كتب العديد من الزملاء عن رواية منازل العطراني للاديب المعروف جمال العتابي . كنت انتظر قدومه للسويد لتقديم أمسية عن روايته وقراءة هذه المطالعة .

لذلك لن اتناول روايته منازل العطراني من زاوية نقدية وانما ساكتب عنها خواطر ذاتية وأحدثكم عن ما دار بخلدي وأنا أتابع احداثها في ارياف محافظة واسط ، فأنا ابن  مدينة الكوت - رغم اني فارقتها مع الاسرة الى بغداد وعمري لا يزيد على تسع سنوات -.

سأحدثكم عن رواية العتابي وانا اتابع لوحاتها بدءً من  الخطوات الاولى التي خطاها شخوص الرواية وهم يهربون من االسجون والبيوت والقرى والمدن ويختفون في الازقة البعيدة والبيوت الطينية المنعزلة بحثا عن زاوية آمنة يقضون فيها ليلة ليلاء .

سجون تردد نشيد المناضلين وهم يغنون : السجن ليس لنا نحن الاباة / السجن للظالمين الطغاة ....

نشيد تعلمناه ونحن صغار من خالي ابو سلام الذي كان مسجونا في نقرة السلمان وتحرر من القيود صبيحة 14 تموز.كان يجلس معنا ينشد السجن ليس لنا نحن الاباة بطريقة اوبرالية غريبة علينا تستولي على مشاعرنا وتصعب علينا كلمة الاباة فنستفسر عنها ويدخل الخال في حديث طويل يمتد من دجلة الى نهر الميكونغ والصين والاتحاد السوفيتي ، فنفذت مبادئ الحرية والتحرر مبكرا الى عقول شباب المحلة.

يتوجه الهارب من السجن بطل منازل العطراني الى ريف الغراف ، ويتلقى وصية رفيقه :

- اياك أن تتلفت يمينا ويسارا ، اتجه الى السدة مباشرة ، اعبرها مشيا على الاقدام ...ص12

يتوجه نحو سيارة خشبية كأنها هيكل عظمي لعجوز يركبها قاصدا مدينة الحي . على المصطبة الخشبية الاخيرة يجلس متوترا بين الفلاحين وهم يثرثرون ، ومع تصاعد سحب الدخان من أفواههم سمع الجديد من الاخبار:

- الزعيم ما زال يقاوم في وزارة الدفاع ...

- الشاكرية،الصالحية ، حي الاكراد والكاظمية يحملون السلاح ضد الانقلاب .

أحاديث الفلاحين في تلك البقعة المهجورة من أٍرض العراق تكشف خلل القيادة ، وقصور أدائها في الصراع مع القوى الفاشية .

- الزعيم ( ما كان عسكري مضبوط ) .. ماكان يحصر نفسه بوزارة الدفاع ...

يعقب فلاح آخر :

السبب الحقيقي لنجاح الانقلاب هو ان الزعيم لا يثق بالشعب ، ولا في اصدقائه المقربين الى آخر لحظة ....

هذه الحقائق التي جاءت على لسان الفلاحين تؤطر الرواية وتضع لها العناوين الفرعية التي عاشها جيلنا ، جيل 14 تموز 58.

بوابات السجون مشرعة دوما في العراق ، في العهد الملكي كان اشهر سجن يسمى نقرة السلمان ، في صحراء السماوة جنوب العراق ، وسط صحراء لا ماء فيها ولا شجر، كان هذا السجن الكالح  هدية بريطانيا العظمى للعراق ، هذا السجن حلّ فيه  أغلب رموز العراق من رجال علم ومثقفين وفنانين ومناضلين ...سجن أصبح مدرسة يدرس فيها السجناء مختلف العلوم لوفرة رجال العلم والادب في السجن الرهيب الذي يذكرنا بسجن الباستيل .

وفي العهد العفلقي الذي دام حوالي نصف قرن ، كان أشهر سجن هو سجن قصر النهاية الذي كان مسلخا للتعذيب والقتل .

وأشهر شعار يتمنطق به حزب البعث ( وحدة ،حرية واشتراكية ...)

لكنهم في الممارسة يتعاملون مع المختلف بلغة القتل والعنف والاقصاء، ضد حق الاختلاف وحرية الرأي . ص 97

دخلت البلاد بعد انقلاب 8 شباط 1963 نفقا مظلما ، قطعان الحرس القومي ترتكب الجرائم البشعة ، قوائم اسماء المحكومين بالموت تترى وهستيريا الحاكم العسكري لا تتوقف ، اعدامات لاتحتاج موافقة رئاسة الجمهورية، وفي ريف واسط في قرية الزبيدية يغتالون المدعي العام لمحكمة الثورة ماجد محمد امين .

رواية منازل العطراني وثيقة سياسية رسم كلماتها بريشته الفنية أديب قدير ليؤرخ بها صفحات من حياة تعلقت بالامال الكبيرة التي اعلنتها ثورة الرابع عشر من تموز 58 واغتالتها في 8 شباط 1963 اصابع قذرة سخرتها دول عظمى لتضع نهاية لمسيرة الحصان الجامح الذي غادر اصطبل الاستعمار وانطلق ليعيش الحرية المنشودة....

عرض مقالات: