أسلوب الإنتاج mode of production - هو وحدة قوى الانتاج وعلاقات الإنتاج المتوافقة معها. يشتمل هذا المفهوم على السمات الجوهرية التالية:

مستوى معين لتطور قوى الإنتاج؛

منظومة معينة لعلاقات الملكية، تتوافق مع مستوى معين لتطور القوى المنتجة؛

وسائل وطرق امتلاك المنتوج الفائض من قبل المستغِلين (بكسر الغاء)، مشتقة من منظومة علاقات الملكية (هذا المؤشر تقتصر اهميته فقط على اساليب الانتاج الاستغلالية)؛

بنية طبقية محددة للمجتمع أو بنية لاطبقية، مشتقة من منظومة علاقات الملكية.

هنا، وقبل الدخول في بعض التفاصيل ثمة قضية منهجية لا بد من التوقف عندها وتتعلق بالعلاقة بين مفهومين لا بد من توضيحها ونقصد بذلك العلاقة بين مفهومي (اسلوب الإنتاج) و (نمط الإنتاج).

النمط هو ايضا اسلوب انتاج، أي وحدة قوى الانتاج وعلاقات الانتاج المتوافقة معها، ولكنه لم يمتلك بعد البناء الفوقي السياسي الملائم له (البنية الفوقية السياسية والحكومية – الحقوقية المناسبة)، ولا الأرجحية الحاسمة على النظام الاقتصادي السابق، وما زال تطوره يتكيّف الى هذه الدرجة او تلك مع متطلبات اسلوب الانتاج المسيطر.

اما اصطلاح “اسلوب الانتاج” فيستخدم بمعنيين:

المعنى الأول: اسلوب الإنتاج كمقولة لعموم البشرية. بكلمة أخرى، اسلوب إنتاج كنموذج تاريخي محدد، أي كدرجة معينة في تطور قوى الإنتاج (على النطاق العالمي – التاريخي) ومنظومة العلاقات الانتاجية المتوافقة معها، وذلك في الملامح العامة، بغض النظر عن أية خصائص قومية – جغرافية لهذا البلد أو ذاك. فمثلا عندما يجري الحديث عن اسلوب الإنتاج الاقطاعي بشكل عام، فان المقصود بذلك، لا تلك الخصائص الملموسة التي تميزت بها روسيا في العصور الوسطى بينما لم يكن لها وجود في فرنسا، وانما تلك الملامح الجوهرية، الجذرية الإنتاج الاقطاعي، التي يمكن ملاحظتها في روسيا وفرنسا والمانيا والهند والصين وغيرها.

المعنى الثاني: اسلوب الإنتاج القومي، المقصود هنا أن الحديث لا يدور حول العبودية بشكل عام، ولا حول الرأسمالية بشكل عام، بل ان للهند مثلا اسلوب الإنتاج القومي الخاص بها، وبالنسبة للصين اسلوبا قوميا آخر خاصا بها. بهذا المعنى فان (ماركس) كان يقصد بـ (اسلوب الانتاج القومي) بأنه مفهوم يعكس ملامح ملموسة، خصائص جغرافية، وغيرها، التي كانت تميز الإنتاج الاجتماعي في هذا البلد أو ذاك.

إن الملاحظات السابقة تتيح طرح السؤال التالي: ما هي العلاقة بين مفهوم أسلوب الإنتاج كمقولة لعموم البشرية، كنموذج تاريخي، من جهة، وبين اسلوب الانتاج القومي من جهة اخرى؟

يعتبر اسلوب الانتاج “القومي” دائما الشكل أو التدرج الملموس لأسلوب الانتاج الشمولي هذا أو ذاك، أي أنه صورة (شكل) جغرافية – تاريخية ملموسة لإسلوب الإنتاج الشمولي هذا أو ذاك.

إن الملامح الجذرية المحددة لاسلوب الإنتاج الشمولي هي نتيجة عمل القوانين الاقتصادية الموضوعية عند درجة محددة من تطور قوى الإنتاج. بالمقابل فان الخصائص المميزة المحددة لأسلوب الإنتاج القومي هي نتيجة العوامل المحلية، الجغرافية والطبيعية والتاريخية وغيرها. وبهذا المعنى فان أسلوب الإنتاج كمقولة شمولية، لعموم البشرية، هو أسلوب إنتاج مجرد او “خالص”، اما أسلوب الإنتاج القومي – فهو مفهوم تاريخي – ملموس.

قد يُطرح سؤال هو: كيف نميز اسلوب الانتاج المسيطر عن الانماط الاخرى؟ وبماذا يعبر عن وضعه المسيطر، هل بالهيمنة الكمية ام بشيء آخر؟.

المهم في الأمر، بالطبع، هو الوصول الى حل عملي لمسألة تحديد المعايير التي يمكن بمساعدتها فرز أسلوب الإنتاج المسيطر عن الإنماط الاخرى. يحاول بعض الباحثين من اجل حل هذه المهمة استخدام معايير الوزن الكمي.  

بداية نقول ان مسألة المعايير التي يمكن بمساعدتها فرز أسلوب الإنتاج المسيطر بالغة التعقيد. ومع ذلك يمكن القول ان اسلوب الإنتاج المسيطر هو ذلك الاسلوب الذي يمتاز بما يلي:

يتوافق أكثر من غيره مع المستوى المتحقق لتطور قوى الانتاج ويستجيب أكثر من غيرة لمتطلبات تطورها اللاحق؛

ينمو بأسرع المعدلات؛

يحتل المواقع المواقع القيادية في الاقتصاد؛

يمارس تأثيرا حاسما على البنان الفوقي، يحدد الوجه الطبقي للبنيان الفوقي.

كما معروف، يحدد التقسيم الاجتماعى للعمل موقع الناس المباشر من الإنتاج الاجتماعى، أى من إنتاج الثروة .. أى ان عملية العمل تجرى فى ظل علاقات اجتماعية معينة (تختلف، من المساواة إلى درجات واشكال من التفاوت). وإذا كان التقسيم التقنى يحدد لنا الطريقة الفنية لإنتاج الأشياء، فإن التقسيم الاجتماعى يحدد لنا الطريقة الاجتماعية لإنتاج الثروة. ومن الطبيعى أن هذه الثروة توزع على أفراد المجتمع بشكل ما ويتم استهلاكها فى إعادة بناء قوة العمل وإعادة إنتاج وسائل الإنتاج والتوسع فيهما (والاستهلاك الترفى أحيانا).

وإذا اردنا تحليل عملية إعادة الإنتاج فى حد ذاتها لوجدنا انها تشمل:

إعادة إنتاج قوة العمل؛

إعادة إنتاج وسائل الإنتاج؛

والأهم من هذا كله إعادة إنتاج نمط الإنتاج نفسه، متضمنا إعادة إنتاج كافة المفاهيم السابقة.

وبذلك يتضح ان نمط الإنتاج يقوم بإعادة إنتاج نفسه. وإذا ضربنا مثلا بنمط الإنتاج الرأسمالى، يتضح لنا أنه عبارة عن طريقة إنتاج فائض القيمة، الذى يتم فى صورة ربح ، فائدة ، ريع (بينما يوزع الضرورى فى صورة أجور) فيستهلك العمال الأجور، والرأسماليون الأرباح، والمودعون الفائدة، وملاك العقارات الريع. ويكتمل الاستهلاك ككل فى إعادة إنتاج قوة العمل وإعادة إنتاج وسائل الإنتاج (إعادة بسيطة أو موسعة) كرأسمال، وتنتج فى النهاية إعادة إنتاج فائض القيمة .

ويوسع بعض الباحثين مفهوم (أسلوب الإنتاج) فينظرون إليه باعتباره “ التركيبة النوعية من الابنية، والممارسات التي تبدو في ترابطها كمستويات في هذا الاسلوب. ويضم اسلوب الإنتاج مستويات مختلفة: اقتصادية، وسياسية، وايديولوجية ونظرية. ويتميز اسلوب الانتاج بنمط من الوحدة المركبة التي يحكمها الاقتصاد في نهاية المطاف. فلسنا اذن بصدد عملية خطية بسيطة بل عملية حتمية جدلية معقدة”.

ان ما يميز اسلوب إنتاج معين ويحدد نوعيته هو الشكل الخاص الذي يتخذه الترابط بين مستوياته. وهو ما أسماه المفكر الفرنسي اليوناني الاصل (بولانتزاس) “مصفوفة” اسلوب الانتاج.

 

عرض مقالات: