نشرت مجلة (المشاهد السياسي) الجزائرية في عددها 112 تموز 1998 حواراً موسّعاً مع الشاعر الكبير / عزيز السماوي / اجراه الاستاذ (احمد منير الاسكندراني). تحدّث الشاعر في هذا الحوار عن قضايا مهمّة تخص الشعر الشعبي العراقي الحديث من حيث اللغة واللهجة وسبْق التجديد ورأي (ابن خلدون) في الشعر الشعبي، ودور الشعر الشعبي في الثورات والانتفاضات الشعبية، والأغنية. كما تحدّث عن ابرز الاسماء في الشعر الشعبي العراقي الحديث.

في هذه الاشارة، آثرنا نشر بعض الفقرات منه، لما تمثله من أهمية في التشخيص ووعي التجربة الشعرية وفكرة الشعر، ومن اجابات الشاعر:

- ليس مستغرباً، انَّ (ابن خلدون) كتب عن الشعر الشعبي المغربي والجزائري والمصري قبل 600سنة وبشّرَّ بأنه سيكون شعر المستقبل، لأنَّ لغته بسيطة وتُخاطب الناس من دون إدعاء، فهي اللغة التي تُعبّر عن احلام الناس، هيَ اللغة التي نتحدّث بها الى اطفالنا وزوجاتنا واقاربنا وتروى بها السّير الشعبية واغاني الاطفال والعمل والامهات.

-لا ارفض اللغة الفصحى، ولكنَّ الحقيقة هيَ اني اشعر بأنني اعرف اسرار اللغة المحكية اكثر من الفصحى، من الناحية الجمالية والايقاعية واللسانية. لقد درست ُ اللغة العربية وأنا متمكن من النحو والصرف واللسانيات والعروض والبلاغة وقمتُ بتدريسها اكاديمياً، لكنَّ روحيّتي ومزاجي اقرب جدا الى الكلام الشعبي. انَّ اللغة الشعبية المحكية هيَ لغة الناس، اما اللغة الفصحى ، وبخاصة القديمة ، فأنا اراها في الرفوف والقواميس.

-انَّ وحدة التفعيلة ظهرت في الشعر الشعبي العراقي قبل ظهورها في شعر الفصحى، وأوّل الحداثة ظهرت في هذا الشعر في العشرينيات مع ثورة العشرين في العراق، أي قبل ان تظهر عند السياب ونازك الملائكة بأكثر من 25 سنة، وتفسيري لهذا انَّ الشعر الشعبي يُغنّى، وطبيعة الفن المُسمّى (الهوسة) دخلت بها مقاطع اعتمدت على وحدة التفعيلة لتطويل نفَس الشاعر اثناء الالقاء، فكان الشاعر يضطر احياناً الى ان يُضيف مقاصير حتى يستريح، لكنَّ هذا التمرد يُعتبر تمرداً جزئياً.

-الوجوه البارزة جداً من حيث المكانة والأهمية، وليس بالضرورة من حيث الشهرة هيَ، الشعراء: مظفر النواب، طارق ياسين، علي الشباني، ابوسرحان، كاظم الركابي، وأُشير الى شاعر لديه شاعرية طيبة هو عريان السيد خلف، وقد لمست ُ في السنوات الاخيرة انتقاله وتمرده. ومن الاصوات الشابّة التي اتوقع لها التقدّم كأصوات واعدة ستبدع يوماً ما مثل كاظم غيلان وريسان الخزعلي وعدد آخر من الشبّان.

-شعري، شعر تفعيلة، وأنا لا ارفض قصيدة النثر، ولكني لا اكتبه، لأنَّ القصيدة الشعبية لا تحتمل ان تُكتب بالنثر.

-إنَّ الحداثة في الشعر، في تصوّري ما عادت تعتمد على ان يُفهم الشعر بيتاً بيتاً، ولكن تُفهم القصيدة كمناخ.

-الشعراء الشعبيون العراقيون يعتقدون انَّ كل شاعر شعبي يستطيع ان يكتب أغنية، وهذا خلط سببه نقص في الوعي الثقافي للأسف، وربما لأنهم يميلون الى الشهرة السريعة ويعتقدون انها تُكوّنهم. محمد حمزة في مصر مثلاً، كتب اكثر من الفي أغنية، الا انه ليس شاعراً شعبياً,

الشاعر الراحل عزيز السماوي، الذي رحل في منفاه الاضطراري عام 2001 يترك لنا مثل هذه الطروحات الفنية بعد ان اثرى مشهد الشعر الشعبي العراقي الحديث بأعمال شعرية مهمة: قصائد للمعركة-مشتركة، خطوات على الماء- مشتركة مع الشاعرين طارق ياسين وعلي الشباني، اغاني الدرويش، لون الثلج والورد بالليل، النهر الأعمى، بانوراما عراقية.

وفي المفتتح الاخير، اُشير الى قول المحاور: انَّ عزيز السماوي يملك رؤيا شعرية خاصة لدور اللغة في حياة الناس كما في الشعر والمجتمع، ويعتقد النقّاد انَّ الشاعر منكبٌّ على إحداث واشعال اقصى طاقة صوتية وبينية وايقاعية ...

عرض مقالات: