أن تظاهرة أواخر تموز عام ٢٠١٥ التي بدأت في البصرة وأستشهد فيها الشاب منتظر الحلفي ثم أعقبتها تظاهرات حاشدة في ساحة التحرير في العاصمة بغداد ومدن أخرى، كانت بداية الانفجار ونقطة التحول في وعي الجماهير لأهمية المطالبة بتوفير حياة كريمة لهم من خلال تقديم الخدمات.

تدريجيًا بدأت تشترك قوى أخرى بعضها ذات توجه إسلامي وبشكل خاص التيار الصدري ذي الشعبية والنفوذ الكبيرين بين أوساط جماهير مسحوقة ومحرومة من العيش الكريم وفرص العمل ومن أبسط الخدمات، فوجدوا في الحراك الجماهيري السلمي الذي بدأته القوى المدنية فرصة للتعبير عن مطالبهم وغضبهم على الدولة والحكومة لإهمالهم وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة.

ما أن تصاعد زخم التظاهرات وتوسعت القوى المشاركة، حتى أعلن كل من البرلمان والحكومة والقضاء البدء في تشكيل لجان للإصلاح كمحاولة للالتفاف على مطالب المتظاهرين وتهدئة الغضب الشعبي المتنامي ضد القابعين المنعزلين في المنطقة الخضراء، خاصة بعد محاولات الجماهير الغاضبة اقتحام المنطقة والدخول إلى بناية مجلس النواب. لقد استمر الحراك الجماهيري في ساحات ومدن العراق كما وتطورت شعارات وأهداف ومطاليب المتظاهرين، فقد بدأت مطالباتهم بالكهرباء وبعض الخدمات ثم تحولت إلى المطالبة بـالقضاء على الفساد ومحاسبة الفاسدين وإعادة الأموال المسروقة وإقصاء المقصرين وتشكيل حكومة كفاءات ورفض نظام المحاصصة الطائفية المقيت ومحاسبة مسببي سبايكر واحتلال داعش لمدن عراقية، مما جعل هذه المطالب تطرح بقوة في الشارع ثم تنتقل إلى وسائل الإعلام المختلفة، وتكسب تعاطفاً شعبياً، محلياً ودولياً. لقد أطاح التحرك الجماهيري ببعض الرؤوس وإعادة بعض المسؤولين الهاربين والأموال المسروقة ثم إقالة بعض المسؤولين وغيرها من الإجراءات، لكن تلك الإجراءات لم ترتق إلى مستوى الإصلاح، لذلك فإن الاحتجاجات لم تتوقف بل استمرت وواصلت ضغطها في كل يوم جمعة وقد صدح شعار (جمعة ورا جمعة والفاسد نطلعه).

كان ازدياد التذمر الشعبي ينذر بفعل جماهيري لا يمكن التكهن بنتائجه لولا خطر الإرهاب الذي يهدد الوطن جراء تهديد داعش. وكمحاولة لاستغلال الظروف الصعبة والمعقدة، التي تمر بها البلاد، من قبل بعض السياسيين المتنفذين دعوا الى تأجيل الانتخابات للبقاء أطول فترة في مناصبهم لكن ضغط الشارع كان أقوى مما دفع رئيس الوزراء إلى إعلان التزام الحكومة في موعد إجراء الانتخابات.

ما أن أعلن رئيس الوزراء موعد إجراء الانتخابات في يوم ١٢ آيار من هذا العام، حتى بدأت، القوى المتنفذة التي فشلت وعجزت عن تقديم أبسط الخدمات للمواطنين بسبب انغمارها في الفساد وسرقة المال العام وتأجيج الصراع الطائفي، في تأسيس أحزاب وتحالفات بواجهات وتسميات (مدنية) جديدة لخداع الناخب الذي لن تنطلي عليه تلك الخدع باسم التغيير والإصلاح، خاصة بعد انتشار شعار (المجرب لا يجرب) الرافض للفاسدين والفاشلين.

فالشارع اليوم، ونحن نقترب من موعد الانتخابات، ليس هو نفسه كما في الانتخابات السابقة، واختيار المواطن سيختلف عن الاختيارات السابقة، فهو يبحث عن الجديد والتغيير. كما أن تحالفات جديدة مثل (تحالف سائرون الذي ولد من رحم تظاهرات ساحات التحرير) غدت منافسة في هذه الانتخابات ببرامج وأهداف وتوجهات واضحة ولم تسجل عليها اتهامات مثل الكتل المتنفذة السابقة التي تحوم حولها  شبهات عديدة بالفساد واستغلال المال العام في دعاياتها الانتخابية.

فالانتخابات القادمة ستحمل مفاجئات، كما يتوقع اغلب المراقبين والمتابعين، قد لا تسر الكتل المتنفذة التي استهلكت مخزوناتها الفاسدة وانتهت صلاحيتها فالناخب متوجه للجديد والتغيير والإصلاح متوجه الى انتخاب "سائرون".