرة الفاً، أو في فرص التعليم، حيث يقبع ثلث الشعب في ظلام الأمية، أبجدية وثقافية، ويحتكر الأغنياء فرص التعليم الجامعي والأهلي، حتى ان 82.5 في المائة من العراقيين اعربوا عن عدم رضاهم عن التعليم في البلاد. كذلك في الرعاية الصحية، حيث لم يرض سوى 7.5 في المائة من العراقيين عن خدمات الصحة، ولا تجد الأغلبية خياراً سوى بين قطاع خاص تفوق تكاليفه قدراتهم المالية، وبين مسالخ بشرية تسمى المستشفيات الحكومية، التي تفتقد في أغلبها لعلاجات تناسب دخولهم. كذلك في الحصول على الخدمات، حيث لم يرض عن مستواها سوى 6 في المائة من الشعب، الذي يفتقد ثلثه للماء الصالح للشرب ونصفه للصرف الصحي، بجانب مأساة عدم توفر الطاقة الكهربائية.
وإذا كان توفير قدر متنام من العدالة الاجتماعية شرطا لا غنى عنه للحرية والتحديث والتنمية، وتكريس مفهوم الولاء للوطن، وتخليص النساء من العبودية المقنعة، ومواجهة الهيمنة الأجنبية وتحسين شروط التعامل مع الخارج بما يخدم المصالح الوطنية، وإعتماد الشرعية التي يكفلها القانون، فإن العائق الأرأس لذلك في بلادنا اليوم، يكمن في استمرار هيمنة الأقلية وسطوتها، وأزمة منظومة المحاصصة والطائفية السياسية والفساد، مما يستدعي تصعيد النضال من أجل تغيير موازين القوى لصالح الشعب وقواه السياسية ، الوطنية والديمقراطية ، بغية تحقيق تغيير شامل، وبناء دولة المواطنة والحريات والمؤسسات والقانون على أساس مشروع وطني ديمقراطي، يُخرج البلاد من أزماتها ويضعها على طريق