رائد فهمي: لا مخرج لأزمة منظومة حكم المحاصصة إلا بمراجعة جذرية للعملية السياسية..

  • رائد فهمي: نسعى لأن يكون التغيير سلميًا عبر حل مجلس النواب وتنظيم انتخابات مبكرة نزيهة وعادلة..
  • رائد فهمي: نشدد على ضرورة أن يقيم العراق علاقاته الخارجية على الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية..
  • رائد فهمي: الدعوات للحوار محاولة للتسويف وكسب الوقت..

مقدمة:

في ظل الأزمة السياسية الحاجة والعامة العميقة التي يمر بها العراق، هناك العديد من المبادرات للخروج من النفق، من قوى سياسية وطائفية. القارئ العربي والسوداني في حالة تساؤل مشروع للوصول إلى الإجابة الصحيحة. وبالتالي تتوجه أسرة تحرير "الميدان" بالأسئلة التالية:

الرفيق فتحي الفضل

1 - ما هو موقف الحزب الشيوعي في كيفية الخروج من حالة الانسداد السياسي التي تهدد العراق على كل المستويات، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية،، وبشكل خاص حتى وجود الدولة العراقية.

= إننا نعتبر الانسداد السياسي الراهن مظهرًا من مظاهر تعمق أزمة العملية السياسية، القائمة على نهج المحاصصة الطائفية والأثنية، التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه الآن من أزمة شاملة تتعدى الميدان السياسي لتشمل مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والمؤسسية، بل وتمتد إلى المجالات الثقافية والمنظومة القيمية في المجتمع.

لقد شخّص حزبنا الشيوعي مبكرًا منذ سنوات عديدة خروج العملية السياسية عن المسارات السليمة والتفافها على الدستور بإحلال "أعراف" تتوافق عليها القوى وأحزاب الطائفية السياسية المتنفذة عبر تعامل انتقائي مع الدستور وتأويل لمواده بعيدا عن قصد واضعيه، تعمل على تكريس المحاصصة وتعميقها لتمتد إلى معظم مؤسسات الدولة في السلطات الثلاث وتشمل الوظائف القيادية على مختلف مستويات السلم الوظيفي.

وعلى مدى عقد ونصف وأكثر ترسخ هذا النهج وأدى إلى تحول الدولة ووزاراتها وهيئاتها المستقلة إلى ما يشبه الاقطاعيات تتقاسمها الأحزاب المتنفذة وتتعامل معها كغنيمة، تحصل من خلال حصتها في السلطة على أقصى ما يمكن من النفوذ والمغانم عبر الامتيازات المفرطة والفساد السياسي والإداري والمالي. فشكلت الأحزاب المتنفذة هيئات اقتصادية تابعة لها تتحكم بالتخصيصات المالية للوزارات والإدارات التي تقودها هذه الأحزاب وتحيل مشاريعها إلى مقاولين وتجار وشركات تابعة لها، بعضها وهمية، فاستفحل الفساد وتأسس عبر منظومات تُمسك بالمفاصل الأساسية لمؤسسات الدولة، أو تتحكم بها، وخصوصًا الإدارات المالية والقانونية والإدارية. وهكذا نُهبت وهُدرت مئات المليارات من الدولارات من الأموال العامة، على حساب تعطيل وإفشال المشاريع المتعلقة بالخدمات العامة، من صحة وتعليم وخدمات بلدية، وتردي البنى التحتية، فيما تشظت بنية الدولة وتحولت إلى مجال صراع متجدد على الحصص والنفوذ والمغانم، وتدهورت إدارة مؤسسات الدولة بصورة متسارعة، واُقصي أو ستبعد ذوو الكفاءة والخبرة والنزاهة لصالح الموالين والأقرباء والزبائن. ولغياب المشروع والرؤية المشتركة بين الأحزاب المتحاصصة، كانت الأطراف المتحاصصة تتحدث بأكثر من صوت ونادرًا ما تُجمع على موقف، وتبدئ عجزها بوضوح أكثر فأكثر في محاربة الفساد وفي حصر السلاح بيد الدولة وفي إنجاز أي إصلاح حقيقي ذي شأن لتعارض كل ذلك مع مصالحهم. وبموازاة ذلك ضاقت القاعدة الاجتماعية التي تمثلها الأحزاب التي تدعي تمثيل مكوناتها، فتحولت المحاصصة المكوناتية إلى محاصصة حزبية ضيقة تمثل فئات وشرائح محدودة أثرت ثراءً فاحشًا على حساب المال العام، وتحكمت بآليات الدولة والعملية الانتخابية لتعيد إنتاج سلطتها، ما قاد إلى تعمق الفجوة بين المنظومة الحاكمة والقسم الأكبر من الشعب الذي اشتدت أزماته المعيشية مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والأمية وتدهور الخدمات الصحية والتعليمية الحكومية لصالح التعليم والتطبيب الخاص المرتفع التكلفة.

في ضوء كل ما تقدم، وتفجر الأزمة في انتفاضة تشرين 2019 الباسلة وقمعها بصورة شرسة، واستمرار عوامل انطلاقتها، وامتداد الأزمة إلى داخل الأحزاب المتنفذة والمتصارعة على التمثيل المكوناتي، لا يرى الحزب الشيوعي مخرجًا حقيقيًا لأزمة منظومة حكم المحاصصة إلاّ بالشروع بعملية تغيير شامل في النهج والشخوص والسياسات ومراجعة جذرية للعملية السياسية، وإعادة بنائها على أساس المواطنة والمصالح الوطنية للبلاد، وإحداث إصلاحات عميقة في بناء الدولة وسلطاتها باتجاه تفكيك نهج المحاصصة لصالح البناء القائم على المواطنة، نحو إقامة دولة مدنية ديمقراطية تعمل على تحقيق عدالة اجتماعية. وتشترط عملية التغيير هذه تعديلًا في موازين القوى وضغطًا شعبيًا متصاعدًا يفرض تعديل المسارات السياسية باتجاه مشروع التغيير. وتؤكد الأوضاع الراهنة في العراق وتفاقم الأزمة السياسية واستمرار الانسدادات الحاجة وضرورة التغيير، والذي نسعى لأن يكون سلميًا عبر حل مجلس النواب وتنظيم انتخابات مبكرة وفق منظومة انتخابية عادلة ونزيهة، وفي ظل بيئة سياسية وأمنية تسمح باجتذاب الجمهور للمشاركة الواسعة لتنتج تمثيلًا برلمانيًا يعكس الإرادة الشعبية ويفتح الطريق أمام مسارات التغيير.

2 -هناك العديد من المبادرات، ومنها مبادرة السيد الكاظمي رئيس الوزراء الحالي. ما هو موقف الحزب من هذه المبادرة؟

= إن جميع هذه المبادرات تدعو إلى الحوار من أجل التهدئة واحتواء الأزمة خشية تصاعدها وخروجها عن الأطر الدستورية وربما السلمية، كما تدعو إلى معالجات للأزمة تحت سقف الدستور. لا نعتقد أن لهذه المبادرات، على الأسس السالفة الذكر، حظوظا في النجاح، سيما وأن السيد الصدر قد وصف الحوارات التي تدعو لها قوى الإطار التنسيقي وغيرها بـ "السخيفة" وأعلن عن مقاطعتها، كما حدث فعلًا في الاجتماع الذي دعا إليه السيد الكاظمي وحضرته قوى الإطار والرئاسات، ووزير الخارجية ممثلًا عن الحزب الديمقراطي الكردستاني. ويعتبر الاجتماع فاشلًا لأنه لم يخرج سوى ببيان دعا إلى التهدئة، وأعاد نداءه إلى الصدر للحوار.

إننا نرى في هذه الدعوات للحوار محاولة للتسويف وكسب الوقت لامتصاص زخم الاعتصامات والحراك الشعبي المحتمل تطوره، وذلك لأنه لا يطرح جدولًا لأعمال الحوار يتضمن القضايا التي تكمن في جوهر الأزمة والعوامل المتسببة في تصاعد الغضب الشعبي ومطالبات التغيير. فيُفترض بأي حوار جدي أن يضع مطالب التغيير، كتلك التي تتمثل في مغادرة نهج المحاصصة وتحريك ملفات الفساد الكبرى وحصر السلاح بيد الدولة والاقتصاص من قتلة المتظاهرين في انتفاضة تشرين.

كما أن الحوار الذي يريده الكاظمي وطنيًا لم يتم إشراك أي جهة أو طرف من الأحزاب والقوى المدنية أو أي اتحاد او نقابة أو حركة من حركات الاحتجاج فيه. فهل يُعقل أن نجد الحلول لدى القوى الرئيسية المتسببة بالأزمة؟

أما فيما يتعلق باشتراط أن تكون المطالب والمعالجات تحت سقف الدستور، والتركيز على الآليات الدستورية والقانونية التي يجب احترامها وعدم تجاوزها، فإنها في حقيقتها ذرائع ومبررات للحفاظ على الأوضاع كما هي. فلو كانوا حريصين حقًا على احترام الدستور والقانون لما ارتضوا ضرب عرض الحائط كل المدد الدستورية لانتخاب الرئاسات وتشكيل الحكومة، والتي تتحمل قوى الإطار التنسيقي المسؤولية الأولى فيها عن طريق استخدام "الثلث المعطّل" لمنع توفر نصاب عقد جلسة مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية. كما نتساءل أين حرصهم في إنفاذ القانون بحق الفاسدين والمفسدين، وعندما تمت محاصرة مكتب رئيس الوزراء والدوس على صوره بالأقدام من منتسبين لقوات تابعة للدولة؟

نحن أيضًا حريصون على احترام الدستور نصًا وروحًا، والتعامل معه بكليّته وليس بصورة انتقائية. وفي ظل الأزمة الشديدة الحالية وتعطل السلطات التشريعية، وسلطة تنفيذية محدودة الصلاحية وسلطة تشريعية خاضعة لضغوطات سياسية شديدة تستهدف استقلاليتها ومعرضة للانجرار إلى التدافعات السياسية، وحراك سياسي مجتمعي ضاغط مطالب بالتغيير عبر حل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة تولّد إجماعا سياسيا بشأنها، لا بد في هذه الحالة وفي ظل الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد أن تتفق الأطراف على تكييف الآليات الدستورية لتحقيق الأهداف والمطالب الشعبية المشروعة، وليس العكس، أي إخضاع الأهداف للآليات. وهذا ما قامت به القوى المتنفذة عندما أحلّت "الأعراف" محل مواد الدستور وقامت بتفسير وتعريف "الكتلة النيابية الأكبر" في البرلمان بصورة مخالفة لمقاصد كاتبي الدستور والأعراف والممارسات البرلمانية في العالم، ومؤخرًا عندما قامت المحكمة الاتحادية بالاجتهاد في تفسير النصاب الواجب توفره لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.

3 - تحاول القوى الإقليمية والدولية طرح مبادرات أو دفع حلفائها في الداخل لتحريك المياه الراكدة. وتأتي في هذا الإطار زيارة السيد الحكيم إلى السعودية. ما هو تقييمكم لهذه التطورات؟ وبشكل خاص نتائج زيارة السيد الحكيم إلى السعودية؟

= لا تتوفر معلومات تربط زيارة السيد عمار الحكيم إلى السعودية بمبادرة من السعودية، وإنما الأرجح أن يكون التوقيت بطلب من السيد الحكيم. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما تشيعه أوساط قوى الإطار التنسيقي عن وجود دعم من قبل السعودية للسيد الصدر، بل يذهب البعض من المحسوبين على قوى الإطار إلى الادعاء بوجود تنسيق بينه والسعودية في ما يتخذه من مواقف في سياق الأزمة السياسية الراهنة، راجت في ضوء ذلك تكهنات بأن يكون أحد أهداف زيارة الحكيم هو حث القادة السعوديين، على أساس هذه العلاقة المفترضة بينهم وزعيم التيار الصدري، على أن يتدخلوا باتجاه التهدئة والحيلولة دون التصعيد، والدفع باتجاه الحوار. ولكن لم تتوفر أية معلومات موثقة بهذا الخصوص ولم تجر الإشارة في التقارير والبيانات إلى ما يقدم تفصيلًا عما تناولته اللقاءات التي تمت بين السيد الحكيم وقادة السعودية، والتي لا بد وأنها تناولت تطورات الأوضاع في العراق. كما لم يظهر بعد الزيارة أي تطور في الصراع باتجاه التهدئة وانفراج في الأزمة. لذا نستبعد فكرة وجود مبادرة سعودية للوساطة في الوقت الحالي.

4 - منذ عام 2003 يتعرض العراق إلى تجاذبات وتدخلات إقليمية ودولية، خاصة من قبل الولايات المتحدة التي لا زالت تحتفظ بقوة عسكرية في العراق، وإيران كذلك. ما هو موقفكم من هذه التدخلات؟ ومن الوجود العسكري لقوى أجنبية داخل العراق؟

=  موقف الحزب الشيوعي واضح من التدخلات الخارجية بشكل عام، سواء من الأطراف الدولية كالولايات المتحدة أم من القوى الإقليمية ودول الجوار كإيران وتركيا ودول الخليج. فالحزب يشدد على ضرورة إن يقيم العراق علاقاته الخارجية مع دول العالم على الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعلى أساس المصالح الوطنية المتبادلة والمصالح المشتركة في تحقيق أمن واستقرار المنطقة وإشاعة السلام فيها عبر إيجاد الحلول السياسية السلمية للمشاكل وبؤر التوتر والنزاعات المسلحة.

إن التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي العراقي تتخذ أشكالًا مختلفة، منها التدخل الصارخ الذي ينتهك السيادة الوطنية، كتواجد القوات التركية في شمال العراق، والعمليات العسكرية التي تقوم بها القوات التركية والإيرانية ضد معارضيها على أرض العراق، والهجومات ضد أهداف ومراكز نشاط أمريكية وأحيانًا إسرائيلية كما تزعم إيران وتنفيه حكومة إقليم كردستان بشكل قاطع. ولكن التدخلات الأكثر تأثيرًا على الوضع الداخلي هي تلك التي تُمارس على عملية اختيار قيادات الدولة العراقية وتشكيل الحكومات، وعلى سياسات الدولة وخياراتها الاستراتيجية. وبعض هذه التدخلات أصبح جزءًا من الشأن الداخلي لأنه يتم عبر العلاقات والروابط القائمة بين بعض الأحزاب والقوى المتنفذة مع دول الجوار أو مع قوى خارجية دولية.

أما وجود أمريكا ونفوذها فهو حاضر بقوة نتيجة لدورها في إسقاط النظام الدكتاتوري السابق واحتلال العراق وفي إطلاق العملية السياسية وبنائها على أساس المحاصصة الطائفية والأثنية.

ويدرك الحزب جيدًا أن تحقيق السيادة الوطنية الحقة ووضع حد لهذه التدخلات وضمان استقلالية القرار الوطني العراقي هدف صعب المنال، بل متعذرًا، في ظل العملية السياسية القائمة على نهج المحاصصة ومنظومة الحكم المنبثقة عنها. فكما أوضحنا في الإجابة على الأسئلة السابقة، أن منظومة الحكم هذه فشلت كليًا في عملية إعادة بناء الدولة، إذ أنتجت دولة ذات بنية مفككة ينخر مؤسساتها الفساد، وحكومات فشلت في تقديم أي إنجاز تنموي وبددت المال العام، نهبًا وإهدارا، وعجزت عن حل مشاكل وأزمات البلاد الأساسية سواءً السياسية أو الاقتصادية أو المؤسسية، بل تراكمت وتفاقمت ما جعل من التغيير والإصلاح الجذري ضرورة.

فلأجل تحقيق السيادة الوطنية الفعلية وحمايتها لا بد من وجود دولة مدنية متماسكة قوية البنيان المؤسساتي تقوم على مبادئ الديمقراطية والمواطنة والمشاركة والتمثيل الحق لجميع أطياف المجتمع العراقي، قادرة على تجسيد الإرادة الوطنية والتعبير عن المصالح الوطنية وحماية حدود البلاد وسيادتها وقرارها الوطني المستقل.

5- يتعرض شمال العراق إلى عدوان عسكري في فترات متقطعة من قبل تركيا بدعوى الحرب ضد الإرهاب. كيف ترون ذلك، وما هو رأيكم؟

* (*تمت الإجابة عليه ضمنًا في جوابنا على السؤال السابق.).

6 - في ظل تطورات الوضع السياسي وتفاقم الأزمة السياسية، وفي ظل تجارب الحزب الشيوعي العراقي في التحالفات، ما هي القوى التي يسعى الحزب الشيوعي للعمل والنضال معها لبناء تحالف عريض يقود للوصول إلى حل للأزمة الراهنة؟

= طرح الحزب الشيوعي في مؤتمره الوطني الحادي عشر الذي انعقد في تشرين الثاني 2021 شعار "التغيير الشامل: دولة مدنية ديمقراطية وعدالة اجتماعية". ويستلزم التقدم نحو هذا الهدف تغييرًا في موازين القوى السياسية لصالح الحامل السياسي والاجتماعي لهذا المشروع. وعلى أساس قراءة وتحليل دقيقين للواقع السياسي و"الاجتماعي- الاقتصادي"، ولمسار التطورات في البلاد وللعملية السياسية التي انطلقت بعد الاحتلال وسقوط النظام الدكتاتوري السابق عام 2003 على وجه الخصوص ولمنظومة الحكم المنبثقة عنها، بات جليًا أن الاستمرار على ذات النهج السياسي القائم على المحاصصة من شأنه مفاقمة الأزمات على كل المستويات والتسبب في مزيد من التدهور والتردي في الأوضاع المعيشية لغالبية الشعب وسد آفاق الاستقرار والتقدم أمام البلد. لا سيما وأن العمر الاقتصادي للنفط، المصدر الرئيس ويكاد يكون الوحيد لإيرادات العراق من العملة الصعبة في ظل البنية الريعية شبه التامة للاقتصاد العراقي، لا يتجاوز العقدين أو ثلاثة عقود في أحسن الأحوال حسب تقديرات المختصين.

ولم تأت انتفاضة تشرين الباسلة عام 2019 والأزمة السياسية الحالية التي مضى عليها تسعة شهور من دون حل يلوح في الأفق، لتؤكد عمق الأزمة الشاملة في البلد وحسب، وإنما وضعت ضرورة التغيير على جدول عمل المهمات الآنية.

في ظل هذه الأوضاع يعمل حزبنا بصورة مكثفة على توحيد عمل سائر القوى والحركات السياسية التي وضعت تغيير نهج حكم المحاصصة وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية ضمن أولويات برامجها. وهذه تشمل طيفًا واسعًا من الأحزاب، التاريخية والجديدة التي نشأت من رحم انتفاضة تشرين، والحركات السياسية والحراكات الاحتجاجية والشخصيات السياسية والاجتماعية المؤثرة، إضافة إلى الاتحادات والجمعيات والنقابات العمالية والمهنية.

ونظرًا لحالة التشتت التي تسم البناء التنظيمي لمكونات التيار المدني الديمقراطي في المجتمع والصراعات الثانوية ما بين قواه والتنافس على الزعامة، تواجه مساعي التوحيد مصاعب وتحديات كبيرة أدت إلى فشل العديد من المحاولات سابقًا، إلاّ أن ذلك لا يلغي ضرورة مواصلتها بتصميم عالٍ مع استخلاص الدروس والعبر من التجارب السابقة. وهذا ما يسير عليه حزبنا، وبذل جهودًا مكثفة لتحديد الأسس الفكرية والسياسية المشتركة التي يمكن أن تشكل القاعدة والأرضية التي يمكن أن يقوم عليها العمل المشترك. ودعا إلى اعتماد أطر تنظيمية مرنة تستوعب تعدد وتنوع قوى التيار المدني ببعديه الديمقراطيين؛ السياسي والاجتماعي، وبلور مقترحات ملموسة بهذا الشأن، وساند الأطر التي أفرزتها الحركات الاحتجاجية، كتنسيقيات الحراك الاحتجاجي. ومن ثمار هذه المساعي قيام أطر وتجمعات تحالفية وتنسيقية متنوعة ومتداخلة، كالتيار الديمقراطي وتجمع قوى التغيير الديمقراطية، والمجلس التشاوري الذي يضم أحزابًا وحراكات وممثلي نقابات ومنظمات مجتمع مدني. وإلى جانب علاقات الحزب ضمن هذه الأطر، فإن له علاقات ثنائية مع أحزاب وقوى خارجها ولكنها تشترك في تبنيها للتغيير وإقامة الدولة المدنية. ويسعى الحزب إلى ترسيخ هذه الأطر وتوثيق العلاقات ما بين أطرافها والتأكيد على المشتركات، وتطويق الاختلافات وإدارتها في إطار وحدة العمل، والارتقاء بالعمل المشترك من التعاون والتنسيق وصولًا إلى التحالف بعد إنضاج شروطه.

ـــــــــــــــ

 *صحيفة الميدان السودانية 3967،، الأحد 4 أيلول/ سبتمبر 2022