في إطار الاحتفال بالذكرى لميلاد المناضلة الأممية والمفكرة الماركسية روزا لوكسمبورغ (1871 – 1919 )، أنشأت المؤسسة الفكرية التي تحمل اسمها موقعا خاصا بالمناسبة، اهتم بحياتها ونتاجها الفكري والسياسي، وبأربع لغات هي الإنكليزية، الفرنسية، الاسبانية، والألمانية. ونشر الموقع خمسة نصوص تعريفية باهتمامات روزا لوكسمبورغ الفكرية في هذه المساهمة نقدم أربعة منها لقراء الشرارة.

 1 – حول التحرر

كان التحرر بالنسبة لروزا لوكسمبورغ هدف الجنس البشري بأكمله، وليس أحد الجنسين فقط. وطالبت بناء على ماركس، "الاطاحة بجميع العلاقات التي يكون فيها الإنسان كائنا مهانا، مستعبدا، مخذولا، محتقرا". وفي الوقت نفسه، كرهت النظرة أحادية الجانب إلى المشاكل. وكان التعليم بالنسبة لها شرطًا أساسيًا للتحرر. ولم تر في التعليم مسألة أحادية البعد. وهو بالنسبة لها ذات طابع مزدوج: كامتلاك للثقافة الإنسانية بمعناها الواسع، ومن خلال المساهمة الشخصية في النشاط الجماعي. وفي كليهما كانت التجارب الإيجابية، والسلبية أكثر منها ضرورية.

ولم تحصر روزا لوكسمبورغ التحرر في تحرر المرأة: " تعلمنا الاشتراكية العلمية نحن النساء أنه لا يمكننا تحقيق التحرر البشري الكامل إلا بإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج في نظام اشتراكي. وتجعل من واجبنا أن نعمل كل ساعة من أجل هذا المثل الأعلى النبيل، الذي هو الهدف التاريخي للحركة العمالية. وتوضح الاشتراكية العلمية للبروليتاريا، عدم قدرتهما على تحقيق هدفها دون الدعم الواعي والنشط لأوسع الجماهير النسوية. الحقائق تلو الحقائق تؤكد، ان التزايد السريع والقوي للنساء العاملات، ستجبر الذين يعملون باجر او راتب، ان يحترموا زميلة العمل، ويجدون فيها شريكا في النضال من اجل تحقيق ظروف عيش كريم". (المزيد من الاشتراكية)

لم يكن التحرر، بالنسبة لروزا لوكسمبورغ فعلا لمرة واحدة، ناهيك عن الخطاب، ولكنه يعني المواجهة المستمرة - مع الذات وكذلك مع جميع جوانب المجتمع والطبيعة. ويتطلب ذلك الدراسة والتعلم مدى الحياة. لا يمكن تحقيق التحرر والتغيير الفردي والمجتمعي، الا من خلال التعلم المستمر والعمليات الدراسية. عملت روزا لوكسمبورغ وفقًا لذلك عندما كانت تمارس التدريس: لقد استفزت التمكين الذاتي. عندما كانت تلقي محاضرات في الاقتصاد.

 " بواسطة الأسئلة والأسئلة المتكررة والبحث، تخرج من الطلبة، ما لديهم من معرفة حول ما يراد تأكيده. بواسطة الاسئلة تطرق على اجوبتنا وتجعلنا نسمع اين وكيف بدا الأمر اجوفا، بواسطة الأسئلة، تتفحص الحجج، وتجعلنا نرى، إذا كانت عرجاء او مستقيمة، بواسطة الاسئلة تجبر، ومن خلال معرفة الخطأ، الوصول الى حل عميق وقاطع" (روزي فولشتاين صديقة وتلميذة روزا في عامي 1912 /1913).

 لا ينحصر التعلم عند روزا لوكسمبورغ في التعليم فقط. ان المطلوبً أكثر من ذلك، التحرر المستند الى المعرفة الناتجة عن الخبرة، لمعرفة نقاط القوة الشخصية، وليس أقل منها نقاط الضعف، فبدون عمل واضح الأهداف، لا يمكن اكتساب الخبرات، التي تكون أحيانًا مؤلمة جدا. وتكون التجارب منتجة أكثر، عندما تعاش وتعالج جماعيا. هذه الرؤية جعلت روزا لوكسمبورغ في تضاد مع القادة الحزبيين في جميع انحاء العالم، الذين يعتقدون دائمًا أنهم يعرفون الأفضل لقواعدهم وجماهيرهم:

"لكن البهلوان الشجاع تغافل فيما يتصل بذلك عن أن الذات الوحيدة المخولة بدور التوجيه هي الأنا الجماهيرية للطبقة العاملة، التي تصر تماما على أن ترتكب اخطاءها وأن تتعلم الديالكتيك التاريخي بنفسها. وأخيرا نقولها بيننا بصراحة: ان الأخطاء التي ترتكبها حركة عمالية ثورية حقا، تعد تاريخيا والى درجة معينة أكثر قيمة وأكثر ثمرا من عصمة أفضل اللجان المركزية". (القضايا التنظيمية لاشتراكية الديمقراطية الروسية)

 وكانت لوكسمبورغ تعود دوما إلى هذه القضايا المترابطة: يمكن لطبقة ما أن تكتسب الخبرة بالنضال فقط، فبواسطته فقط، يصبح الأشخاص المنفردون طبقة، وبالتالي يتحولون الى عاملً سياسي. لقد رفضت فكرة القدرة على خوض النضال وفقًا لنظرية جاهزة سطرت في كتاب. وكانت تعني: "في قلب التاريخ، ومن خلال التطور، وفي خضم النضال، نتعلم كيف يجب ان نناضل" (كلمة في 1 تشرين الأول 1910)

وعندما حصل الحزب الديمقراطي الاجتماعي في انتخابات الرايشتاغ (البرلمان) في عام 1912، على نسبة عالية من أصوات الناخبين.  وكانت قيادته تشير أكثر من أي وقت مضى إلى أن البرلمانية هي السبيل الوحيد لتحقيق الاشتراكية، كانت روزا لوكسمبورغ هي من خفف من اندفاع مزاج المنتصرين. لقد حذرت 4 مليون ناخب من ترك ميدان النضال للحزب بمفرده: "لقد اظهرتم الان قوتكم، ويجب عليكم ان تتعلموا استخدامها " (كلمة في 1 اذار 1912). كانت روزا لوكسمبورغ ستنتقد أداء أحزاب اليسا ر اليوم. وفق رؤيتها، بالتعلم من الأخطاء، والنقاش المستمر يمكن الوصول الى الهدف، وليس باعتماد مرجعية ذاتية تدافع عن مواقفها باي ثمن. واعتبرت عجز القاعدة الحزبية والناخبين الناتج عن ذلك نقيض للتحرر.

 2 – حول الحرية

شكّل افتراض إيمانويل كانت بأن حرية الفرد تنتهي عند حرية الآخر منطلق لفهم الحرية عند روزا لوكسمبورغ. الحرية كامتياز ليست حرية، انها مجرد المكوث في قفص ذهبي. وبالنسبة لروزا لوكسمبورغ، يمكن أن تحدث التغييرات الاجتماعية بأسرع ما يمكن بحرية كاملة، خاصة عندما تُنجز الثورات. وتصبح التغييرات لا رجعة فيها إذا استسلم الجانب الخاسر، بعد أن استنفد كل الإمكانات وهوى بحرية كاملة. تقدمت روزا لوكسمبورغ كل السياسيين اليساريين في رؤيتها، ان حرية الفكر الآخر، تجعل السياسة التحررية ممكنة على الإطلاق: " إن الحرية فقط لأنصار الحكومة , فقط لأعضاء حزب واحد – مهما كان عددهم كبيرا – هي ليست حرية بالمرة. إن الحرية دوما هي حرية الشخص الذي يفكر على نحو مختلف. ليس بسبب أية فكرة متعصبة عن "العدالة" بل لأن كل ما هو محفز , مفيد ومطهر في الحرية السياسية يتوقف على هذه الخصائص الضرورية , ولأن تأثيرها يختفي عندما تتحول الحرية إلى امتياز خاص". (الثورة الروسية)

ان السعي للتحرر بوسائل وأساليب مناهضة له، كما حدث في تجربة البلاشفة، كان سيعني التخلي عن نهج روزا لوكسمبورغ السياسي. لا يمكن التخلص من الاضطهاد بواسطة الاضطهاد.

ميزت لوكسمبورغ بين الحريات السياسية والاجتماعية. بدأت الحريات السياسية بحرية الملكية، التي بدونها لا يستطيع اقتصاد السوق الرأسمالي البقاء. كانت هذه الحرية هي الهدف المركزي للبرجوازية الثورية السابقة وقدمت الحماية الأولى ضد تعسف الدولة، الذي تضمنه دولة قانون. وأعقب ذلك نزاهة الشخص وحرية الرأي والكلام والصحافة، والحق في التصويت بما في ذلك حماية من خسروا الانتخابات، وحرية التجمع، وحرية التنظيم، وسرية الرسائل والهاتف، وحرمة المنزل، كانت هذه الحريات، بالنسبة لروزا لوكسمبورغ، غير قابلة للتفاوض. وبالنسبة لها، لم تكن الاشتراكية أكثر من تكملة الحريات السياسية المرتبطة بالحرية الاجتماعية من الاستغلال وجميع أشكال التبعية. (كانت الاشتراكية التي طبقها البلاشفة تمثل نموذجا مغاير لذلك).

كانت روزا لوكسمبورغ واضحة: من خلال التعامل مع الأضداد فقط، يمكن "لبقية المجتمع" أن تدرك اضطهادها واستغلالها، وبالتالي تحرير نفسها من المسيطرين عليها. بول ليفي، أحد شركائها في النضال، صاغ بعد تصفيتها، الفكرة بهذه الطريقة: "لقد عرفت كيف تقود النضال كنضال، والحرب كحرب، والحرب الأهلية كحرب أهلية. لكنها لم تستطع تخيل الحرب الأهلية، الا بكونها صراعا حرا بين القوى، اذ لا يمكن الدفع بالبرجوازية الى الأقبية المظلمة بالإجراءات البوليسية، ففي  النضال المفتوح فقط، تستطيع الجماهير النمو وأدراك حجم وشدة نضالها". ويضيف "لقد ارادت ان يكون القضاء على البرجوازية نتيجة لتغير توازن القوى الاجتماعية، والذي يعني الثورة". (بول ليفي: مقدمة في» الثورة الروسية. في مجلد بعنوان " عصبة سبارتكوس: وداع بدون لقاء"، صدر للمرة الأولى في عام 1921 / 1922، وصدر في العام الماضي في برلين مجددا).

3 – حول الاشتراكية

ماكينة النمو الرأسمالية تعمل، على الرغم من احتجاجات "الجمعة من اجل المستقبل"، بحرية أكثر من أي وقت مضى، وليس في الصين والهند فقط. إن الرأسمالية بدون نمو أمر لا يمكن تصوره، وكذلك لا يمكن تصور النمو اللامحدود على كوكب محدود. وعلى الرغم من ذلك، فإن البدائل السابقة لتدمير الطبيعة وحياة الإنسان قد فقدت مصداقيتها في ظل استغلال رأس المال: لم تجلب اشتراكية الدولة في القرن العشرين الحرية الكاملة، ولم تتميز بتعامل يراعي البيئة. لكن أزمة الرأسمالية المتعددة اليوم تعزز البحث عن بدائل أخرى، لذلك بدأ نقاش جديد حول الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين. ويمكن هنا العودة الى روزا لوكسمبورغ، التي سعت جاهدة الى اشتراكية ديمقراطية حية وجدلية من جميع النواحي. وباعتبارها "النفس الحقيقي للاشتراكية، فقد رأت "القوة الثورية الأشد قسوة والإنسانية الأكثر سخاءً". (مقالة بعنوان "مهمة مشرفة" في 3 تشرين الثاني 918)

عدت روزا لوكسمبورغ الاشتراكية وحدة من الحريات السياسية والاجتماعية، ولهذا دخلت صراعا فكريا مع لينين وتروتسكي بعد انتصار ثورة أكتوبر1917. كتبت روزا في أيلول 1918: " لقد ميزنا دائمًا الجوهر الاجتماعي عن الشكل السياسي للديمقراطية البرجوازية، وكشفنا دائمًا عن الجوهر المرير لعدم المساواة الاجتماعية وانعدام الحرية في قشرة جميلة من المساواة الشكلية والحرية - ليس لرفضهما، ولكن لتحريض الطبقة العاملة على عدم الاكتفاء بالقشرة، بل أكثر بكثير الاستيلاء على السلطة السياسية لملئها بمحتوى اجتماعي جديد". (الثورة الروسية)

كانت خشية روزا لوكسمبورغ الأكثر من أن تؤدي ممارسة السلطة الى افراغ فكرة الاشتراكية من أهم معانيها: في إمكانية أن تصبح بديلاً للقمع والاستغلال والانحطاط. لا يمكن ادخال الاشتراكية من الباب الخلفي، حتى في صمت مقبرة دكتاتورية، وحتى ولو كانت "يسارية"، لا يمكن تطوير الاشتراكية. يجب أن تكون الاشتراكية مطلوبة من قبل الأغلبية، وبالتالي فهي مسألة مرتبطة بتوفير دعم أوسع أوساط الراي العام. ولا يمكن أن تتطور جاذبيتها إلا في الصراع العام. في الثورات، لم تكن الأحزاب الثورية، بالنسبة لروزا لوكسمبورغ، بل الجماهير وحدها هي التي تستطيع تغيير المجتمع نحو الاشتراكية. وهنا شكلت الديمقراطية الأساس الذي لا بديل له. وعند روزا لوكسمبورغ لا يمكن فرض الاشتراكية، لأنها تشترط الحرية مسبقا، التي لا يمكن ان تأتي من الأعلى، يجب ان تكون مطلوبة من الأدنى.  

 وفي قلب مقاربتها السياسية، وضعت روزا لوكسمبورغ البديل: "الاشتراكية أو البربرية" التي عبر عنها ماركس مرارًا وتكرارًا في حواراته مع المجاميع التي تحيط به. إذا لم يجد الجنس البشري طريقة للخروج من هيمنة الربح، فإنه سيسقط بلا أمل في البربرية. بعد حربين عالميتين، وفشل اشتراكية الدولة، وتعرض نمط الإنتاج الرأسمالي، بشكل متزايد لفشل واضح، يمكن الاستفادة من الأفكار الأساسية للكسمبورغ، لخلق الحرية السياسية والاجتماعية، والتفكير في المجتمع والطبيعة معًا، لتطوير السمات الأساسية لمجتمع بديل.

"إنها المهمة التاريخية للبروليتاريا، عندما تصل للسلطة، أن تحقق الديمقراطية الاشتراكية عوضاً عن الديمقراطية البرجوازية، لا أن تلغي أي شكل من أشكال الديمقراطية. لكن الاشتراكية الديمقراطية لا تبدأ في الأرض الموعودة، بعد الانتهاء من البنية التحتية للاقتصاد الاشتراكي، كهدية عيد ميلاد جاهزة للشعب المهذب الذي ساند في غضون ذلك بإخلاص حفنة من الديكتاتوريين الاشتراكيين. تبدأ الاشتراكية الديمقراطية بهدم الحكم الطبقي وبناء الاشتراكية في وقت واحد. تبدأ الديمقراطية في لحظة تولي الحزب الاشتراكي مقاليد الحكم، وهي بذلك لا تختلف شيئا عن ديكتاتورية البروليتاريا"(الثورة الروسية 1918) 

 3 – حول تراكم راس المال

ان النمو المستمر للتسويق، يمثل جزء من الحمض النووي للرأسمالية، الكفيل باستمرارها. لقد أدركت روزا لوكسمبورغ أن جنوب العالم، غير الرأسمالي في حينه، لا غنى عنه لنمط الإنتاج الرأسمالي، كسوق لتصريف المنتجات وكمصدر للمواد الخام. إن "الاندماج في السوق العالمية" لا ينجح بدون مصادرة تتسبب في تدمير المجتمعات التقليدية، في الغالب بواسطة القوة العسكرية. وبهذا، لم تكشف روزا لوكسمبورغ سر الاستعمار فقط، بل كشفت أيضاً سر الحروب الإمبريالية.

ومن أجل القدرة على تحليل فائض الإنتاج الرأسمالي، قرر ماركس العمل وفق نموذج مبسط. لقد افترض مجتمعًا يتكون فقط من الرأسماليين والعاملين بأجر، وهو مجتمع غير موجود أبدًا، وهو ما أكده ماركس نفسه مرارًا وتكرارًا. لقد استطاع بواسطة هذه "الظروف المختبرية" فقط الكشف عن الروابط الأساسية المهمة لطريقة الإنتاج الرأسمالي.

وكان قادرًا على تبيان كيفية إنتاج فائض القيمة، وكيف لا يتم استهلاكه، بل ضخه في الإنتاج (يتراكم) من أجل مزيد من إنتاج السلع وتحقيق المزيد من الأرباح. إن أي رأسمالي يرفض المشاركة في هذه اللعبة، ستسحقه المنافسة عاجلا ام آجلا.

لم يجب ماركس بواسطة نهجه المبسط على سؤال واحد: من أين يأتي النمو، ومن أين يأتي التصريف المتزايد للسلع باطراد، أي تجديد الانتاج الموسع لراس المستثمر في السلع إلى المزيد من رأس المال.

ومن هنا بدأت روزا لوكسمبورغ. لقد افترضت أنه في مجتمع يتكون فقط من الرأسماليين والعمال الاجراء، فإن التوسع في التسويق والمبيعات أمر مستحيل. ومع ذلك، فهي لم ترفض ماركس، ولكنها أخذت معرفته وانطلقت في طريق العودة - من التجريد إلى الواقع. هناك صادفت منطقة ثالثة: الأسواق غير الرأسمالية، وتوصلت الى التالي:

"يعتمد الإنتاج الرأسمالي، كإنتاج كبير حقيقي، على الزبائن من الأوساط الفلاحية والحرفية في البلدان القديمة وكذلك على المستهلكين من جميع البلدان الأخرى، بينما لا يمكنهم من الناحية الفنية الاستغناء عن منتجات هذه الفئات والبلدان (سواء كان ذلك كإنتاج، أو كغذاء)" (روزا لوكسمبورغ: تراكم رأس المال أو ما صنعه إبيغونز ( او المقلدون) من نظرية ماركس. نقد مضاد 1915 / 1921)

إبيغونز: الأجيال اللاحقة تعبير مستل من الاساطير اليونانية - المترجم

 منذ البداية، كان لا بد من أن تتطور علاقة التبادل بين الإنتاج الرأسمالي ووسطه غير الرأسمالي، حيث وجد رأس المال الفرصة لتحقيق فائض القيمة الخاص به، والحصول على بالسلع الضرورية لتوسيع إنتاجه، ومع تحلل أشكال الإنتاج غير الرأسمالية، الحصول على قوى عاملة جديدة.

لقد طورت روزا لوكسمبورغ هذه الرؤية، بأسلوب سردي، عام 1913 في عملها "تراكم رأس المال". لكن كتابها حقق نجاحًا جزئيًا فقط. ان اول 200 صفحة تمثل محاولة من الكاتبة لمراجعة افكارها وحججها في الطريق الى موضوعتها الجوهرية التي كانت تريد طرحها. في حين تبدو الفصول التاريخية السبعة في نهاية المجلد مختلفة تمامًا، وكإنها قطعة من أدب عالمي. لكنها في عملها اللاحق والموسوم "النقد المضاد" تصل الى النقطة الحاسمة:

" في بلدان ما وراء البحار، كان إخضاع المجتمعات التقليدية وتدميرها هو الفعل الأول، فعل الميلاد التاريخي العالمي لرأس المال، ومنذ ذلك الحين فإن هذه الظاهرة تصاحب دوما للتراكم. وعبر تدمير العلاقات البدائية، الاقتصادية الطبيعية، الأبوية، والفلاحية في تلك البلدان، يفتح رأس المال الأوروبي الباب هناك أمام تبادل السلع وإنتاج السلع، ويحول سكانها إلى زبائن للسلع الرأسمالية وفي نفس الوقت يتسارع بشكل كبير تراكمه من خلال السرقة الجماعية المباشرة للموارد الطبيعية والثروات المخزونة للشعوب المقهورة. ومنذ بداية القرن التاسع عشر، سارت هذه الأساليب يدا بيد مع تصدير رأس المال المتراكم من أوروبا إلى البلدان غير الرأسمالية في الأجزاء الأخرى من العالم، حيث الحقول الجديدة، على أنقاض الأشكال المحلية من الإنتاج، واوساط جديدة من الزبائن لسلعها، وبالتالي توفر إمكانية جديدة للتراكم. وتنتشر الرأسمالية دوما بفضل تفاعلها المتبادل مع أوساط مجتمعية وبلدان غير الرأسمالية وعلى حسابها، من خلال التراكم، ولكنها في الوقت نفسه تقضمها وتزيحها خطوة بخطوة لتحل محلها. (المصدر السابق)

كتبت روزا لوكسمبورغ "النقد المضاد" في عام 1915 عندما كان تقضي عقوبة بالسجن لمدة عام واحد في "سجن النساء" في بارنيمشتراسه في برلين لتأكيد مناهضتها للنزعة العسكرية. ونظرًا لعدم تجرؤ دور النشر على اصدار الكتب المناهضة للحرب حينها، صدر الكتاب عن دار فرانكن ي لايبزغ في عام 1921، بعد عامين من تصفية مؤلفته.

وعن عواقب نمط الإنتاج الرأسمالي كتبت روزا لوكسمبورغ:

" كلما شاركت البلدان الرأسمالية في عمليات اصطياد مناطق التراكم، كلما ازدادت ندرة المناطق غير الرأسمالية التي لا تزال مفتوحة أمام التوسع العالمي لرأس المال، كلما ازدادت حدة المنافسة بين رؤس الاموال للهيمنة على مناطق التراكم هذه، وتحولت غزواته على المسرح العالمي إلى سلسلة من الكوارث الاقتصادية والسياسية: أزمات عالمية، حروب، ثورات". (المصدر السابق)

 كانت روزا لوكسمبورغ ترى ان اخضاع أنماط الإنتاج غير الرأسمالية لمنطق استخدام رأس المال تجري مرة واحدة، في حين أظهرت التطورات أنها في الواقع عملية اختراق أعمق لجميع العلاقات الاجتماعية. لذلك كانت فكرة لوكسمبورغ بأن الرسملة الكاملة للعالم ستصل إلى حد اقتصادي، لم تكن بعيدة النظر.

 أثرت تحليلات روزا لوكسمبورغ على خطاب العالم الثالث اللاحق والحركة النسوية في السبعينيات (من القرن العشرين – المترجم). وفي بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بيّن ديفيد هارفي (أكاديمي ومفكر ماركسي من أصول بريطانية) كيف ان "التراكم بواسطة المصادرة" يشمل الآن المنافع العامة أيضًا: في شكل خصخصة الخدمات العامة والصحة والتعليم والقطاع الثقافي وغيرها من القطاعات. واليوم تتم مناقشة التراكم أيضًا من وجهة نظر "المستعمرات الداخلية"، و "الاستيلاء على الأرض"، والمنزل كموقع للإنتاج المجاني لبضاعة قوة العمل وأعمال الرعاية منخفضة الأجر.

 بطريقة مختلفة، تظهر فكرة روزا لوكسمبورغ عن حدود الرسملة الكاملة في الخطاب البيئي، كما أشارت إيزابيل لوريرو (فيلسوفة وباحثة برازيلية): "النموذج الحالي" للتراكم من خلال المصادرة "الى جانب مشاكل أخرى، مرتبط بمشاكل زراعية غير مستدامة: التوسع في الزراعة الأحادية، واستخدام المبيدات، وتدهور التربة، وإزالة الغابات، وتدمير التنوع البيولوجي، وإهدار الموارد المائية، وتلوث مصادر المياه، وتهديد الأمن الغذائي، وارتفاع أسعار الغذاء".  لا يمكن لرأس المال، بحسب لوريرو ، أن يتراكم إلى الأبد. "ليس لأن العالم بأسره سيصبح يومًا ما مكتسبًا بشكل كامل، بحيث تجد الرأسمالية حدودها المنطقية والتاريخية، كما هي عند لوكسمبورغ، ولكن بسبب الحدود الطبيعية لكوكبنا", (إيزابيل لوريرو: راهنية "تراكم رأس المال" لروزا لوكسمبورغ في أمريكا اللاتينية 2013)

*-نشر لأول مرة في العدد 146 من مجلة الشرارة

عرض مقالات: