«ان تاريخ كل مجتمع الى يومنا هذا لم يكن سوى تاريخ الصراع بين الطبقات. الحر والعبد، النبيل والعامي، الإقطاعي والقن، المعلم والصانع، أي باختصار المضطهِدون والمضطهَدون، كانوا في تعارض دائم، وكانت بينهم حرب مستمرة تارة ظاهرة وتارة مستترة، حرب كانت تنتهي دائما اما بانقلاب ثوري يشمل المجتمع بأسره وأما بانهيار الطبقتين المتصارعتين معا» (البيان الشيوعي). «منذ ما يقرب من أربعين عاما، أكدنا على الصراع الطبقي باعتباره القوة الدافعة المباشرة للتاريخ، ولا سيما الصراع الطبقي بين البرجوازية والبروليتاريا باعتباره الرافعة الكبرى للثورة الاجتماعية الحديثة لقد صغنا صرخة المعركة صراحة: يجب ان يكون تحرير الطبقة العاملة من صنع الطبقة العاملة بالذات». (رسالة من ماركس وانجلز الى أوغست بيبل وولهلم ليبكنخت وولهلم براكه وغيرهم – 17/18 ايلول 1879).
أولا:
إن فكرة الصراع الطبقي - الصراع الدائم داخل المجتمع بين أولئك الذين تمنحهم مواقعهم في نظام العلاقات الاجتماعية مصالح متضادة – لا تعود، بأي حال من الأحوال، الى ماركس، وهي ليست خاصة بالفكر الماركسي. لقد أنكر ماركس أن له أي فضل في اختراع أو اكتشاف “الصراع الطبقي”، وعزا ذلك إلى مؤرخي الثورة الفرنسية.
«ان الجديد الذي فعلته يتلخص في اقامة البرهان على ما يأتي: 1) أن وجود الطبقات لا يقترن إلا بمراحل تاريخية معينة من تطور الإنتاج، 2) أن الصراع الطبقي يفضي بالضرورة إلى دكتاتورية البروليتاريا ، 3) أن هذه الدكتاتورية نفسها لا تعني غير الانتقال إلى القضاء على كل الطبقات والى المجتمع الخالي من الطبقات». (رسالة من ماركس الى يوسف فيديماير، 5 آذار 1852).
هنا يستخدم ماركس مصطلح “الصراع الطبقي”، لا لوصف سمة أساسية لأشكال المجتمع المتقدمة تاريخيا فقط، بل لتحديد تحول ثوري قادر على قلب أساليب عمل الرأسمالية تماما والقضاء على الطبقة نفسها.
ثانيا:
يختلف استخدام ماركس لمصطلحي “الطبقة” و”الصراع الطبقي” إلى حد ما عن تلك المستخدمة، تقليديا، في علم الاجتماع. ولمصطلح “الطبقة” معانٍ مختلفة باختلاف من يستخدمه من الناس.
في كتابه الموسوم “البنية الطبقية في الوعي الإجتماعي” يذكر عالم الاجتماع البولندي، ستانيسلاف أوسوفسكي، أن هناك، على الأقل، ثلاث طرق مختلفة تماما لاستخدام مصطلح “الطبقة” في الخطاب اليومي، وكذلك في العلوم الاجتماعية. وكل معنى يستحضر صورة مختلفة عن المجتمع، ويطرح مجموعة مختلفة من الأسئلة. ومن أبرز هذه الصور المتناقضة عن النظام الإجتماعي:
1) “الوظيفية”: حيث الطبقة هنا عبارة عن مجموعة من الناس لديهم دور محدد وضروري يلعبونه ضمن تقسيم معين للعمل، أو في كلّية عضوية متمايزة. وهكذا، على سبيل المثال، اعتبرت المذاهب السائدة في العصور الوسطى أن المجتمع ينقسم إلى ثلاث طبقات: الفرسان والكهنة والفلاحون. ولكل منهم دوره في المجتمع: فالفرسان يدافعون عن الناس، والكهنة يصلّون بهم، والفلاحون يوفرون الغذاء. النقطة الأساسية في هذه الصورة، بالطبع، أن العلاقات بين هذه المجموعات الثلاث كانت “غير عدائية”. فكل مجموعة اعتمدت على إداء المجموعات الأخرى لوظائفها. ويساهم الجميع، كل على طريقته الخاصة، في حسن سير المجتمع وكان لكل منها “مكانتها” و”وظيفتها”. هذه الصورة/ الطريقة في وصف “الطبقة” لا تستكشف علاقات طبقات المجتمع ببعضها البعض، بل فقط علاقة كل منهم بالكيان الخارجي الشامل، المجتمع. ويمكن رؤية تجسيدات لهذا النهج في خطابات السياسيين اليوم: الحديث عن مصالح “الأمة” أو “المجتمع” التي تطغى على “المصلحة الفئوية الضيقة” ومن قبيل “كلنا في قارب واحد”... الخ. من أصحاب هذه النظرة يمكن الإشارة الى إيميل دوركهايم خصوصا في موضوعته “التضامن العضوي”.
2) “المراتبية”: وهي الأكثر شعبية لدى معظم علماء الاجتماع والباحثين في شؤون السوق ومحللي التعداد السكاني. هنا، الطبقة هي مجموعة من الأشخاص الذين لديهم حصة أكبر أو أصغر في بعض السمات المشتركة مثل الدخل، والثروة، والمنزلة الاجتماعية، والوضع المهني، وما إلى ذلك. يتم تصنيف السكان إلى “طبقات” وفقا لحصة كل طبقة من هذه السمة المشتركة. وبالتالي يمكن ان نقسم المجتمع الى أي عدد من الطبقات وفقا لرغبة الباحث أو المحلل. وقد تنفع طريقة التفكير هذه حول الطبقة، مع صورتها المجتمعية كنوع من “المراتبية” لاستكشاف بعض جوانب عدم المساواة الاجتماعية والحراك الاجتماعي: من يمتلك مرتبة أعلى؟ ومن تتغير مرتبته صعودا وهبوطا؟ لكنه لا يبين كيفية ارتباط الطبقات ببعضها البعض. ومن الأكثر ارتباطا بهذا الرأي هو ماكس فيبر، الذي يعتبر”الطبقة” بأنها توزيع لفرص الحياة في السوق.
3) “ثنائية التفرع”: هنا يُنظر إلى المجتمع على أنه مقسم بشكل أساسي بين مجموعتين متعاديتين: “هم” و”نحن”. وفي بعض الروايات الدينية عن الآخرة، يستمر الانقسام، حيث يذهب الأثرياء إلى الجحيم ويحصل الفقراء أخيرا على مكافأة في الجنة. في هذا الصورة عن المجتمع فإن “هم” يعيشون من خلال قمع “نحن” والسيطرة على “نحن” وخداع واستغلال “نحن”. مصالح الطبقات متضادة بطبيعتها. وبالمقارنة مع الطريقتين الأخريين، فإن هذا النهج يصب تركيزه على أسئلة من قبيل كيفية تعامل الطبقات مع بعضها البعض.
من الواضح، هنا، ان نظرية ماركس تندرج في هذه الصورة. لأنها تتميز بتأكيدها على الصراع بين الطبقات.