تعد انتفاضة تشرين في ذكراها الأولى ، فاتحة مسار شعبي يدرك حقوقه التي سلبت منه.
فما هو دور الثقافة والمثقفين في إغناء هذه الانتفاضة الباسلة ..رأيكم يهمنا وصوتكم يعنينا .
توجهنا بهذا السؤال الى عدد من الكتاب والاكاديميين والمثقفين العراقيين والعرب في الداخل والخارج، وتسلمنا اجاباتهم التي ننشرها تباعاً ...
المحرر الثقافي
********

اين نجد انتفاضة تشرين؟ / ياسين النصير*


كثر الحديث عن انتفاضة تشرين، وأثرها على محافظات العراق كلها، وعلى البلدان العربية التي تنتظرنتائجها بشغف، وعلى دول العالم، التي تراقب ما سوف يحدث للانتفاضة في عامها الثاني، فهي الآن ثورة تستعر بهدوء تحت رماد دماء شهدائها لم تنطفئ كما يراد لها، ولن تُستغل كما يريد لها البعض الآخر ثورة ما تزال في أولياتها وعلى الرغم من التضحيات الجسام، ثورة طرية، فتية، نامية، ومثمرة، ولها إرث وطني مجرب عريق. والحديث الذي قرأته عنها بكل تلاوينه وهو يتناولها من داخلها، لم يتطرق إلى ميادين اشتغالها المختفية في موقد نارها الشعبي.
على الصعيد الداخلي، تنتظر كل الجهات، وبمختلف تشكيلاتها الطائفية والأثنية والقومية نتائج هذه الإنتفاضة، بعد أن يأست خلال عام من قمعها أو تحجيمها، فقد كشفت الإنتفاضة وببساطة هشاشة هذه التسميات: طائفية، قومية، دينية، مناطقية،...الخ، تسميات تحكمت بالعراق فافقرته وضيعت هويته وحولته إلى بلد يخجل حاملوا جوزات سفره من تقديمها لمخافر الحدود، فلم تعد لهذه المسميات قيمة أيديولوجية أو ثقافية يمكنها أن تنقذ سمعة العراق أو تساند ثورة تشرين أو تقف على الضد منها للأخيرأيضًا، مما يعني أنها تسميات بلا جذورطبقية واجتماعية، تسميات نشأت بفعل الرأسمال المسروق والهيمنة الطائفية والقومية والمناطقية، ومعروف عالميًا أن هذه التأسيسات لن تدوم، وأن بدت للعيان غير ذلك، هذه المسميات هي البطن الاجتماعية الرخوة لتشكيلة المجتمع العراقي الحالي، ولذلك مهما تكن هذه الفئات واسعة النفوذ، وتملك اعلامًا وأموالًا ومليشيات، ليس لها أي جذر بنيوي في تراث وتاريخ وتكوين بنية المجتمع العراقي. وما الدين وارثه المعروف، الا العامل المشترك لكل الشعب وليس لفئاته المرتزقة وحدها. لذلك سيتفتت تنظيم هذه القوى الهشة وتغير مواقفها تبعًا لنتائج الإنتفاضة. ومن هنا، على المنتفضين أن يحسبوا حسابات أخرى غير الحسابات التي طرحوها في عامها الأول، عليهم أن يتفهموا أن القوى المضادة تملك أسلحة أخرى لم تكشف عنها بعد، وستكون هذه الاسلحة ألعابًا سياسية واقليمية، فما دامت الإنتفاضة لم تتطور بعد إلى ثورة شعبية، ستبقى القوى المضادة تلعب بالأموال والدين والقومية، والمناطقية، وورقة دول الجوار، لترسيخ الهيمنة. اقول، لابد للإنتفاضة أن تتفهم أن طبيعة المجتمع العراقي الهشة، لن تكون مستقبلا أقوى مما هي عليه الآن، ومن يتابع الاجراءت الخجلة للسلطة تجاهها يشعر أن تلك الجهات المليشياوية تتحسس يوميًا رقابها، فالخوف يسري في بنيتها ولا مفرمن انهيارها، ولذلك على الإنتفاضة أن تعمل بخطوات منهجية جديدة، تغيّر بها طرائقها الاحتجاجية السابقة، كأن تبدأ بعزل مؤسسات السلطة عن تأثيرالمليشيات، وأن توجه خطابها للأحزاب الطائفية ومليشياتها، وليس لمؤسسات السلطة فقط، إن الضغط بهذا الاتجاه يزيد من الهوة بين المليشيات ومؤسسات السلطة. فالقوى المليشياويةتتمترس في المواقع الخلفية للسلطة لحمايتها من المساءلة، وتدفع بمليشياتها التابعة لها للمواجهة الدموية مع الشعب المنتفض.
على المستوى الإجتماعي والثقافي.. وصلت رسالة الإنتفاضة إلى أبعد ما يمكن تصوره للشرائح الاجتماعية، ويكذب من يقول العكس، لقد بدأ تفكير الشارع العراقي منصبًا على الكيفية التي يتعامل بها مع السلطة، وهذه النقطة لم توفرها إلا دماء الشباب وموقف الإنتفاضةالمبدأي من التغيير، والشعب يعرف تمامًا أن هذه الإنتفاضة إذا تجزأت الى مطاليب صغيرة ماتت، عليها أن ترفض أي مطلب جزئي مساوم، وأن تناضل تحت شعار كوني كلي، “نريد وطن” وهذا المطلب وحده قوة لا مرئية لمن لا يعرف أن تاريخ العراق له خطابه المعرفي والإجرائي الدفين في ممارسات نضالية منذ الثلاثينيات وحتى اليوم. ومن يتابع نبض الشارع العراقي يجد ثمة تغيير كبير طرأ على الحديث العام وعلى اللسان الإجتماعي، وثمة قاموس لساني شعبي يتداوله الناس بمختلف انتماءاتهم وثقافتهم ومدنهم، وثمة عشرات المفاهيم الجديدة للإنتفاضة دخلت ميدان تداول اللسان اليومي، وعرف الناس كيف يتأثر السوق والعمل والصحة والعيش بمثل هذه الظروف المهيمنة والتي لا تستطيع السلطات معالجتها لعجزها الفكري والثقافي. من يقرأ كلام الناس في الحياة اليومية يجد أن رصيد الإنتفاضة أعلى بكثير من رصيد السلطة، ولذلك تخشى بعض رموز السلطة الدينية أن تفقد رصيدها لأن خطابها لا يمتلك أية معرفة ثورية او شعبية غير الوصايا الدينية التي لم توفر خبزًا أو علاجًا للعامة، بينما هم يترفهون بطائراتهم، واموالهم، وممتلكاتهم، ومنازلهم، وحماياتهم من الأمراض والأوبئة والعوز، وهذه النقطة وصلت إلى انهيار منظومة المؤسسات الدينة المفتعلة، .ففعل الانتفاضة جذري وليس فعلا طارئا أو وقتيًا.. كما أثبت الشارع أنه هو وحده الذي يصنع خطاب التغيير، فالقوى الأجتماعية تتحسس وجودها الفعلي من خلال ديمومة الانتفاضة وانتصارها، ومن هنا كان تحسس المرجعية لما يحدث في الشارع العام صائبًا، من أن الدين ليس هو ما يطرحه الساسة الفاسدون، بل مصالحهم وفسادهم وهيمنتهم، وهذه النقطة الإيجابية على المنتفضين الإنتباه لقوتها السليمة.
من يستقرئ اعلامنا،وعلى مختلف فضائياته وصحفه وندواته، يجد تغييرًا جذريًا قد جرى على الخطاب السياسي والثقافي والوطني العام له، وهذا يحدث بفعل الإنتفاضة وليس بفعل مشاريع السلطة الثقافية التي اقتصرت على اللطم والتعازي والتدخل في حياة الناس؛ لباسًا وغذاء، ودخلًا، ومعاشًا، وعلاقاتٍ، هذه القيود التي فرضوها على الناس لم تعد لها أية قيمة ثقافية.
على المستوى الأقليمي ثمة تنويعات أيديولوجية كثيرة يجب أخذها بعين الاعتبار، وهي أن الإنتفاضة مع أي تغيير جذري للعلاقة معها، شرط أن يحافظ العراق على العلاقة الايجابية مع القوى الإقليمية، وهذا الأمرلم يدرس جيدًا، وعلى المنتفضين أن يعملوا زيارات لهذه البلدان لطرح مشروعهم السلمي للتغيير، فالعالم ليس كله معاديًا ولا كله مع الإنتفاضة ، ولكنه يحتاج إلى خطاب ما يصل إليهم ليتفهموا طبيعة التغيير الذي يطرحه مشروع “نريد وطن”.
النقطة الجوهرية الأخرى التي وفرتها ثقافة الإنتفاضة، ان أحزاب السلطة ومؤسساتها ومرجعياتها الثقافية والسياسية وصلت إلى مرحلة اللاعودة إلى الصف الوطني والشعبي، وما لديها من مجموعات مليشياوية مسلحة لن تكون ذات قيمة عندما تصل احزاب السلطة إلى مرحلة الإنهيار، وقد بدأت هذه المرحلة بالفعل، وما عنفها المتزايد إلا ردة فعل لهذا الإنهيار، لذا تجد نفسها في ورطة حقيقية من أنها ابتعدت كثيرًا عن الشعب، ولم يعد لها أي منفذ غير أن تواصل حرف مسارالعملية السياسية لصالحها كما تعتقد، نعم لقد وصلوا إلى مرحلة اللاعودةلاحضان الوطن، كل ذلك وباشهر قليلة كشفت الأنتفاضةعوارتهم واظهرت للعالم ان اغطيتهم الدينية لن تجدهم نفعًا، فكيف إذا استمرت الإنتفاضة وبخطاب ثقافي/سياسي/ اقتصادي، اقليمي/عالمي متطور؟. سيبقى باب الأنتفاضة مفتوحًا لرياح التجديد، وعلى المنتفضين أن يوسعوا من انفتاحه بعدما يكونوا قد فهموا آليات اللعب السياسي على أوتار المرحلة وتعقيداتها، طوبى للشهداء ، ومجدًا لحاملي مشاعل التغيير.
ــــــــــــــــــــــــــــ
* ناقد وكاتب معروف
************

المنتفضون.. منكم نتعلم الصبر والشجاعة / منى سعيد*


كالنار تحت الرماد كان غليان الشعب محموما بانتظار شرارة الانطلاق، حتى جاء يوم انتفاضة تشرين، فهبت الجموع تطلق حناجرها مطالبة بوطن أمن وسلام ولقمة عيش شريفة ورفاهية هي الأحق بها. ومثلما ثار العامل البسيط بحرقة وثقة أبطل فيها كل ادعاءات الخنوع وضرب مثالا في الثورية والانضباط، وخط المثقفون ملاحم بطولية سواء بمشاركتهم المباشرة أوبنشرهم القصائد والقطع الأدبية على وسائل التواصل الاجتماعي وفي ساحات الاعتصام. الفنانون والفنانات حصرا عبروا عن ثورتهم عبر الخط واللون على جدران نفق ساحة التحرير وعلى جداريات مختلفة في الساحات. الصحفيون الشرفاء لم يتوانوا عن نقل الحقيقة عبر الصوت والصورة والكلمة الصادقة في الصحف والمجلات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. جوهريا حرك شباب الانتفاضة سكون اليأس وأوقدوا مشاعل الأمل والتفاؤل بغد أفضل، و شعارات الانتفاضة ليست مطلبية وسياسية حسب، إنما هي نقلة نوعية في وعي الشباب الذي حتى وإن عجز عن القراءة والكتابة بفعل فشل العملية التعليمية والتربوية وسوء الوضع الاقتصادي، إلا إنه انتفض على ظلم وجور وفساد وضياع فرص ، ووضع بائس لاتضاهيه حتى أفقر قرى العالم الثالث، كما انتفض وقاوم الرصاص الحي بصدور عارية ، أمسك بـ(الدخانيات) بيديه بجرأة عجيبة أدهشت العالم، وجعل صحافته تكتب عن بطولات شعب أعزل يواجه الموت ببسالة. مرحى لأبطال تشرين بكم الأمل ومنكم نتعلم الصبر والشجاعة ونغذي الحلم بعراق أفضل. المجد والخلود لشهدائنا الأبطال، ولابد أن نشهد يوما يكشف فيه الستار عن جلاديكم وقاتليكم، فالنصر آت لا محال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتبة وصحفية ومترجمة
*************

الثقافة والمثقفون وانتفاضة تشرين / سلام حربه*


انتفاضة تشرين عام 2019 حراك جماهيري لا يمحى من وجدان التاريخ لأنها خلقت مسارا حياتيا جديدا وأبتداً منها تقويما جديدا للعراقيين حيث اصبح تاريخ ما قبل تشرين وآخر ما بعده.. هذه الانتفاضة لم تأت من فراغ ومن دون أبوة، ما حصل منذ أكثر من ستة عشر عاما على احتلال العراق من قبل القوات الامريكية واسقاط النظام الدكتاتوري وتسلط القوى الطائفية والعرقية على مقدرات البلد منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا وما صاحب نظام المحاصصة الطائفية من بروز طبقة سياسية خائنة مرتبطة بالاجنبي والكثير منهم جاءت بهم الصدفة ليصبحوا سياسيين وما حصل من جرائهم من تخريب للبلد وسرقة خيراته وبروز التنظيمات الارهابية من قاعدة وداعش وسلفية ونقشبندية والعشرات من المنظمات الارهابية والمليشيات المرتزقة وقد دفع العراقيون من جراء هذا النظام السياسي المقيت مئات الالوف من الضحايا والملايين من الجرحى والمعوقين والارامل اللواتي فقدن فلذات اكبادهن ومعيلي أسرهن وعمت الفوضى وازدهر الخراب الذي مازالت اعاصيره المدمرة تضرب البلد من شماله الى جنوبه..لم تكن انتفاضة تشرين صحوة مفاجئة لا جذور لها بل انها قد نضجت واكتملت شروطها الذاتية والموضوعية بعد ما يقارب السبعة عشر عاما ذلك بسبب الحراك الجماهيري المعارض الذي انطلق منذ عام 2010 واستمر حتى يومنا هذا. من أشعل فتيل الاحتجاج ووقف بوجه هذه السلطة الطائفية الغاشمة هم المثقفون والادباء وكانت أول تظاهرة نزلت بقوة الى الشارع هي تظاهرة اتحاد الادباء والكتاب في العراق عام 2010 حين داهمت مجموعة امنية بناية الاتحاد وقامت بتحطيم موجودات البناية والاعتداء على الادباء وكان حلم السلطة ان جعل من بغداد قندهار ثانية فتصدى لها الادباء والمثقفون والقوى المدنية الديمقراطية واليسارية ونزلوا الى الشارع في مسيرة ضخمة تجمعت عند نصب الحرية في ساحة التحرير والقيت القصائد الرنانة والخطب الثورية الحماسية التي الهبت حماس الجماهير التي آزرت الاتحاد في محنته تلك وكانت تلك هي الشرارة التي اشعلت النفوس والهبت الحماس عند العراقيين وشجعتهم على ان الحقوق لا تأخذ الا بمقارعة هذه القوى الظالمة سلميا، وهذا ما نص عليه الدستور، فأصبح هناك تقليد شبه يومي بأن يحتج العراقيون على كل الظواهر السلبية من تردي الخدمات وبؤس الحياة العراقية حتى أن منظمة ( مرسير) عدت المدن العراقية، من خلال بياناتها العلمية، بأنها اسوأ اماكن للعيش في العالم، وتمت سرقة المال العام عن طريق مشاريع وهمية لا وجود لها الا على الورق، في التظاهرات وتم رفع صور رموز الفساد التي ازكمت رائحة فسادها الانوف وقد احتمى هؤلاء الفاسدين بدعاة دين ( مقدسين ) وبسياسيين واحزاب طائفية يدها اعلى من سلطة القانون وأقوى بحيث لم يتمكن القضاء من فتح ملف واحد من ملفات الفاسدين والتي اصبحت مئات الآلاف على رفوف هيئات النزاهة وادراج المحاكم وحتى يومنا هذا.. ومن عمل على ادامة جذوة الانتفاضة ولم ينسحب من ساحات الحرية في المحافظات كافة البعض من الادباء والمثقفين بات الفخر للقوى المدنية الديمقراطية واليسارية التي لم تهدأ يوما ما وبقيت واقفة في ساحات الحرية وفي كل المحافظات وتعرضت الى الاعتقالات والاغتيالات والملاحقة والصاق التهم الكيدية بهم وعلى الرغم من انكماش اعداد المتظاهرين في احيان كثيرة لكنها راهنت على ان الشعب العراقي حيّ لا يموت وسيأتي يوم ينتفض فيه الجميع ويضع الشعب حدا لاستهتار هذه الطبقة السياسية العفنة..هناك من الذين يحسبون على المثقفين ومن اساتذة الجامعات بقي الكثير منهم متفرجا على التظاهرات والاحتجاجات ولم يحركوا ساكنا الا حين توجهت الحكومة الى قطع رواتبهم فقاموا بوقفات احتجاجية ولكن ضمن الحرم الجامعي ولم ينزلوا الى الشارع وحين توجه اليهم البعض من قادة التظاهرات الشعبية وطلب منهم الالتحاق بالجماهير في ساحات الحرية رفضوا ذلك وقالوا اننا لا نقف مع البسطاء وعامة الناس وحين تم ارجاع الرواتب الى وضعها السابق، كان الاستقطاع في حدود المائة الف دينار، فعادوا الى وضعهم السابق شاكرين الحكومة الكريمة على اعادة حقوقهم وبقيت اصواتهم حبيسة في صدورهم..
لقد فعلت التظاهرات اليومية والاسبوعية طيلة عشر سنوات فعلها في وجدان العراقيين وخلقت ثقافة جديدة عندهم وربما ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي من فيس بوك وتويتروانستغرام وغيرها من نوافذ الشبكة الالكترونية التي خلقت متلقٍ جديد يختلف عما هو متعارف عليه من وعي اجتماعي وسياسي في السابق والذي تراكم من نضال حزبي ومن مطالعة الكتب الادبية والسياسية وحضور الندوات والنقاشات الجماهيرية . والوعي الجديد لدى الشباب حصل من متابعة نشاط المتظاهرين عن طريق قنوات التواصل الاجتماعي ومن ثقافة الصورة التي يحصل عليها بالهاتف النقال او من شاشة الكومبيوتر او القنوات الفضائية. وجاء طرق القوى المدنية على رؤوس الفاسدين والتصدي لهم في ساحات الاحتجاج قد أشعلت جمرة الرفض والتمرد على هذا النظام السياسي الفاشل وهذه الطبقة السياسية الباغية وقد تحققت فعلا المقولة الفلسفية ( ان التراكمات الكمية تؤدي الى تغيير نوعي) وأتفق الشباب، من كلا الجنسين، على ان يكون هناك موعد لانطلاق انتفاضتهم فكان الذي حصل في الاول من تشرين عام 2019 وتصاعدت حدتها في الخامس والعشرون منه وما زالت ارادة الشباب قائمة ودفع هؤلاء الشباب والقوى المدنية المتآزرة معهم، قرابة السبعمئة شهيد وعشرات الالوف من الجرحى والمعوقين..لقد اسقطت انتفاضة الشباب التشرينية اعتى حكومة فاسدة ظالمة وجعلت من الفئات الطائفية الفاسدة والميلشيات وتعد عدتها للهرب من قصاص الشعب. ما زالت الانتفاضة في أوج شبابها وهي التي ستعلن بيان الانتصار على قوى الظلام وتضع العراق في ركب الدول المدنية المتحضرة وكل مؤشرات الافاق ولمعان الفجر الجديد تشير الى هذا النصر..
ـــــــــــــــــــ
* روائي وكاتب
***************

سميا صالح*

دائما الشعوب تتطلع نحو أمال وطموحات تتناسب ووعي وتطور الحياة سواء سياسيا أو أقتصاديا.
ولذا نجد وبعد الربيع العربي الذي داهم بعض الدول العربية حرك جذوة الشرارة الأولى لتجاوز الخطوط الحمر التي قيدته لسنوات عجاف .
وهنا يبرز دور المثقف والأديب كونه مترجم حقيقي لتلك الطموحات التي يطالب بها الشارع العراقي ومنذ أنطلاقة شرارة تشرين قبل عام ومن خلال مراقبتي للحدث أجد إن الأدباء والمثقفين كانوا على رأس تلك التظاهرات والصوت المدوي للمطالبة بكل حق مستلب منه .
وكان للقصيدة فعل حقيقي وللفنان جسد باللون فعاليات بفعل فرشاة تمتلك أدوات الأحتجاج .
إذن لم يكن المثقف غائبا عن جميع ما يحصل من أنتفاضات وثورات وتظاهرات ويقينا سيكون التغييرعبر أدواته المعرفية وهي قريبة الوجود من مطالب شعب يريد وطنا معافى من السراق والفاسدين وقاتلي حلم ورؤى الشباب .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* شاعرة وكاتبة سورية
**************

نامق عبد ذيب*

أعدُّ انتفاضة تشرين أوّل انتفاضة شعبية حقيقيّة تحصل في تاريخ العراق الحديث، فهي مقارنةً بما وعيناه في الحياة التي عشناها، وما قرأنا عنه من تاريخنا المعاصر، تعدُّ سابقةً ودرساً جديداً في التحدّي والمطاولة من أجل حياة أفضل، وانتفاضة تشرين بتجاوزها كلّ ما حدث بعد 2003، علّمتنا أنّ الشّعوب الحيّة باستطاعتها كتابة تاريخها، وليس من أحدٍ بقادرٍ على فرض أجندته عليها، وهي بتصدّيها لكل ما حاولت الطبقة السياسيّة التي حكمت العراق لما يقارب العشرين سنةً المُرّة - وما زالت - من أن تجعل منه واقعاً لا خلاص منه، قد ألجمتْ أولئكَ المتسلّطينَ وجعلتهم يعرفون صِغَر مجالهم العبثي الذي حاولوا أن يصنعوه، فالعراق وطنٌ لا فرق فيه بين ناسه شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، أقول أنّ تشرين صار ربيعاً آخرَ منح العراقيين أملاً بقادمٍ أحلى، ووطنٍ يرفعُ رؤوسنا بين الأوطان ان علاقة الانتفاضة بالمثقفين والثقافة، هو أن الانتفاضة ، منحتِ المثقف حريةً القول وشجاعةً التصدّي، أنّ كثيراً من المثقفين كان يتوجّس ويتحسّبُ من قول آرائه ومواقفه مخافةَ التابوهات التي أشاعتها الأحزاب الطائفية ، وبعض من صوّر نفسه حامي حمى الطوائف، فالانتفاضة قد منحتِ المثقّفَ صوتاً وطنياً جريئاً، وهذا هو شأن الثورات الحقيقية في كلّ أنحاء العالم، لهذا، فعلى المثقف الحقيقيّ أنْ يكون ممتناً لها، وأن يعيَ دوره في ما حدث فهو كبير جداً، وعراقيٌّ جداً، ووطنيٌّ جداً، وانتفاضةَ تشرين حين كتبت يومياتِها بأسطر من نور على صفحات من دم، قد صنعت لنا تاريخاً، وفتحت طريقاً إلى أن نصلَ إلى ما كانت الثقافة تحلم به طوال عمرها الإنسانيّ : أن تعيش حُرّةً في وطن حُر، فعلى المثقف أن لا يكون محايداً، ولا منفعلاً، وأنْ يتخلّص من اليأس، عليه أن يختارَ بين وطنين أحدهما مجرّد كهفٍ ومغاراتِ لصوص، والآخر خارطةٌ وإبداعٍ وحقوق وواجبات وكرامة، أمّا أولئك الذين جلدوا ظهورنا ووضعوا الكوابيس في أحلامنا من شعراء طائفيّين وكتبة مستأجرين، فانتفاضة تشرين مستمرة .
ـــــــــــ
* شاعر
**********

الكتابة.. شهادة وموقف / كاظم حسوني*


تعد ثورة تشرين واحدة من أبهى واعظم الثورات التي اندلعت في مثل هذه الايام من العام الماضي.. وهي بمثابة انعطافة هامة و كبيرة في تاريخ العراق.. ويقظة واعية عظيمة للشعب العراقي.. قدمت فيها الارواح والدماء بسخاء قربانا على مذبح الحرية والعدالة والتقدم.. وقد شارك في سوح هذه التظاهرات العديد من الادباء والمثقفين والفنانين..
الا ان الكثير من النصوص الادبية التي نطالعها هنا وهناك تنطوي على مضامين لا تمت الى حد كبير بهذه الثورة و الاحداث المصيرية وبراهن حياتنا، ودراما الواقع المعيش بصلة، سيما ما نجده في العديد من القصص، وينطبق ذلك على معظم النتاج الروائي، أقول الكثير من النصوص تدير ظهرها للحاضر متغافلة حرارته وجوه الملتبس بالمعضلات والمخاطر، وتنصرف خاصة للبحث في استحضار الماضي! مستمدة منه وجودها، وأشكالها، واساليبها، بما فيه من تقليدية، ورتابة، وإندثار، على الرغم من أن موضوع الابداع يبقى في كل الاحوال رهين صنعة ومهارة الكاتب بقديمه وحديثه على حد سواء، مع ان احداث ثورة تشرين، تعد تحولا مصيرياً مضيئا في حياتنا جميعاً، من شأنه استفزاز اي أحد لجسامة ما حصل من تطورات وتغيرات ومآس، التي ينبغي ان تكون مدعاة لان تفجر في الكاتب فعل الكتابة، وتعمق إحساسه، فانها كذلك تؤكد على دوره لاتخاذ موقف يرقى الى مستوى الشهادة الحية لمثقف ينظر بحرقة الى وطنه المعرض للخطر، وإلا كيف يمكن ان يعبر الكاتب عن صلته بالواقع، ويستجيب لدواعي ومتطلبات المرحلة، اليس حرياً به أن يكون أكثر احتكاكاً بالناس وانغماراً بوقائع الحياة اليومية؟ اليست الكتابة فعلا انسانياً، وترجمة جمالية للصيرورة والتحولات؟ لا شك في ان الكاتب الاكثر حضوراً هو الذي لم يكن له وجود هش ومنعزل، أو ذلك الحالم بمملكة الوهم، انما من يمتلك القدرة على فهم حركة الواقع وما يفرزه من علاقات ومضامين وظواهر وتداعيات، ومن بوسعه ان يفسح لنفسه موقعاً متميزاً في مجرى التطورات، جاعلا لكتاباته قيمة ابداعية ترتبط بتطلعات وهموم الاخرين، فمن مهمات الادب والكتابة عموماً التعبير بصدق لمواجهة مجمل القضايا والوقائع أو الظروف الشائكة التي وصلت الى حد تهديد وجود الانسان خاصة في الاعوام السابقة، أو تكبيل حريته وسلب أمنه، لكننا من جانب آخر نجد في أحيان كثيرة صورة منقلبة، فثمة من يحيا في هذا الخضم الذي يلفحه بحرارته، لكنه ينأى عنه عنوة! ويظل ثابتاً في مكانه، مخلصاً لماضيه، ولثوابته البالية، لا يريد خروجاً من صومعة أو توجيه بوصلته خارج مداها، كتاب الماضي ينتجون نصوصاً بايقاعات باهتة وصنع أدب يولي كل اهتمامه لما هو غائب، ومندرس، بدعوى مراعاة مبدأ الاصالة، ولكن هل بوسع هذه الكتابات الاستئثار باهتمام القارئ الذي يتطلع في العادة الى كل ما يعمق صلته بالحياة وما ينقله الى مناطق الضوء لتحرك فيه جذوة الامل عبر الكلمة النابضة بالصدق والجمال، لا تلك النصوص التي فقدت بريقها، وغدت غير قادرة على خلق دفق الحياة.. والتي من شأنها في النهاية كشف وفضح دوره و مدى مساهمته ككاتب واديب في كل التقلبات والاحداث التي عصفت بالوطن ومن أبرزها واعظمها ثورة تشرين المباركة..
ـــــــــــــــــــــ
* روائي وصحفي
**********

طالب حسن*

 
منذ بدأت العملية السياسية تنحرف عن مسارها الصحيح. بعد (الزلزال) الذي حصل في عام 2003 .والشعب يأمل ويحلم بالتغيير. وفتح أبوابالمستقبل.وبناء عراق خال من الدكتاتورية وحكم العشيرة. لكن مع الأسف. كل هذه الأحلام العريضة والآمال الكبيرة لم تتحقق...فمنذ انتخابات 2005 ..وماتلاها من حرب طائفية..والفساد يتعاظم (ويتغول) ويضرب في كل مفاصل الدولة حتى صار هو القاعدة..والنزاهة هي الاستثناء..
و كان لابد للشعب من أن يتحرك. وبخاصة من قبل الشباب المثقف الواعي والملتزم بقضايا شعبه ووطنه والذي بات يرى أحلامه تسرق منه ، وبلاده تذهب للمجهول ، لذا خرج على الطبقة الفاسدة.
بكل مسمياتها وعناوينها وهوياتها المزيفة..وكلنا يتذكر كيف خرجت التظاهرات الحاشدة فى عام 2011 .ضد الفساد والطائفية ونقص الخدمات. واستمر هذا الحراك الشعبي السلمي. على الرغم من التنكيل والاعتقالات والخطف والاغتيالات وتكميم الأفواه..لكن كل ذلك لم يكبح جماح الثورة أو يكسر شوكتها التي تؤرق القتلة والفاسدين. وكان لابد لهذا الغليان من أن التواصل . حتى وصل إلى كامل عافيته وزخمه وتحول إلى إنتفاضة باسلة هزت العروش الخاوية والهياكل الكارتونية، لافشل وافسد منظومة عرفها التأريخ. وقدمت للعالم أعظم واقدس وأنبل تضحيات. عبر شعار( أريد وطن )
وقدمت مئات القرابين من الشهداء. والآلاف من الجرحى والمصابين..
عاشت إنتفاضة تشرين في ذكراها الأولى
والمجد والخلود لشهداء العراق
ــــــــــــــــــــ
* شاعر
*************

نادية محمد ياس*

 
ان انتفاضة تشرين العظيمة التي لم نشهد مثلها في تاريخ الأمم من بشاعة القمع الهمجي الذي تعرضت لهعلى الرغم من سلميتها منذ الانطلاقة الاولى و سلميتها تمثل الشرارة الاولى مع كل محاولات السلطة لجر الشباب الى المواجهة الدموية وحمل السلاح لكن شباب الانتفاضة اختاروا الكلمة وفضلوها على حمل السلاح وكانت تضحياتهم شعلة تنير درب الاجيال القادمة ، كل هذا عزز روح الثورة وادامتها عند كل الفئات الثقافية والاجتماعية التي عكست صورة حقيقية للمجتمع والرأي العام. وقد حيث شهدت طاقات ابداعية مدفونة لرسامين الشباب وذلك لاقامة معرض تشكيلي حي على جدران ساحات التحرير والتي لفتت انتباه الكثير من النقاد والأدباء وكانوا بدورهم قد رفدوا الساحة الثقافيةعبرمؤلفاتهمبشكل مباشر وملموس وانعكس على الثقافة والمثقف ، وظهرت السينما العراقية وهي حافله بمشاهد الانتفاضة . وشهدت انتفاضة تشرين تغيراً ثقافياً كبيراً حيث تجلت مبادؤها وافكارها في ساحات التظاهر والتفاعل مع احداث الانتفاضةالتي تعد بمثابة ثورة للتغيير وبناء جيل كامل يبحث عن ازدهار العراق، جيل لايريد ان يعيش على خراب الازمنة وآفات الحروب، جيل يبحث عن الحرية والخلاص وكسر كل اسوار الظلم والعبودية وعدم العيش ضمن الأطر الضيقة، ان الانتفاضة رسم وتجسيد للحياة الجديدة التي ننشدها.
ـــــــــــــــــــــ
*فنانة تشكيلية
*********

 

حسام الانصاري*


انتفاضة تشرين بصمة عراقية متميزة في تاريخ النضال الانساني، وشاهد على صلابة هذا الشعب العظيم، الذي سجل اكثر من 700 شهيد واكثر من 25 الف جريح، تضاف اسماؤهم الى سجل شهداء انتفاضات 1948 و1952 و1956 و1991 الذين ارتوت ارض هذا الوطن المعطاء بدمائهم.
وتمثل هذه الانتفاضة انعطافا كبيرا في تأكيد الوعي والتضحية من اجل الوطن وتناميهما، بالنظر الى ما تميزت به من مشاركة طبقات الشعب كافة، يتصدرهم الشباب والمثقفون وجموع الطلبة. كذلك مساهمة المرأة بشكل بطولي فاعل، وانضمام الطبقات الشعبية الى صفوفها، لتعطي الصورة الكاملة بحق لانتفاضة الشعب العراقي. ولتعطي ايضا مثلا للعالم وبشكل متميز في تاريخ الاحتجاجات، حيث تحولت الى ثورة سلمية في مواجهة كل انواع العنف والقمع والارهاب والقتل، وارتأت ان تنأى بنقاء اهدافها وقدسية مبادئها عن الانجرار الى مخططات اعداء الشعب من الخونة والزمر المأجورة. هؤلاء الذين ينفذون خطط الطامعين اعداء العراق لجعل ارض الوطن محرقةً، ارضاءً للحاقدين الساعين للانتقام من هذا الشعب الذي جرّعهم السم.
ـــــــــــــــ
*موسيقي