تطورت الكتابات الماركسية الجديدة كمدرسة فرعية داخل الماركسية بقصد العودة إلى نسختها الكلاسيكية في تحليل التخلف في العالم الثالث*. ويُعرف التخلف الاقتصادي كعملية تكون سمتها الغالبة هي التدفق المستمر للفائض الاقتصادي المتولد في الهامش نحو الاقتصاديات الرأسمالية المتطورة. وتتميز الاقتصاديات المتخلفة بانخفاض معدل دخل الفرد وبمعدلات تراكم بطيئة. ويشرح بول باران بأن البلدان المتخلفة لديها أسوأ عالمين، الإقطاعي والرأسمالي، بحيث تسير عناصر استغلال الإقطاعية جنبا إلى جنب مع الرأسمالية. منذ أن توقفت الرأسمالية كقوة تقدمية، بات التطور الرأسمالي في الأطراف لا يمكن توقعه، إذ تهدر فئة مالكي الأرض الكثير من الفائض في استهلاك الكماليات، ويستثمر الرأسمال الأجنبي في المعتاد في استخراج المواد الأولية مثل التعدين والزراعة التجارية، وتهتم فئة التجار المحليين بالاستثمارات التي تتوفر على مخاطر قليلة نسبيا وذات عائد سريع.

حدد اندريه فرانك بعض مميزات الرأسمالية التي تسبب التخلف في بلدان العالم الثالث: استغلال الفائض من قبل فئة قليلة؛ استقطاب النظام الرأسمالي نحو مراكز المتروبول والتوابع في الهامش؛ واستمرار الطبيعة الأساسية للنظام الرأسمالي التي تتضمن استمرار هاتين السمتين حتى أثناء المرور بتغيرات ظاهرية متواصلة. وهو يؤكد بأن استخلاص الفائض من قبل الطبقة الرأسمالية يتم في الغالب من خلال التجارة. النتيجة، انتقد منظرون ماركسيون جدد فرانك لفشله في توفير تحليل طبقي للبنى الاجتماعية-الاقتصادية للهامش.

يشرح فرانك العلاقة بين المركز والهامش، ونتائجها على النحو التالي: يصادر المتروبول الفائض الاقتصادي من توابعه ويوجهها لتنميته الاقتصادية. وتبقى التوابع متخلفة بسبب نقص الوصول إلى فائضها ونتيجة الاستقطاب نفسه وتناقضات الاستغلال التي يدخلها المتروبول ويحافظ عليها في البنية الاقتصادية المحلية للتوابع. تكون التنمية الاقتصادية والتخلف وجهين متناقضين لعملة واحدة. كلاهما يمثل النتيجة الضرورية والتعبير المعاصر عن التناقضات الداخلية للنظام الرأسمالي العالمي. لا تتصف التنمية الاقتصادية والتخلف بسمات نسبية وكمية فقط، ففي أحدهما توجد تنمية اقتصادية أكثر من الآخر؛ تكون التنمية الاقتصادية والتخلف ذات سمات جذرية ونوعية، إذ أن كل منهما يختلف بنيويا عن الآخر، وذلك بسبب علاقته بالآخر. لقد نشأت في وقت واحد العملية التاريخية نفسها المتمثلة بتوسع الرأسمالية وتطورها عبر العالم واستمرت تولد كل من التنمية الاقتصادية والتخلف البنيوي.     

يشرح سمير أمين أن التخلف يتجلى بتدفق الفائض من خلال التجارة ومن خلال تشويه النمو الصناعي واضعافه في الأطراف. ويستغل المركز الأطراف ويحجب التنمية فيها من خلال هيمنة الاستثمارات في القطاعات الحديثة، والسيطرة على بنيتها واستخلاص الفائض على شكل أرباح تعاد إلى المركز، وكذلك من خلال التراكم البدائي المستمر الذي يتمثل في استخلاص الفائض عبر التبادل غير المتكافئ في التجارة العالمية.

يفسر أمين كذلك جوهر الصراع الطبقي ضمن تمييز المركز-الأطراف على النحو التالي: هذا يعني أنه في الاقتصاد ذاتي المركز autocentric economy** هناك علاقة عضوية بين مكوني التناقضات الاجتماعية، البرجوازية والبروليتاريا أنهما مندمجان في واقع واحد وهو الدولة. أما في الاقتصاد الخارجي فلا يمكن إدراك وحدة الأضداد هذه في السياق الوطني. هذه الوحدة تحطمت، ولا يمكن اكتشافها إلا على المستوى العالمي. ويعني التبادل غير المتكافئ بأن مسألة الصراع الطبقي يجب أن تؤخذ في الاعتبار بالضرورة على المستوى العالمي، وبأن المشكلات الوطنية لا يمكن اعتبارها ظواهر ثانوية مقترنة بالمسألة الأساسية المتمثلة بالصراع الطبقي المحض.

وعلى الرغم من تباين المساهمات الماركسية الجديدة من ناحيتي المحتوى والتركيز بدرجة معينة، إلا أنها تتفق بشأن الانقسام إلى مركز وأطراف، وبأن المركز يهيمن في النهاية على التجارة والاستثمار في الإنتاج، والذي يمنع بالتالي نشوء رأسمالية تنافسية محلية في الأطراف. لذلك، يجب أن تستبدل الوضعية الحالية بأخرى جديدة عبر الثورة الاشتراكية التي سوف تخلق ظروف التنمية الشاملة.

من ناحية أخرى، يجادل بيل وارن بأن العلاقة بين الدول المتقدمة والدول النامية أفادت الغالبية العظمى من سكان العالم، وأن عددا مهما من دول الأطراف قد تقدمت بنجاح عبر التصنيع من خلال نقل رأس المال والتكنولوجيا، والتنمية الرأسمالية الوطنية السريعة. يشرح كذلك أن هناك دليلا متوافرا على وجود تنمية مستقلة بنحو متزايد في العالم الثالث تماشيا مع أربعة معايير للتصنيع المستقل: إنتاج موجه لسوق السكن بشكل أساسي؛ إنتاج متنوع يشمل السلع الرأسمالية؛ تحكم في المالية المحلية؛ ابتكارات تكنولوجية محلية. وبالتالي، فهو يرفض برهان الماركسيين الجدد المتعلق باستغلال الإمبريالية وطابعها المتراجع. وهو، في الواقع، يشيد بالإمبريالية لدورها في التصنيع الأساسي والتحول الرأسمالي في العالم الثالث وهو يقترح كذلك أن معوقات التنمية لا تنشأ من العلاقات الحالية بين الامبريالية والعالم الثالث، ولكن تنشأ من الظروف الداخلية للعالم الثالث نفسه.

ينتقد وارن لينين على عكسه النظرية الماركسية بشأن المهمة التاريخية للإمبريالية كالآتي: إن وجهة نظر الماركسية التقليدية تجاه الإمبريالية باعتبارها تقدمية تم عكسها من قبل لينين في عمله “الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية”، إذ قلب بشكل مؤثر وجهة نظر ماركس وانجلز حول صفة التوسع الإمبريالي، وأطلق لينين عملية أيديولوجية محت من الماركسية أي أثر للرأي القائل بأن الرأسمالية يمكن أن تكون أداة للتقدم الاجتماعي حتى في المجتمعات السابقة للرأسمالية.      

يدافع وارن بالقول أن الإمبريالية تمثل جسرا للاشتراكية. ويبدو أنه يعتقد أنها تقوم بـ “مهمتها التاريخية” في تهيئة الأرضية لتحول النظام الحالي نحو نظام اشتراكي. لهذا السبب، لم ينتقد حتى الجوانب السلبية للإمبريالية ويضع اللوم على بلدان العالم الثالث.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مثلا تم تطوير الإطار الهيكلي للمفاهيم الماركسية لتحلل الهجرة المعاصرة في البلدان الأقل نموا. (المترجم)

** يعني سمير أمين أنه في الاقتصاد ذاتي المركز يمكن أن يستمر التراكم دون توسع خارجي، وهو اقتصاد يمكن فيه استيعاب العلاقات الأساسية للنظام دون مراعاة العلاقات الخارجية. (المترجم)

الترجمة عن كتاب: Addis Alem balema, Economic Development and Democracy in Ethiopia (Erasmus University Rotterdam: 2003).

عرض مقالات: