تشهد البلدان الاشتراكية في شرق أوربا عمليات "إعادة كتابة التاريخ" بأشكال ودرجات مختلفة. وتزداد هذه العملية في صربيا بشكل مضطرد، ففي 27 شباط الفائت اقترح عمدة مدينة "تسريانين" على وزارة الإدارة العامة، والادارة الذاتية المحلية إعادة تسمية مدينته في "بتروفغراد". وينتمي عمدة المدينة إلى "الحزب التقدمي" الحاكم في العاصمة بلغراد.

ويريد العمدة استعادة الاسم الذي اطلق على المدينة في سنوات 1935 – 1941  والذي جرى تغيره قبل 70 عاما، حيث حملت المدينة اسم القائد الشيوعي، وشهيد حركة الانصار المسلحة المقاومة لاحتلال المانيا النازية "زاركو تسريانين". وتلقى مقترح العمدة دعما من المجاميع اليمينية، ورجال الأعمال المحليين.

وإعادة تسمية الأماكن والشوارع والميادين ليست ظاهرة جديدة، فبعد تفكك الدولة الاشتراكية، بدأ الحكام الجدد في الدول التي ورثت جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية، بإبدال الأسماء التي تشير او تذكر بالاشتراكية ، ومناهضة للفاشية مثل "الأخوة والوحدة". لقد جرى  استبدال المحتوى الطبقي بنقيضه القومي.

وجرى البحث عن أسماء بديلة، وتم العثور عليها: شخصيات من العهد الملكي، ومن سنوات تأسيس الدولة في القرن التاسع عشر، وحتى رموز الخيانة الوطنية، من المتعاونين علنا مع الاحتلال النازي. وجرى ويجري تكييفه مع حكايات واساطير التعنت القومي. والتاريخ المعادة كتابته  يسلط الضوء  على الاختلافات العرقية والدينية مع بلدان الجوار، التي كانت تشكل الجمهورية الاشتراكية السابقة.   

وفي صربيا ، يتم رد الاعتبار الى عصبات " تشيتنيك" القومية  المعادية للشيوعية، خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وزعيمهم ميهايلوفيتش ، ويجري وضعهم على قدم المساواة مع قوات المقاومة المعادية للفاشية. وفي كرواتيا تجري اعادة تقييم حركة "اوستاجه" الفاشية. وفي هذا السياق ساوى وزير الثقافة الأسبق زلاتكو حسنبيغوفيتش بين قوات الانصار، ونظام" اوستاجه" في سنوات 1941 – 1945 .

إن اعادة كتابة التاريخ وتحريفه تتمتع بدعم الاتحاد الأوروبي. وفي سياق مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ، تطالب بروكسل ، على سبيل المثال ،بإعادة ممتلكات مجرمي الحرب المدانين، التي صادرتها المحاكم اليوغسلافية إلى احفادهم، في اطار عملية  إعادة خصخصة الملكية العامة، باعتبارها  جزءا من التحولات الليبرالية الجديدة، والجارية  منذ قرابة 3 عقود.

وتم الغاء الادارة الاشتراكية الذاتية السابقة. وكانت النتائج وخيمة: انخفاض الأجور، وارتفاع معدلات البطالة ، وتقليص الرعاية الاجتماعية والصحية ، واستمرار هجرة مئات الآلاف من الباحثين عن فرص عمل أفضل.

وتقوم قوى اليمين بالرد على الأزمة الاقتصادية الاجتماعية المتصاعدة، بتوظيف الخطاب القومي لتعبئة الناخبين، الذين ليس لديهم سبب، وارتباطا بالواقع الاقتصادي، يجعلهم يصدقون حكايات الليبرالية الجديدة عن اقتصاد السوق والديمقراطية والرفاه.

وتوظف عمليات اعادة كتابة التاريخ، ومعاداة حركة المناهضين للفاشية لخلق تماسك قومي. و في صربيا ، التي عرفت في السنوات الاخيرة بكونها دولة الأجور المنخفضة ، يجري حظر الأفكار اليسارية على الرأي العام. ويعمل اليمين على وصم كل من يطرح قضايا بدائل للواقع المتردي، وللنظام الحالي، بانه معاد لصربيا. ويشير بعض المتابعين إلى عدم وجود عمل مشترك حقيقي بين قوى اليسار السياسية ونقابات العمال، على الرغم من ضعف تأثير الطرفين في المجتمع. ولا يستغرب هؤلاء المتابعون، لان الروح النضالية لأغلب النقابات ضعيفة، وتسعى قياداتها الى تبني خطاب اليمين القومي الحاكم، وتطرح نفسها كشريك للشركات. والنتيجة: ان الحد الادنى للأجور في صربيا هو الأوطأ في اوربا ويبلغ واحد يورو في الساعة. 

عرض مقالات: