حتى قبل الانفصال الفعلي لبريطانيا عن الاتحاد الأوروبي في آذار المقبل أدى جو الضبابية الذي يخيم على مفاوضات الخروج إلى تباطؤ المحركات الرئيسية للاقتصاد البريطاني، وهي النمو الاقتصادي واستهلاك الأسر واستثمار الشركات، كما فاقم البريكست المشكلة الهيكلية للإنتاجية بالمملكة.

وبينما يطرح البعض توقعات اقتصادية لإقناع الرأي العام البريطاني بجدوى الانفصال عن الاتحاد فإن البعض الآخر يرى أن البريكست سيكون أكبر خطأ ترتكبه المملكة المتحدة، وثمة دراسات تؤيد كلا الطرحين، وفي انتظار اتضاح الرؤية فإن البريكست أنتج أضرارا كبيرة على الاقتصاد البريطاني، ولا سيما ما خلفه من سحب كثيفة من الشك على مستقبل العلاقات بين بريطانيا والمنظومة الأوروبية.

وقد أدى عامل الشك والضبابية في بريطانيا المرتبطة بمفاوضات الخروج إلى تقلب الأسواق المالية والجنيه الإسترليني، كما بطأ عجلة الاقتصاد وأدخل البلاد في حالة من الجمود، فالشركات البريطانية أجلت مضطرة قراراتها الاستثمارية إلى وقت لاحق لأنها لا تعرف طبيعة العلاقات التجارية التي ستصبح بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي عقب الانفصال.

قطاع السيارات

هذا الوضع غير المريح للشركات البريطانية يمس أكثر القطاعات التي تصدر أكثر من 80 في المائة من إنتاجها مثل قطاع السيارات والتي تستوعب أوروبا أكثر من نصف مبيعاتها العالمية، والنتيجة أن قطاع السيارات في بريطانيا قلص استثماراته العام الماضي إلى الثلث لتنتقل من 1,66 مليار جنيه إسترليني (أكثر من ملياري دولار) في 2016 إلى 1,1 مليار (1.4 مليار دولار) فقط العام الفائت. ويقول المحلل في بنك ناتيكسيس الاستثماري الفرنسي ريني ديفوسي إن مساهمة الاستثمار في نمو الاقتصاد البريطاني كانت سالبة بنسبة 0,2 في المائة في الربع الأول من العام الحالي.

وامتدت حالة الشك إلى جيوب الأسر البريطانية، إذ غدت تتردد في زيادة إنفاقها الاستهلاكي، وتأجل شراء السلع المعمرة مثل السيارات، والنتيجة أن تسجيل السيارات الجديدة مثلا تراجع نسبة 5,7 في المائة في العام 2017 وانخفض بنسبة 4,2 في المائة مع بداية العام الحالي.

القروض الاستهلاكية

كما تتردد الأسر البريطانية في الاستدانة، فقد انخفضت قيمة القروض الاستهلاكية في  تموز الفائت إلى ثمانمئة مليون جنيه (أكثر من مليار دولار) مقابل 1,5 مليار (قرابة ملياري دولار) في المتوسط منذ بداية العام 2016

وعند الحديث عن تداعيات البريكست على نمو الاقتصاد البريطاني فإن تصريحات محافظ البنك المركزي البريطاني مارك كارني تبرز للواجهة، إذ قال إن نمو بلاده كان سيفوق النسبة الحالية بنقطتين إذا لم يكن هناك معطى البريكست، وهو ما يعني أن الاقتصاد البريطاني خسر أربعين مليار جنيه (52 مليار دولار) لحد الآن. ورغم أن كبار دعاة الانفصال من أمثال وزير الخارجية السابق بوريس جونسون انتقدوا محافظ البنك المركزي لتقديمه هذه الأرقام الموغلة في السوداوية -حسب رأيهم- فإن الأرقام تشير إلى أن النمو في بريطانيا كان أدنى من نسبة النمو بأوروبا برمتها، إذ انخفض في المملكة في الربع الثاني من العام 2018 إلى 1,3في المائة، في حين حققت أوروبا نسبة 2,2 في المائة.

معدل الإنتاجية

ولم ينحصر تأثير البريكست على النمو والاستثمار والاستهلاك بل طال أيضا معدل الإنتاجية في بريطانيا، فمؤشر الإنتاجية تراجع في الربع الأول من العام الحالي إلى 102,6 نقطة مقابل 103,1 نقطة في الربع الأخير من العام الفائت، وهو أول انخفاض لهذا المؤشر منذ بداية العام 2016

وتشير دراسة نشرتها مؤسسة "سكاي داتا" نهاية تموز الماضي إلى أن 52 في المائة من البريطانيين يرون أنه ستكون للبريكست آثار ضارة على اقتصاد بلاده فإن 35 في المائة فقط يرون فيه عاملا إيجابيا على بريطانيا. غير أن هذه النسبة لا تعني أن مزاج الناخب البريطاني الذي صوت بالأغلبية لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي قد تغير مقارنة بنتائج استفتاء  حزيران 2016 الذي قرر فيه البريطانيون هذا الخروج.