هذا نص مداخلة ألقاها المفكر الماركسي الشهيد مهدي عامل عام 1986 ضمن “الندوة اللبنانية العربية العالمية” التي دعا اليها وقتها الحزب الشيوعي اللبناني في اطار التحضير لمؤتمره الخامس. تعيد “طريق الشعب” نشرها بمناسبة الذكرى الـ 35 لاستشهاده يوم الثامن عشر من أيار 1987:

سأحاول أن أحصر مداخلتي في ملاحظتين:

-1 الملاحظة الاولى: حول مفهوم الديمقراطية البرجوازية. اذا اردنا ان نعرّف الديمقراطية لقلنا انها في شكل عام هي : الشكل السياسي الملائم لسيطرة البرجوازية من حيث هي، اعتي الديمقراطية في الظاهر، حكم الشعب بالشعب عبر ممثليه السياسيين وللشعب، وفي الحقيقة من حيث هي ديكتاتورية الطبقة البرجوازية.

على قاعدة هذا التناقض، الديمقراطية ممكنة في ظاهرها بالذات لان البرجوازية كانت طبقة ثورية بمصالحها ارتبطت مصالح الطبقات الاخرى التي كانت خاضعة للسيطرة الاقطاعية وفي تناقض مع هذه السيطرة.

الديمقراطية البرجوازية في مفهومها النظري ممكنة لان البرجوازية طبقة هيمنية اي تحمل في سيرورتها الطبقية امكانية تكوين نمط جديد من الانتاج، وان تسيطر اقتصاديًا في اطار علاقات جديدة وسياسية، من حيث تمثل بنظام سيطرتها مصالح الطبقات والفئات الاخرى المتحافة معها والعاجزة عن تحقيق مصالحها بذاتها؛ فهذه المصالح، مصالح الطبقات والفئات الاخرى مرتبطة في امكانية تحققها بنظام سيطرة البرجوازية.

ما اقوله يصح في مرحلة من مراحل نظام البرجوازية بشكل خاص، وهي المرحلة الثورية اي المرحلة التي كانت فيها البرجوازية طبقة صاعدة، وفي تناقض تناحري مع النظم السابقة عليها. والديمقراطية البرجوازية ممكنة بمعناها المحدد، الذي هو اعطاء النقيض الطبقي للبرجوازية امكانية التكون في قوة سياسية مستقلة هي التي يؤمنها لها حزبها السياسي، هذا يعني في تعبير آخر ان تكوّن النقيض الطبقي للبرجوازية، وهي الطبقة العاملة كقوة سياسية ممكن في اطار الديمقراطية البرجوازية، لكن مع ذلك يجب ان نورد هنا ملاحظة: وهي ان هذه الامكانية بالذات، لم تتحقق كهبة من البرجوازية، بل بنضال ضدها. ويمكن القول، بل يجب القول، ان كل المكتسبات الديمقراطية السياسية والاجتماعية،حتى تلك التي لا تهدد النظام البرجوازي بالتهافت، قد انتزعت بنضال جماهيري.

أصل من هذا القول الى خلاصة:

-1 ان المكتسبات الديمقراطية، حتى في الديمقراطية البرجوازية، هي وليدة الصراع الطبقي ووليدة نزعة التسلط والهيمنة، والديكتاتورية الملازمة للنظام البرجوازي، انها وليدة النضال الجماهيري لا سيما في مرحلة صعود البرجوازية، وفي اطار من التحالفات تقيمها هذه البرجوازية مع قوى شعبية محددة.

-2 اما في مرحلة الازمة، فتظهر نزاعات متجددة لضرب المكتسبات الديمقراطية، وبالتالي يصبح الحفاظ على هذه المكتسبات الديمقراطية البرجوازية، وتعميقها، نتيجة نضال دائم، مثابر ، مستمر، ينتج عن هذا منهجيًا، ضرورة النظر في مشكلة الديمقراطية، حتى بمعناها البرجوازي، من زاوية الصراع الطبقي ومن موقع النضال الجماهيري. هذه الملاحظة الاولى حول الديمقراطية البرجوازية العامة.

-2 الملاحظة الثانية: هي ان الديمقراطية البرجوازية التي نسميها كولونيالية، نعني الخاصة ببرجوازيات مجتمعاتنا العربية، ومثال عليها الديمقراطية الطائفية [نموذج لبنان] كل ما كان ممكنًا في الديمقراطية البرجوازية في مفهومها النظري، ليس ممكنًا في الديمقراطية البرجوازية الكولونيالية، او في اطار الرأسمالية التبعية، كما في مجتمعاتنا.

وخاصة الشيء الثاني: الديمقراطية البرجوازية في هذه المجتمعات لا تسمح بتكون النقيض الطبقي لها كقوة سياسية مستقلة، وفي حزب ثوري، وسبب ذلك ان البرجوازية لم تقم في بلادنا بثورتها كما قامت بها في المجتمعات الاخرى، ولم يكن ممكنًا ان تقوم بثورتها هذه، لانها اتت الى التاريخ متأخرة بعد ان دخلت الرأسمالية في طور أزمتها.

اذ يمكن الكلام على طورين بالنسبة لتاريخ كل نمط من الانتاج:

أ- طور صاعد، تكون فيه الطبقة احاملة في صيرورتها طبقيًا هذا النمط من الانتاج، طبقة ثورية.

وب - طور هابط: او طور الازمة، حين تطرح ضرورة الانتقال الثوري الى نمط آخر من الانتاج.

اذن الرأسمالية في مجتمعاتنا عرفت طورًا واحدًا، هو طور ازمتها. تلاحم طور تكونها بطور ازمتها، وفي اطار ازمة الامبريالية وازة النظام الرأسمالي العالمي في زمن الانتقال الثوري الى الاشتراكية. لذلك، ولهذا بالذات كانت الديمقراطية البرجوازية، بما تعنيه من فسح امكانية التكون السياسي المستقل للنقيض الطبقي في مجتمعاتنا، امرًا يكاد يكون مستحيلاً، ان لم اقل مستحيل في مبدئه.

انها ممكنة فقط بشرط واحد، هو الحيلولة بالمطلق دون تكون النقيض الطبقي للبرجوازية في قوة سياسية مستقلة تتمثل بالحزب الثوري للطبقة العاملة.

مثال مصر:من هنا بالذات يمكن ان نفهم هذا الاستشراس الذي ظهر عند البرجوازية لضرب التنظيمات السياسية الثورية باكرًا: مثلاً، حتى في ثورة 1919 الذي بادر الى ضرب التنظيم السياسي لحزب الطبقة العاملة هو سعد زغلول.

ولكن هل هذا يعني انه لا يوجد امكانية تكون سياسي مستقل للنقيض الطبقي للبرجوازية؟ نعم. ولكن ماذا تكون النتيجة.؟ حين ذلك تسير البرجوازية في الطريق الفاشية، وفي طريق الحرب الاهلية، وهذا بالضبط ما جرى في لبنان، وهذا بالضبط هو سبب اساسي من اسباب الحرب الاهلية في لبنان،التي فرضتها البرجوازية على شعب لبنان.

مثال لبنان: كانت الديمقراطية ممكنة ما دامت ديمقراطية طائفية، والديمقراطية الطائفية في اساسها هي هذا النظام الذي يحول دون التكون السياسي المستقل للطبقة الثورية النقيضة، وبالتالي ما ان ظهرت ضرورة تحول الديمقراطية الطائفية الى ديمقراطية سياسية، حتى بمعناها البرجوازي، ما ان ظهرت هذه الضرورة حتى اختارات البرجوازية الخيار الفاشي ودخلت في مرحلة الحرب الاهلية. اذن لم تعد الديمقراطية ممكنة في لبنان الا كديمقراطية ثورية اي كحكم وطني ديمقراطي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجلة الطريق (اللبنانية)

العددان الاول والثاني- نيسان 1987.

عرض مقالات: