انطلق العام الدراسي الجديد في الجامعات والمعاهد الاحد الماضي، لتتبعها المدارس مطلع الشهر المقبل. وتزامن الانطلاق في الجامعات مع أداء طلبة السادس الإعدادي امتحانات الدور الثاني، الأمر الذي تسبب في ارتباك الدوام في الجامعات وتأخره ساعتين، حتى الحادية عشرة. وهذا المشهد دليل واضح على سوء التخطيط والتنسيق بين الوزارتين.

وقد يعطي المدخل للعام الدراسي الجديد صورة واضحة لما هو قادم، فما زال قطاع التربية والتعليم في أخر سلم أولويات القوى المتنفذة، التي وجهت بوصلتها منذ أعوام في اتجاه تدمير التعليم الحكومي وسد المنافذ أمام الطلبة وعوائلهم، لإجبارهم على التوجه نحو التعليم الخاص الذي أريد له منذ اعتماده أن يكون بديلاً للتعليم الحكومي، وذلك ليس فقط لتيسير تنصل الدولة من التزاماتها، بل ولتمويل الأحزاب المتنفذة التي استغلت الأمر أبشع استغلال، ونشرت الجامعات والكليات والمدارس الأهلية في كل مكان دون النظر إلى الرسالة العلمية والرصانة والجودة والكفاءة والحاجة الفعلية.

ويعاني القطاع التعليمي منذ سنين من القرارات العاجلة، التي اسهمت فيها الادارات المتعاقبة للوزارة، المعتمدة نهج المحاصصة في اسناد المناصب للمحسوبين والمقربين من الاحزاب المتنفذة، دون النظر الى الكفاءة والمهنية. وفاقم الامر اتخاذ الوزارة اجراء تعسفيا يمنع عمل الاتحادات الطلابية، وبالتالي يغيب صوتهم ويمنع مشاركتهم في صنع القرار داخل المؤسسات التعليمية، رغم انهم شركاء اساسيون في العملية.

ويبدو ان الاضراب الطلابي في تشرين 2019 ما زال يؤرق القوى المتنفذة، التي تصر على ابعاد الجامعات عن المجتمع، خوفا من تأثير الطلبة على الواقع الاجتماعي والسياسي، في وقت تعاني فيه المعاهد الدراسية من قدم المناهج التعليمية وقلة المتوفر من المختبرات المدرسية وعدم مواكبتها للتطورات العلمية والتكنولوجية. كذلك الامعان في اسلوب التعليم بالتلقين، الذي غادره العالم منذ سنين. فيما يؤدي عدم توحيد المناهج المتناظرة بين الكليات الحكومية والخاصة الى المزيد من المشاكل. الى جانب ارتفاع اجور الدراسة الاهلية.

ولا يختلف الحال في قطاع التربية الذي يعاني هو الآخر من تهالك البنى التحتية، مما يزيد من تفاقم مشكلة الدوام الثنائي والثلاثي. فالحكومة لم تستطع سد النقص في الابنية المدرسية، حيث تبلغ الحاجة الفعلية إلى أكثر من 20 ألف مدرسة، بينما تم توفير حوالي 450 مدرسة فقط. علاوة على ذلك، أثارت عملية تسجيل طلبة الصف الأول الابتدائي غضب الأهالي، نظرًا لتوزيع المدارس بشكل عشوائي وفقًا للمناطق الجغرافية، وخاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، ما أعاق عملية تسجيل الطلبة الجدد.

ونظرا لعدم اتخاذ إجراءات كافية، فمن المحتمل أن يشهد موضوع طباعة وتوزيع المناهج الدراسية تأخرًا مماثلاً للسنوات السابقة، نظرًا لإحالة طباعتها الى مطابع تعود لشخصيات نافذة تعمل وفق مصالحها الشخصية.

فيما لا يزال انتشار المخدرات داخل المدارس يشكل خطرًا كبيرًا يجب التعامل معه بجدية.

هذا كله غيض من فيض مشاكل قطاع التربية والتعليم، التي تتفاقم نتيجة عدم وضع الحلول الناجعة. وقد فشلت الحكومات السابقة في تنفيذ استراتيجيات خاصة بهذا القطاع، ليس بسبب عدم القدرة، بل بسبب الإهمال المتعمد، خاصة لقطاع التعليم الحكومي.

لهذا نرى أن نقطة الشروع في إصلاح العملية التربوية والتعليمية تكمن في إعادة التفكير في فلسفة التعليم ومدى تناغم مخرجاتها مع سوق العمل، عبر ربط العملية التربوية والتعليمية بمجمل خطط التنمية والتطوير المتوازن للقطاعات كافة. وبدلا من سياسة التوسع غير المدروس والعشوائي نرى ان تعتمد خطط علمية رصينة تواكب التطور الحاصل في العالم، وان تسند الوظائف في هذا القطاع الهام أيضا الى ذوي الكفاءة والاختصاص، وان يتم ابعاده عن المحاصصة، وان تصحح التوجهات الخاطئة نحو ابعاد الطلبة ومنظماتهم عن المشاركة في صنع القرارات ورسم التوجهات.

ان قطاع التربية والتعليم، خاصة الحكومي، يجب ان يحظى بالاهتمام الكافي وان تخصص له الأموال الضرورية، وان تضمن مجانتيه في جميع مراحل الدراسة.