احتفلت الطبقة العاملة وعموم الشغيلة والكادحين في بلادنا وبقية دول العالم بالأول من أيار هذا العام وهي في أوضاع متباينة، لكنها جميعا تعاني من اعباء الصعوبات الاقتصادية والمالية، ومن تداعيات وباء كورونا وحالات الاغلاق وفقدان فرص العمل، إضافة الى زحف رأسمالي متواصل لمصادرة ما حققته الشعوب وجماهير العمال وحلفائهم ومناصريهم من مكاسب وضمانات اجتماعية وصحية، ومن حقوق مجسّدة في قوانين يجري الالتفاف عليها.
وحل أول أيار في بلادنا وهي تعاني من أزمة اقتصادية ومالية تلقي بثقلها على حياة المواطنين، خاصة الفقراء والشغيلة وذوي الدخل المحدود.
وليست هذه الازمة وليدة اليوم، ولا مرتبطة بمجرد انخفاض أسعار النفط عالميا، وبالإجراءات المتخذة للوقاية من جائحة كورونا. وانما هي أزمة متراكمة مرتبطة بمنهج إدارة البلد وبغياب استراتيجية وطنية للتنمية، وبالتوجهات الليبرالية المفرطة في التخلي عن دور الدولة وتصفية ممتلكات وشركات القطاع العام بذريعة " عدم القدرة على المنافسة وتحقيق الربحية "، وبالإضعاف التدريجي للقطاعات المنتجة الوطنية، خاصة الصناعة والزراعة، وبالاستيراد العشوائي وعدم توفير الحماية للمنتج الوطني، وبتشجيع النزعات الاستهلاكية وإنفاق المليارات عليها، الى جانب تفشي الفساد وهدر الأموال العامة ،وفشل مئات المشاريع الاستثمارية او الاستحواذ على الأموال المخصصة لها بسبب كونها وهمية .
من جانب آخر ورغم الحديث عن دعم القطاع الخاص وتشجيعه، بقيت حصته متواضعة من الإنتاج الوطني، ما ضاعف من ضآلة فرص العمل، فيما ظل ملايين العاملين في القطاعات غير المنتظمة من دون حماية تشريعية ولا تأمين ضمانات اجتماعية، فيما أثّر سلبا على عملهم، خاصة الحرفيون منهم، ارتفاع أسعار المواد الخام وشحة او ندرة الطاقة الكهربائية وعدم تقديم القروض الميسرة لهم.
وأهملت الدولة قطاع السكن والتشييد، وما يمكن ان يوفر من فرص عمل ومن تحريك للعديد من النشاطات الاقتصادية المرتبطة به.
كما فشلت الحكومات المتعاقبة في توفير بيئة سياسية وأمنية وتشريعية مناسبة لانطلاق عملية استثمار حقيقي وجاد، سواء من جانب الرأسمال الوطني ام الخارجي، في مشاريع إنتاجية صناعية وزراعية وخدمية، يمكن ان تشكل ركائز للنهوض ولبناء اقتصاد متنوع ومتعدد المداخيل، وتوفير فرص للعمل.
وقد أدى هذا كله الى تعمق الطابع الريعي للاقتصاد العراقي ووحدانيته، فيما أسهم هذا بجانب سوء استخدام العائدات النفطية وتغييب هيبة الدولة وعجز مؤسساتها عن أداء واجباتها وتأمين الخدمات، وتغوّل المجاميع المسلحة المتمردة على الدولة، وسوء الإدارة والفساد المستشري، ادى الى تفاقم ظواهر الازمة الاقتصادية والمالية وتداعياتها، واشتداد التوترات الاجتماعية والفرز الطبقي، واتساع الهوة بين الأقلية الغنية والغالبية المسحوقة والمحرومة، وتردي حياة الاخيرة ومعيشتها.
وترك هذا تأثيره على العمال وعموم الكادحين، وشمل قطاعات واسعة من أبناء الشعب، وطال حتى الفئات الوسطى.
ان هذه الأوضاع تتطلب من الطبقة العاملة وحركتها النقابية المزيد من العمل وتوحيد المواقف والتنسيق الفاعل، والسعي الجاد الى وحدة الحركة النقابية على أسس الانحياز الى العمل والعمال، وتبني قضاياهم والدفاع عنها، ومواصلة الضغط لانتزاع الحقوق ومنها قانون جديد للتقاعد والضمان الاجتماعي الشامل، والتطبيق السليم لقانون العمل النافذ، وتأمين حرية العمل في المؤسسات الحكومية وغيرها.
وفي كل الأحوال نشدد على عدم إلقاء تبعات الأزمة المالية والاقتصادية على كاهل الفئات والشرائح الفقيرة والمعدمة وذات الدخل المحدود والكادحين عموما، وهم الذين تزداد الحاجة الى تقديم الدعم والإسناد لهم، وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية يضمن للمواطنين احتياجاتهم المعيشية الأساسية.
لقد حان الوقت لاعتماد سياسة اقتصادية ومالية بديلة لمشروع اقتصاد السوق المنفلتة والنهج الليبرالي، سياسة تأتي لمصلحة غالبية أبناء الشعب وليس لمصلحة الأقلية المتحكمة اليوم في كل شيء، والتي فشلت تماما في ادارة موارد البلد وفي إطلاق تنمية مستدامة.