■ بجهود مصرية حميدة، استأنف طرفا الانقسام، فتح وحماس، مباحثاتهما مع القاهرة، كل على حدة، للوصول إلى وضع جديد، يقود إلى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية.

هذا الجهد المصري ليس هو الأول من نوعه، فلقد سبق للقاهرة أن تولت هذا الأمر عدة مرات، بعضها وصل إلى تفاهمات تعطل تطبيقها لسبب أو لآخر، وبعضها جرى تطبيقه لفترة معينة، ثم انكفأ الطرفان، كل إلى معسكره الانقسامي، ولدى كل طرف ذرائعه وحججه التي يبرر بها خطوته الانكفائية، وتعطيله تفاهمات كانا قد توصلا لها مرات عدة.

هذه المرة نلاحظ أن الأمور عادت لتدور حول العناوين التي سبق وأن تناولها الطرفان: حكومة وفاق وطني، إعادة إحياء المجلس التشريعي في السلطة الفلسطينية، خطة لانتخابات شاملة لإعادة بناء المؤسسة الفلسطينية على أسس ديمقراطية عبر نظام التمثيل النسبي الكامل.

لكن، في استناد إلى التجارب المرة، لتعاطي الطرفين مع مثل هذه العناوين، يلاحظ أن الانفجار سرعان ما يفاجئنا جميعاً، عند الدخول في تفاصيل تطبيق ما تم «التفاهم» عليه. وهو ما يعيدنا إلى المربع الأول، في احتراب إعلامي، يحاول كل طرف أن يحمل الطرف الآخر مسؤولية تعطيل «التفاهمات». وليس هذا بأمر جديد، فقد اعتادت الحالة الفلسطينية عليه، حتى أن بعضنا بات يتنبأ مسبقاً أن أية محاولة تبذلها القاهرة لإصلاح ذات البين بين الطرفين، ستبوء حتماً بالفشل.

*     *     *

  • إذا ما أخذنا قضية «حكومة التوافق» نلاحظ أن تشكيلها باتفاق ثنائي (مع ترك المقاعد القليلة لفصائل أخرى) سرعان ما يقودها إلى الانفجار، رغم أن المباحثات الثنائية قد تمتد لأشهر طويلة، على غرار المباحثات بين الرئيس عباس، ورئيس حكومة حماس الأولى اسماعيل هنية في أعقاب التوقيع على وثيقة الوفاق الوطني في 26/6/2006. إذ اتفق الطرفان على ضرورة تشكيل حكومة توافق وطني، واستمر البحث فيها حتى نهاية كانون الثاني(يناير) 2007، ولم تشهد هذه الحكومة النور إلا في شهر شباط، لينفرط عقدها في حزيران (يونيو) مع انقلاب حركة حماس.

وعندما توافق الطرفان، وفي مرة أخرى على حكومة وفاق وطني، في اتفاق الشاطئ في نيسان 2014، لم تنجح هذه الحكومة في إنهاء الانقسام، وبقيت الأمور على ماهي عليه.

السبب! أن هذه الحكومات تقوم على أساس المحاصصة، ولا تقوم على أساس الوحدة الوطنية، بحيث تضم أوسع لوحة من القوى الفلسطينية، وفقاً لبرنامج سياسي وطني، متوافق عليه، وردت عناوينه في وثيقة الوفاق الوطني(2006) وفي أكثر من وثيقة وطنية أخرى، كانت نتاجاً لأعمال لجنة تفعيل وتطوير م.ت.ف ومؤسساتها التي عقدت سلسلة اجتماعات في القاهرة على أعلى المستويات القيادية.

  • أما العودة إلى المجلس التشريعي (المشلول) وإحياؤه، ليراقب على أعمال حكومة الوفاق الوطني، فليست إلا خطوة على أرض مزروعة بالألغام. فالمجلس التشريعي، الذي أنتجته انتخابات 2006، يشكل النموذج الفاقع لسياسة المحاصصة، لأنه كان نتاجاً لقانون متخلف لا يعكس موازين القوى في الساحة الفلسطينية، يقوم على التجاذب الثنائي. وإن كنا لسنا بوارد تقييم هذا المجلس، فإننا في الوقت نفسه نذكر بأن المجلس التشريعي، بتركيبته عام 2006، لعب دوراً رئيسياً وكبيراً في خلق الانقسام بين الطرفين، حتى قبل الانقلاب الدموي، وتحول إلى ساحة للصراع غير المبدئي بين فتح وحماس، وميداناً للمناكفة، على حساب المصلحة الوطنية العليا، لذلك فشل المجلس طوال الفترة التي عاشها في إقرار قانون واحد. والعودة إلى هذا المجلس بتركيبته الحالية خطوة خطيرة لأنها تتجاوز ما دخل على الحالة الفلسطينية من تطورات، إن في القوانين، أو في موازين القوى في الميدان.

ففي القوانين، بات قانون الانتخابات يقوم على نظام التمثيل النسبي الكامل، بحيث يتيح لأوسع صف في المجتمع الفلسطيني، حزباً ومستقلاً، أن يخوض معركة الانتخابات للوصول إلى برلمان السلطة الفلسطينية، وبالتالي سوف تكون خريطة المجلس القادم مختلفة تماماً، بحيث لن يكون فيه أغلبية ساحقة لطرف دون غيره، ولن تستقيم تشكيلات اللجان المتفرعة عنه، ولا تشكيل الحكومة كسلطة تنفيذية، إلا في سياق تحالفات. وأساس التحالفات، هو الاتفاق على البرنامج، وليس المحاصصة كما هو قائم الآن.

لذلك إن أي اقتراح بحكومة وفاق وطني، وإحياء المجلس التشريعي، ما هي إلا وصفة لتأسيس أزمة جديدة لن تكون خاتمتها أقل ضرراً من سابقاتها.

*     *     *

إنهاء الانقسام، مستفيدين من التجارب المرة التي عاشتها الحالة الفلسطينية، تحت وطأة تجاذبات وصدامات الطرفين، لا بد أن يكون ممره الاجباري الإطار الوطني الأوسع أي م.ت.ف. فإنهاء الانقسام بين الطرفين خارج إطار المؤسسة الوطنية، أثبتت التجارب فشله. والوصول إلى م.ت.ف، لابد أن يمر بالخطوات التالية:

  • تشكيل حكومة وحدة وطنية، بعيداً عن المحاصصة (كالادعاء أن تمثيل القوى في الحكومة يجب أن يتطابق مع تمثيلها في المجلس التشريعي) والشرط الأهم لإنجاح هذه الحكومة هو برنامجها، بحيث تكون مدخلاً لإعادة توحيد الحالة الفلسطينية على أسس برنامجية وطنية وعلى قاعدة الشراكة الوطنية. بحيث تشرف هذه الحكومة على انتخابات شاملة تشريعية (للمجلسين التشريعي والوطني) وفق نظام التمثيل النسبي الكامل والرئاسية.
  • إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني، برنامج الخلاص من الاحتلال والاستيطان، عبر المقاومة والانتفاضة في الميدان على طريق التحول إلى العصيان الوطني، والمقاومة في المحافل الدولية، لنزع الشرعية عن الاحتلال، وعزل دولة الاستعمار الاستيطاني، وحل المسألة الفلسطينية في مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة وبموجب قراراتها ذات الصلة.
  • إدخال الإصلاحات الضرورية على المؤسسة الفلسطينية، على المستوى القيادي الأول، والاصلاحات الضرورية على المؤسسة التنفيذية، بحيث يتم الفصل بين مؤسسات م.ت.ف، المرجعية الاعلى، وبين مؤسسات السلطة الفلسطينية، وإعادة بناء مؤسسات السلطة على أسس مهنية، بعيداً عن المحاصصات الحزبية و تغليب الولاء على الكفاءة، ومكافحة الفساد، والتأكيد أن السلطة في خدمة المواطن، وليس كما هو قائم الآن، المواطن في خدمة السلطة.
  • إعادة الاعتبار للقضية الوطنية باعتبارها قضية شعب تحت الاحتلال، ومؤسساته هي مؤسسات حركة وطنية، ما يوجب إقامة العلاقات الداخلية على أسس الشراكة الوطنية، والتقدم إلى العالم بهذه الصيغة، بعيداً عن أوهام بناء الدولة تحت الاحتلال، والإدعاء أن السلطة الفلسطينية باتت دولة لا ينقصها سوى السيادة، وكأن السيادة عنصر ثانوي في هذا الأمر، وليست العنصر الأساس، إذ ما قيمة الدول إذا كانت لا تضمن لشعبها سيادته على نفسه وعلى أرضه.

ولعل تلك التصريحات التي استبقت مباحثات إنهاء الانقسام، وواكبتها، من قبل الطرفين، وألقت ظلال الشك على نجاحها، دليل نستند إليه في تأكيد رأينا بشأن وضع حد حقيقي للانقسام.■

تخمينات وتأويلات عدة لتوصية حل التشريعي. وكلها تؤكد عمق أزمة النظام السياسي الفلسطيني

■ من الطبيعي أن تثير توصية المجلس الثوري لحركة فتح، بحل المجلس التشريعي (المعطل) وأن تحال صلاحياته الى المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، العديد من التخمينات والتأويلات والتفسيرات.

البعض فسر التوصية أنها دعوة لإخراج حركة حماس من المؤسسة الفلسطينية، في إطار الحرب الدائرة بينها وبين فتح، في ظل الإنقسام المدمر، الذي ألحق الأذى والضرر الشديدين بالحالة الوطنية الفلسطينية. فحماس هي الشريك الأكبر في المجلس التشريعي، وهي تدرك أهمية أن يكون لها هذا الموقع، خاصة أنها لا تشكل الكتلة البرلمانية  الأكبر فيه فحسب، بل تتولى (رغم تعطله) موقعي رئيس المجلس ونائبه، وسيبقى هذان المنصبان بحوزتها ــ وفقاً لبعض قراءات القوانين الأساسي، الى حين التئام المجلس وانتخاب بدائل لهما. لذلك حافظت حماس على ما تسميه هي «المجلس التشريعي» من خلال اجتماعات كتلتها البرلمانية في قطاع غزة، وأفتت بتمثيل الغائبين من نوابها في الأسر، بتفويض منهم للحاضرين، بحيث تتيح حماس بنفسها أن تقدم اجتماعات كتلتها البرلمانية على أنها حفاظ على المجلس التشريعي وانقاذه من الشلل. واستغلت حماس هذا الواقع، لتجعل من اجتماعات كتلتها البرلمانية في غزة منبراً يخدم سياستها، في صراع مع حركة فتح والسلطة الفلسطينية. وبالتالي فإن حل المجلس التشريعي، ينزع من بين أيدي حماس واحداً من أدوات الصراع في ظل الإنقسام؛ رغم إدراك الجميع أن حماس لن تعترف بشرعية أي قرار، أياً كان مصدره، بحل كتلتها البرلمانية، وسوف تصر على التمسك بها بإعتبارها هي المجلس التشريعي، وسوف تصف قرار الحل (اذا ما صدر عن المجلس المركزي) بأنه باطل وغير شرعي ولا يلزم نواب حماس. ما يعني توغلاً آخر في مجاهل الإنقسام، وتوتيراً جديداً وإضافياً في العلاقات الداخلية سببه بطبيعة الحال الإنقسام بين الطرفين.

* * *

البعض الآخر، فسر التوصية على أنها ذات صلة بوراثة الرئيس محمود عباس. فالتقارير الإسرائيلية، والأجنبية، (وكذلك تصريحات صائب عريقات لصحيفة يديعوت احرونوت) حول صحة الرئيس عباس، نشرت مناخاً يوحي وكأنه مرشح لأن يغادر المسرح السياسي في لحظة مفاجئة. وبالتالي باتت مسألة وراثة الرئيس عباس، في مناصبه العديدة، موضع نقاش وحديث دائمين، ليس فقط في المحافل السياسية، بل وكذلك على الصعيد الشعبي. وأصبح السؤال الكبير، على جدول أعمال الدوائر السياسية الفلسطينية والعربية والدولية: «من هو خليفة عباس؟» وتعددت الإجابات والسيناريوهات، وطرحت احتمالات عدة، جاءت ترشيحاتها تحمل في طياتها إشارات سياسية لا تحتاج الى جهد لمن يرغب في تفسيرها. حتى أن الإسرائيليين، في بعض تقاريرهم، تحدثوا عن هشاشة النظام السياسي الفلسطيني، وعن حالة الضعف التي يعانيها، وتعانيها في سياقه حركة فتح، كما تحدثوا عن فشل الفلسطينيين المرتقب في التوافق على بديل لعباس، نظراً لكثرة المرشحين وتضارب مصالحهم واتجاهاتهم، من داخل فتح، وفي الصراع مع حماس.  حتى أن بعض التقارير تحدث عن صيغة سرية، لدى قيادة جيش الإحتلال، تقود الى  شطب النظام السياسي الفلسطيني الحالي، بمؤسساته المعروفة: مجلس تشريعي، وحكومة سلطة فلسطينية وموقع رئاسي، لصالح قيام «الولايات المتحدة الفلسطينية»، عبر تحويل كل محافظة من محافظات الضفة الفلسطينية الى «ولاية»، وتعيين ضابط فلسطيني كبير، على رأس كل «ولاية»، يكون مرجع هؤلاء جميعاً، هي الإدارة المدينة للإحتلال التي تنوب عن السلطة الفلسطينية وحكوماتها. وتقول التقارير إن مثل هذا «النظام» من شأنه أن يقود الى أمرين: الأول اقناع إسرائيل للرأي العام أن الفلسطينيين لا يملكون القدرة لإقامة دولة مستقلة خاصة بهم، ولا يملكون القدرة لإدارة شؤونهم بإستقلال، وأنهم مازالوا بحاجة الى «رعاية إسرائيلية» لفترة قادمة، ليخرجوا من تحت الوصاية إلى القدرة على إدارة شؤونهم بأنفسهم، دون إسناد من الاحتلال وإدارته المدنية. أما الأمر الثاني فهم وجود تبرير إسرائيلي للعالم، كما تقول التقارير، لإدامة الاحتلال بعد أن يكتسب صفة «حضارية» مزيفة، كالصفة التي حاول الانتداب البريطاني الظهور بها، إلى أن أنجز، مع الحركة الصهيونية، الخطوات اللازمة لقيام الكيان الاسرائيلي.

*     *     *

هذا النقاش، من شأن بعضه أن يبعد الأنظار عن الحلقة المركزية» للحظة السياسية الراهنة، أي مقاومة «صفقة العصر» والمشروع الاسرائيلي (البديل للبرنامج الوطني) ومقاومة «قانون القومية» العنصرية. وفي هذا السياق تطرح بعض الدوائر أن الهدف من توصية حل التشريعي، هو التحوط لحالة غياب مفاجئ للرئيس عباس عن المسرح السياسي. حيث تقول القوانين الأساس أن من يتولى الرئاسة المؤقتة ولمدة ستين يوماً، هو رئيس المجلس التشريعي، ليشرف، خلال فترة الشهرين هذه، على تنظيم انتخاب رئيس جديد للسلطة. أي، بالتطبيق العملي سيكون عزيز دويك أحد قادة حماس هو الرئيس المؤقت، وهو المعني بتنظيم انتخابات الرئاسة،  على غرار ما فعل روحي فتوح، إبان المرحلة الانتقالية بعد رحيل الرئيس أبو عمار، إذ كان فتوح هو رئيس المجلس التشريعي. لكن فتح وقوى أخرى، تتساءل، «من يضمن لنا أن دويك سيلتزم بفترة الشهرين، ولن يدعي (على سبيل المثال) أن الظرف القائم لا يسمح بانتخاب رئيس جديد، فتمتد ولايته المؤقتة إلى أمد طويل»، ويدخل على الانقسام بين فتح وحماس، وعلى الحالة الفلسطينية كلها، عناصر جديدة أشد تدميراً للمصالح الوطنية من سابقاتها. لذلك تقول بعض الدوائر إن توصية «حل التشريعي»، الهدف منها إبعاد هذه الكأس المرة، إذ يصبح الرئيس المؤقت في حاٍل حدوث تطور ما، هو رئيس المجلس المركزي، (وهو في الوقت نفسه رئيس المجلس الوطني) سليم الزعنون، ما يضمن لفتح، وللمؤسسة الفلسطينية ضمان الانتقال السليم.

ونعتقد، كما يعتقد كثيرون أن هذه الخطوة، سوف ترافقها، كتقدير، خطوة إعادة انتخاب لجنة تنفيذية جديدة، خاصة إذا كان مرشح فتح (التوافقي) سيكون من خارج «التنفيذية». وهذه خطوة أقل ضجيجاً من خطوة حل التشريعي، لأنه بات من صلاحيات المجلس المركزي، الممنوحة له من قبل المجلس الوطني في دورة 30/4/2018، أن يحل محل «الوطني» في انتخاب اللجنة التنفيذية.

تبقى النقطة الجوهرية، في هذا كله، أن نقول بعض ما يقوله الآخرون:

  • هذا الضجيج، وهذه السيناريوهات، حول توصية المجلس الثوري بحل «التشريعي»، إنما مصدره الحالة المأزومة التي يعيشها النظام السياسي الفلسطيني. أزمة الانقسام من جهة، وأزمة أوضاع مؤسسات م.ت.ف، في المقدمة، سطوة المطبخ السياسي وتعطيله قرارات المجلسين المركزي(5/3/2015+15/1/2018) والوطني (30/4/2018).
  • هذا الضجيج، وهذه التوصية، وما سوف ينتج عنهما من تداعيات مرتقبة، من شأنهما أن يعتما على «الحلقة المركزية» المتمثلة في الالتزام بقرارات المجلسين المركزي والوطني، لمواجهة «صفقة العصر» و«قانون القومية»

هذا الالتزام، هو المدخل الذي يوفر الفرصة للنظام السياسي ليتعافى من العديد من أمراضه، ويؤسس لإعادة بنائه على أسس توافقية تعيد الاعتبار لمبدأ التشاركية الوطنية وتفتح الأفق لخطوات أكثر جدية لإنهاء الإنقسام.■

 خطاب الأمم المتحدة جعل من قرارات المجلسين المركزي والوطني مادة للمقايضة للعودة إلى أوسلو

■ في قاعة نصف فارغة، غاب عنها رؤساء الوفود، ألقى الرئيس محمود عباس كلمة فلسطين في الدورة السنوية للأمم المتحدة، استعاد فيها شرحه للقضية الفلسطينية أمام ممثلي المجتمع الدولي، ويمكن أن نسجل بضعة ملاحظات رئيسية منها:

  • أنه تحدث بصفته رئيساً في نظام رئاسي، متجاوزاً أن النظام الفلسطيني، كما أقرته وثيقة الاستقلال (15/11/1988) نصت على نظام برلماني، وأن الحالة القيادية الفلسطينية تقوم الآن على ثنائية المجلس الوطني واللجنة التنفيذية. لذلك جاء قوله « إن المجلس الوطني كلفني»، أو «طالبني» أو «دعاني»، فيه تعبير صريح عن النزعة الجامحة لتحويل النظام الفلسطيني إلى نظام رئاسي، وإلى إعادة صياغة العلاقات الوطنية، المفترض أن تقوم على مبدأ الشراكة والتوافق الوطني، إلى نظام رئاسي، يدار المراسيم، على غرار مرسوم إعادة تشكيل دوائر اللجنة التنفيذية. لقد كلف المجلس الوطني اللجنة التنفيذية، لا رئيس السلطة، ولا رئيس دولة فلسطين. هكذا يقول البيان الختامي. وبالتالي جاءت هذه الفقرات من الخطاب لتقدم النظام الفلسطيني على غير ما هو عليه، ولتكشف أن معركة إصلاح الأوضاع في المؤسسة الفلسطينية معركة قاسية ومعقدة، وهي مدخل رئيس لإصلاح الخلل القائم في العلاقات الوطنية.
  • أنه استفاض في إدانته لما أسماه الإرهاب. دون أن يميز بين الإرهاب الحقيقي الذي تمارسه المنظمات المتعارف عليها أنها إرهابية، أو الإرهاب المنظم الذي تمارسه قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين، وبين حق الشعوب في مقاومة الاحتلال، والدفاع عن حرياتها وسيادة أرضها وكرامتها الوطنية. وبدا خطابه في هذا الجانب وكأنه إدانة للمقاومة الفلسطينية بتاريخها المجيد، وحاضرها وثباتها المشرف، والمستقبل الذي يحمل لها في طياته واجبات ومهام صعبة، تتطلب بلا شك تضحيات بلا حدود. كان من الواجب أن يشير إلى الحروب العدوانية الاسرائيلية، ليميز بين الإرهاب الاسرائيلي والمقاومة الوطنية الفلسطينية. أما حصر المقاومة بالمقاومة الشعبية «السلمية» (التي لم يقدم لنا حتى الآن تعريفها ونموذجاً لها) فهو حشر للقضية الوطنية، كحالة الحشر التي تعتبر المفاوضات الثنائية خياراً سياسياً وحيداً، وتستبعد باقي الخيارات.
  • أنه أقحم الخلاف مع حركة حماس أمام المجتمع الدولي، مع أنه قضية وطنية داخلية تعالج في إطار الحوارات الوطنية التي ترعاها القاهرة. وبالتالي جاء التهديد لحماس، ومن خلفها لقطاع غزة، في غير مكانه، ويصعب على أي كان أن يدافع عنه. فالقضية الجوهرية هي قضية الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي، لا تساويها أية قضية أخرى، مهما كانت معقدة ومثيرة للشجن ومؤثرة على الوضع الوطني العام. هناك تفاهمات وتوافقات واتفاقات تم الوصول إليها في أكثر من محطة، لذا يعتبر نقل القضية إلى منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة «خروجاً على قواعد اللعبة».

*      *      *

القضية التي استحقت الاهتمام الأكبر هي عودة الخطاب إلى تبني «رؤية الرئيس»، كمشروع للحل. «الرؤية»  التي كان قد أعلن عنها في مجلس الأمن الدولي في 20/2/2018، وأعاد التأكيد عليها في الجلسة الافتتاحية للمجلس الوطني في 30/4/2018، والتي تجاوزها البيان الختامي للمجلس ودعا، بدلاً منها، إلى مؤتمر دولي بقرارات ملزمة، وسقف زمني محدد، ووفق قرارات الشرعية الدولية ورعاية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن. بينما «الرؤية» تستعيد اتفاق أوسلو وما يسمى بمفاوضات الحل الدائم، وتحمل في طياتها سلسلة تنازلات مسبقة، تطال حدود الرابع من حزيران، وقضية اللاجئين وحق العودة، والأسس السيادية للدولة الفلسطينية، وأشياء أخرى.

«الرؤية» هذه، هي مرة أخرى خطوة انقلابية على قرارات المجلس المركزي (15/1/2018) والمجلس الوطني (3/4/2018) وتعبير عن سياسة لا تبالي لأمر المؤسسة الوطنية الفلسطينية ولا لقراراتها، ولا للتوافقات الوطنية. قرارات المجلسين المركزي والوطني(والتي يصر لفيف من الصحفيين الموالين على أنها مجرد توصيات مرفوعة للرئيس وليس للجنة التنفيذية) تحولت في الخطاب إلى مادة للمقايضة. بحيث بدا الخطاب في موقع الرهان على إمكانية عودة ترامب عن «صفقة العصر»، مع أن صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لا يتردد في الاعتراف أنه تم تطبيق 70% من هذه الصفقة، (القدس، الاستيطان، حق العودة، تعريف اللاجئ، محاصرة وكالة الغوث، قطع التمويل عن السلطة، اعتبار م.ت.ف منظمة إرهابية، إغلاق مكتب المنظمة في واشنطن... والحبل على الجرار) كما يراهن الخطاب على تراجع نتنياهو عن خطواته علماً أنها خطوات عملية وميدانية تصنع وقائع استيطانية، من شأنها أن تعمق حصار القدس وتوسع عملية تهويدها وطمس معالمها العربية والفلسطينية، كزيادة عدد السكان اليهود، وتدمير اقتصادها الوطني، وتدمير مكونات مجتمعها الفلسطيني، والتمهيد بالخطوات العملية لواقع جديد للمسجد الأقصى، على قاعدة التقاسم الزماني والمكاني، على غرار المسجد الإبراهيمي في الخليل..

وبالتالي يمكن القول إن وصف الخطاب بأنه ارتقى إلى مستوى أعلى، حين وضع الأميركيين والاسرائيليين أمام معادلة «الالتزام مقابل الالتزام» ما هو إلا وصف فيها تزييف للحقيقة. فلا واشنطن تلتزم بالتفاهمات مع السلطة الفلسطينية، ولا نتنياهو يلتزم اتفاق أوسلو وبروتوكول باريس. وحدها السلطة الفلسطينية، ووحدها القيادة الرسمية، هي الملتزم الوحيد في هذا الميدان. مازالت تلتزم اتفاق أوسلو، وتراه سبيلها إلى الحل ما يفسر إصرارها على تعطيل قرارات إعادة النظر بالعلاقة مع إسرائيل.

*     *     *

تصريحات مقربة من رئاسة السلطة، وأعضاء في اللجنة التنفيذية كشفوا أن خطاب نيويورك، سيكون هو الأساس والموجه لأعمال المجلس المركزي في دورته القادمة، المتوقع انعقادها ما بين 20-25/10/2018 وذهب البعض في التوضيح خطوة إلى الأمام حين قال إن المجلس المركزي سيكلف اللجنة التنفيذية وضع خطة لتطبيق لقرارات المجلسين المركزي والوطني.

ما يعني بوضوح أنها عودة جديدة إلى الدائرة المفرغة، وإلى لعبة الأبواب الدوارة. فقد أحالت اللجنة التنفيذية هذه القرارات أكثر من مرة، قبل المجلس الوطني، وبعده، إلى لجان لوضع خطط وآليات تطبيقها، كان آخرها ورقة العمل التي عرضت على المجلس المركزي الأخيرة(الدورة 29) والتي صادق عليها وأحالها إلى اللجنة التنفيذية لتنفيذها. لكن رئيس السلطة، وفي كلمته الختامية اعتبر ما تم الاتفاق عليه مجرد توصيات، داعياً أعضاء المجلس إلى التفكير بما يمكن القيام به في المستقبل، خاصة بعد عودته من الأمم المتحدة. ما يشير بوضوح أن الوقوف عند «رؤية الرئيس» ما هي إلا لعبة مكشوفة للبقاء في المربع الأول. أي أن بقايا أوسلو هي الاستراتيجية المعتمدة عملياً من قبل القيادة الرسمية، وأن الرهانات على الوهم مازالت هي الأساس، وأن الوضع بات أشبه بلوحة لمجموعة من الفاشلين يقفون عند ضفاف العجز مثل هذا الوضع لا يساعد إطلاقاً على تمتين الأوضاع الوطنية ولا يوفر الشروط الضرورية لمواجهة «صفقة العصر» بخطوات ميدانية وفاعلة.■

 خطاب الأمم المتحدة جعل من قرارات المجلسين المركزي والوطني مادة للمقايضة للعودة إلى أوسلو

■ في قاعة نصف فارغة، غاب عنها رؤساء الوفود، ألقى الرئيس محمود عباس كلمة فلسطين في الدورة السنوية للأمم المتحدة، استعاد فيها شرحه للقضية الفلسطينية أمام ممثلي المجتمع الدولي، ويمكن أن نسجل بضعة ملاحظات رئيسية منها:

  • أنه تحدث بصفته رئيساً في نظام رئاسي، متجاوزاً أن النظام الفلسطيني، كما أقرته وثيقة الاستقلال (15/11/1988) نصت على نظام برلماني، وأن الحالة القيادية الفلسطينية تقوم الآن على ثنائية المجلس الوطني واللجنة التنفيذية. لذلك جاء قوله « إن المجلس الوطني كلفني»، أو «طالبني» أو «دعاني»، فيه تعبير صريح عن النزعة الجامحة لتحويل النظام الفلسطيني إلى نظام رئاسي، وإلى إعادة صياغة العلاقات الوطنية، المفترض أن تقوم على مبدأ الشراكة والتوافق الوطني، إلى نظام رئاسي، يدار المراسيم، على غرار مرسوم إعادة تشكيل دوائر اللجنة التنفيذية. لقد كلف المجلس الوطني اللجنة التنفيذية، لا رئيس السلطة، ولا رئيس دولة فلسطين. هكذا يقول البيان الختامي. وبالتالي جاءت هذه الفقرات من الخطاب لتقدم النظام الفلسطيني على غير ما هو عليه، ولتكشف أن معركة إصلاح الأوضاع في المؤسسة الفلسطينية معركة قاسية ومعقدة، وهي مدخل رئيس لإصلاح الخلل القائم في العلاقات الوطنية.
  • أنه استفاض في إدانته لما أسماه الإرهاب. دون أن يميز بين الإرهاب الحقيقي الذي تمارسه المنظمات المتعارف عليها أنها إرهابية، أو الإرهاب المنظم الذي تمارسه قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين، وبين حق الشعوب في مقاومة الاحتلال، والدفاع عن حرياتها وسيادة أرضها وكرامتها الوطنية. وبدا خطابه في هذا الجانب وكأنه إدانة للمقاومة الفلسطينية بتاريخها المجيد، وحاضرها وثباتها المشرف، والمستقبل الذي يحمل لها في طياته واجبات ومهام صعبة، تتطلب بلا شك تضحيات بلا حدود. كان من الواجب أن يشير إلى الحروب العدوانية الاسرائيلية، ليميز بين الإرهاب الاسرائيلي والمقاومة الوطنية الفلسطينية. أما حصر المقاومة بالمقاومة الشعبية «السلمية» (التي لم يقدم لنا حتى الآن تعريفها ونموذجاً لها) فهو حشر للقضية الوطنية، كحالة الحشر التي تعتبر المفاوضات الثنائية خياراً سياسياً وحيداً، وتستبعد باقي الخيارات.
  • أنه أقحم الخلاف مع حركة حماس أمام المجتمع الدولي، مع أنه قضية وطنية داخلية تعالج في إطار الحوارات الوطنية التي ترعاها القاهرة. وبالتالي جاء التهديد لحماس، ومن خلفها لقطاع غزة، في غير مكانه، ويصعب على أي كان أن يدافع عنه. فالقضية الجوهرية هي قضية الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي، لا تساويها أية قضية أخرى، مهما كانت معقدة ومثيرة للشجن ومؤثرة على الوضع الوطني العام. هناك تفاهمات وتوافقات واتفاقات تم الوصول إليها في أكثر من محطة، لذا يعتبر نقل القضية إلى منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة «خروجاً على قواعد اللعبة».

*      *      *

القضية التي استحقت الاهتمام الأكبر هي عودة الخطاب إلى تبني «رؤية الرئيس»، كمشروع للحل. «الرؤية»  التي كان قد أعلن عنها في مجلس الأمن الدولي في 20/2/2018، وأعاد التأكيد عليها في الجلسة الافتتاحية للمجلس الوطني في 30/4/2018، والتي تجاوزها البيان الختامي للمجلس ودعا، بدلاً منها، إلى مؤتمر دولي بقرارات ملزمة، وسقف زمني محدد، ووفق قرارات الشرعية الدولية ورعاية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن. بينما «الرؤية» تستعيد اتفاق أوسلو وما يسمى بمفاوضات الحل الدائم، وتحمل في طياتها سلسلة تنازلات مسبقة، تطال حدود الرابع من حزيران، وقضية اللاجئين وحق العودة، والأسس السيادية للدولة الفلسطينية، وأشياء أخرى.

«الرؤية» هذه، هي مرة أخرى خطوة انقلابية على قرارات المجلس المركزي (15/1/2018) والمجلس الوطني (3/4/2018) وتعبير عن سياسة لا تبالي لأمر المؤسسة الوطنية الفلسطينية ولا لقراراتها، ولا للتوافقات الوطنية. قرارات المجلسين المركزي والوطني(والتي يصر لفيف من الصحفيين الموالين على أنها مجرد توصيات مرفوعة للرئيس وليس للجنة التنفيذية) تحولت في الخطاب إلى مادة للمقايضة. بحيث بدا الخطاب في موقع الرهان على إمكانية عودة ترامب عن «صفقة العصر»، مع أن صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لا يتردد في الاعتراف أنه تم تطبيق 70% من هذه الصفقة، (القدس، الاستيطان، حق العودة، تعريف اللاجئ، محاصرة وكالة الغوث، قطع التمويل عن السلطة، اعتبار م.ت.ف منظمة إرهابية، إغلاق مكتب المنظمة في واشنطن... والحبل على الجرار) كما يراهن الخطاب على تراجع نتنياهو عن خطواته علماً أنها خطوات عملية وميدانية تصنع وقائع استيطانية، من شأنها أن تعمق حصار القدس وتوسع عملية تهويدها وطمس معالمها العربية والفلسطينية، كزيادة عدد السكان اليهود، وتدمير اقتصادها الوطني، وتدمير مكونات مجتمعها الفلسطيني، والتمهيد بالخطوات العملية لواقع جديد للمسجد الأقصى، على قاعدة التقاسم الزماني والمكاني، على غرار المسجد الإبراهيمي في الخليل..

وبالتالي يمكن القول إن وصف الخطاب بأنه ارتقى إلى مستوى أعلى، حين وضع الأميركيين والاسرائيليين أمام معادلة «الالتزام مقابل الالتزام» ما هو إلا وصف فيها تزييف للحقيقة. فلا واشنطن تلتزم بالتفاهمات مع السلطة الفلسطينية، ولا نتنياهو يلتزم اتفاق أوسلو وبروتوكول باريس. وحدها السلطة الفلسطينية، ووحدها القيادة الرسمية، هي الملتزم الوحيد في هذا الميدان. مازالت تلتزم اتفاق أوسلو، وتراه سبيلها إلى الحل ما يفسر إصرارها على تعطيل قرارات إعادة النظر بالعلاقة مع إسرائيل.

*     *     *

تصريحات مقربة من رئاسة السلطة، وأعضاء في اللجنة التنفيذية كشفوا أن خطاب نيويورك، سيكون هو الأساس والموجه لأعمال المجلس المركزي في دورته القادمة، المتوقع انعقادها ما بين 20-25/10/2018 وذهب البعض في التوضيح خطوة إلى الأمام حين قال إن المجلس المركزي سيكلف اللجنة التنفيذية وضع خطة لتطبيق لقرارات المجلسين المركزي والوطني.

ما يعني بوضوح أنها عودة جديدة إلى الدائرة المفرغة، وإلى لعبة الأبواب الدوارة. فقد أحالت اللجنة التنفيذية هذه القرارات أكثر من مرة، قبل المجلس الوطني، وبعده، إلى لجان لوضع خطط وآليات تطبيقها، كان آخرها ورقة العمل التي عرضت على المجلس المركزي الأخيرة(الدورة 29) والتي صادق عليها وأحالها إلى اللجنة التنفيذية لتنفيذها. لكن رئيس السلطة، وفي كلمته الختامية اعتبر ما تم الاتفاق عليه مجرد توصيات، داعياً أعضاء المجلس إلى التفكير بما يمكن القيام به في المستقبل، خاصة بعد عودته من الأمم المتحدة. ما يشير بوضوح أن الوقوف عند «رؤية الرئيس» ما هي إلا لعبة مكشوفة للبقاء في المربع الأول. أي أن بقايا أوسلو هي الاستراتيجية المعتمدة عملياً من قبل القيادة الرسمية، وأن الرهانات على الوهم مازالت هي الأساس، وأن الوضع بات أشبه بلوحة لمجموعة من الفاشلين يقفون عند ضفاف العجز مثل هذا الوضع لا يساعد إطلاقاً على تمتين الأوضاع الوطنية ولا يوفر الشروط الضرورية لمواجهة «صفقة العصر» بخطوات ميدانية وفاعلة.■

 (1)

 خمسة وعشرون عاماً على توقيع اتفاق أوسلو، شكلت محطة سياسية بامتياز، أدلى فيها الكثيرون، فلسطينيين وعرباً وأجانب، بآرائهم وتقييماتهم، وتقديراتهم واقتراحاتهم. والتقى الصف الأوسع، على فشل الاتفاق في تحقيق ما وعد به من «سلام» و«حل للنزاع الفلسطيني ــ الإسرائيلي». بل واتفقوا على أن الاتفاق قد أسهم في تفاقم النزاع، وألحق الأذى بالقضية الوطنية الفلسطينية، وتدهورت الأوضاع الاقتصادية في المناطق المحتلة، أو باتت على وشك الانهيار تحت الحصار الإسرائيلي. كما أنه لم يحل ضد أن تشن إسرائيل أعمالها العدوانية ضد الضفة في موجات متتالية، كان أبرزها اجتياح العام 2002، وضد قطاع غزة، كان أبرزها الحرب العدوانية في صيف 2014. كما شكل الاتفاق غطاء سياسياً لتصعيد الأعمال الاستيطانية التي عبرها تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الفلسطينية والقدس الشرقية المحتلة إلى حوالي أربع أو خمس مرات (في الحد الأدنى) وقد بات الفلسطينيون، في ظل هذه السياسات «أقلية» في القدس المحتلة، أما في مناطق الـ48 فقد ازداد الإنزياح السياسي الإسرائيلي نحو اليمين، ونحو المزيد من التهميش والإقصاء للفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية، وبلغت ذروة الإنزياح اليميني، بإصدار قانون القومية الذي أعلن إسرائيل دولة يهودية ووطناً قومياً للشعب اليهودي في العالم، وأقصى من المعادلة السياسية الشعب الفلسطيني.

أما على صعيد النظام السياسي الفلسطيني، فقد تراجعت الأوضاع يوماً بعد يوم. وعبر سياسة تراكمية، جرى إضعاف وإقصاء المؤسسات الوطنية وتهميش دورها لصالح «المطبخ السياسي»، وباتت السياسات الانقلابية على ما يتم التوافق والاتفاق عليه ظاهرة سياسية طاغية. وأدت الانقسامات والتجاذبات، خاصة بين حركتي فتح وحماس، إلى تعطيل المؤسسة التشريعية في السلطة الفلسطينية، وبروز ظاهرة «ازدواجية السلطة»، في الضفة من جهة، وقطاع غزة من جهة أخرى، وتراجعت إلى حد خطير ثقة الشارع بالطرفين معاً، وبجدوى الإستراتيجية السياسية المعتمدة، هنا أو هناك، وأصيبت الحركة الشعبية الفلسطينية بأضرار مؤذية عطلت عليها إمكانيات التقدم إلى الأمام في النضال الميداني ضد الاحتلال والاستيطان.

ومما زاد في الطين بلة، وأضاف إلى الكوارث الوطنية كارثة إضافية، هو تبني السلطة الفلسطينية لسياسة اقتصادية تستجيب وترضخ لشروط صندوق النقد الدولي، كما ارتفع منسوب القمع على يد الأجهزة الأمنية في السلطة، وتدخلها في الشأن السياسي، كما تحول القضاء، بيد القيادة الرسمية إلى أداة لتصفية الحسابات مع المجتمع، وفقد استقلالية المفترضة.

باختصار،خرجت نتائج تقييم ربع قرن من عمر اتفاق أوسلو، بالدعوة إلى العودة عنه. لكن السؤال الذي تباينت حوله الإجابات وتنوعت هو: العودة إلى أين؟ هل لأوسلو جديد، كما اقترح أحمد قريع ( أبو علاء) أحد  كبار صانعي الاتفاق الكارثة. أم إلى مبادرة سياسية أطلقها الرئيس عباس في 20/2/2018 في مجلس الأمن الدولي وأكد عليها في 30/4/2018 في الدورة الـ23  للمجلس الوطني الفلسطيني. أو تكون العودة إلى «حل الدولتين»،أو«الدولة الواحدة»،أو«الدولة الديمقراطية». أم إلى البرنامج الوطني الفلسطيني بشعاره الذهبي الصامد على مدى حوالي 45 عاماً «العودة وتقرير المصير والدولة الوطنية المستقلة».

الأمر يستحق ويتطلب النقاش.

(2)

أحمد قريع (أبو علاء) أحد كبار صانعي الاتفاق. وله في هذا المجال مؤلف ضخم سرد فيه تفاصيل الرحلة إلى الاتفاق وتطبيقاته. يقول رداً على سؤال إنه لو عاد به الزمن إلى 13/9/1993، تاريخ توقيع الاتفاق في حدائق البيت الأبيض في واشنطن، لقام مرة أخرى بالتوقيع على الاتفاق دون تردد؛ معتبراً أن الخلل ليس في الاتفاق، بل في التطبيق. [نغمة يرددها كثير من الاشتراكيين والإسلاميين في الدفاع عن تجاربهم الفاشلة: الخطأ ليس في النظرية بل في التطبيق، متجاوزين قاعدة جوهرية، لا تفصل بين فهم النظرية والتطبيق وتأثير التطبيق على النظرية وكيف ينشأ مع التطبيق مفاهيم تعتبر نفسها جزءاً من النظرية).

ويعتبر قريع أن الخطأ الذي ارتكبه المفاوض الفلسطيني، ليس التوقيع على «الاتفاق ـــــ الكارثة»، بل لأنه لم يلجأ إلى تحكيم الولايات المتحدة  عند نشوب الخلافات على طاولة المفاوضات. ورأى قريع  أن الحل هو في اللجوء إلى التحكيم .وفي هذا يتجاهل قريع الأمور التالية:

  • أن الاتفاق كان ثنائياُ، تمً خارج الأمم المتحدة ومؤسسات الشرعية الدولية. وهو ملزم للطرفين، لكن الالتزام يكون على الدوام تحت تأثير موازين القوى، وبالتالي الالتزام للطرف الضعيف يكون أقوى.
  • أن الاتفاق لم يستند إلى قرارات الشرعية الدولية كمرجعية، ولا إلى الأمم المتحدة كراعية. حتى عندما أثيرت مسألة قرارات الشرعية الدولية (242 + 194) اتفق الطرفان، «أن ما يتم الاتفاق عليه هو التطبيق العملي لقرارات الشرعية الدولية». وبذلك تكون إسرائيل قد نجحت، ويكون المفاوض الفلسطيني قد رضخ، لآلية تفاوضية، تستبعد تفسير اللجان القانونية للأمم المتحدة لقراراتها، لصالح الإذعان للتعنت الإسرائيلي. وتحولت «قرارات الأمم المتحدة» (حسب ادعاء الطرفين) إلى غطاء لممارسات احتلالية استيطانية، وتطبيقات فاسدة للقرار، لعل أكثرها فجاجة القبول (على سبيل المثال) ببقاء المستوطنين في مدينة الخليل، والرضوخ لقرار التقاسم الزماني والمكاني للحرم الإبراهيمي.
  • وأخيراً، وليس آخراً، لا ندري إذا كان أبو علاء قد أطلع على اعترافات صائب عريقات حول التنازلات المجانية التي قدمها المفاوض في أوسلو، أو اطلع على ما كتبه في كتابه الشهير «الحياة مفاوضات» حول الدور الأميركي في «رعاية» المفاوضات، وكيف أن المفاوض الفلسطيني كان يقف في مواجهة طرفين توحدت مواقفهما في مواجهته، هما إسرائيل والولايات المتحدة.

هل هي مكابرة من قريع، أو تجاهل للوقائع، أو محاولة لتبرئة الذات من الكوارث التي لحقت بالشعب الفلسطيني، أم هي إدانة لمن خلفوه في إدارة المفاوضات ممن هم في مركز القرار حالياً، أم هي كل هذا دفعة واحدة؟

(3)

بعد حوالي شهر على انتهاء أعمال دورة المجلس المركزي (15/1/2018) التي أعلن فيها قراراته بتعليق الاعتراف بإسرائيل، وطي صفحة أوسلو، ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وفك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي، ونقل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، بما فيها الدعوة لمؤتمر دولي تحت إشراف المنظمة الدولية، وبرعاية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وبموجب قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، تقدم رئيس السلطة إلى مجلس الأمن الدولي، بمبادرة، باتت تسمى «رؤية الرئيس» دعا فيها إلى استئناف المفاوضات، في ظل مؤتمر دولي، ينعقد لمرة واحدة، كمؤتمر أنابوليس، يعود بعدها الطرفان، الفلسطيني والإسرائيلي، إلى المفاوضات الثنائية، وفق الآليات التي أقرها اتفاق أوسلو، للتفاوض حول ما يسمى بقضايا الحل الدائم.

 وباتت هذه «الرؤية» هي السياسة المعتمدة من قبل «المطبخ السياسي» في انتهاك واضح لقرارات المجلس المركزي (15/1/2018) وبعدها قرارات المجلس الوطني (30/4/2018)، رغم أن الرئيس أبو مازن دعا المجلس إلى تبني هذه الرؤية، لكن دون أن تتم الاستجابة لدعوته، غير أن المجلس المركزي الذي انعقد في، 15/8/2018 لفق صيغة، شكلت خلطة سياسية، دعا فيها إلى مؤتمر دولي، وتمسك بالمبادرة العربية، وتبنى«رؤية الرئيس»، في تحايل واضح وانتهاك سافر لما سبق من قرارات، بما في ذلك قرارات المجلس الوطني نفسه، ما يؤكد أن السياسة العملية المعتمدة من قبل القيادة الرسمية، ومطبخها السياسي مازالت هي رؤية «الرئيس»، أي العودة إلى أوسلو، لكن بعبارات يراد منها التمويه على الحقائق، والالتفاف على الانتقادات،والتغطية على الكوارث السياسية التي ألحقها الاتفاق بالقضية والحقوق الوطنية.

فما بات يسمى بـ «رؤية الرئيس»، ما هي إلا طبعة غير منقحة لاتفاق  أوسلو، لأنها ما زالت تدعو إلى حصر المفاوضات بقضايا الحل الدائم أي تجزئة القضية إلى ملفات، يتم التنازل في كل منها على حدة : التنازل عن خط الرابع من حزيران (عبر القبول بتبادل الأرض ما يقود عملياً إلى تشريع الاستيطان، والاعتراف بمبدأ ضم المستوطنات لإسرائيل)، والقبول بحل متفق عليه لقضية اللاجئين (أي عملياً الاعتراف بحق الفيتو الإسرائيلي على حق العودة لصالح الحلول البديلة)، وكذلك التنازل عن السيادة (عبر القبول بطرق ثالث على الحدود لمراقبة الحركة بين ذهاب وإياب، على غرار اتفاق معبر رفح (2005) مع حكومة شارون).

وما دامت التنازلات باتت أساس التفاوض، كما اعترف صائب عريقات لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، وما دامت مرجعية مفاوضات أوسلو، هي المفاوضات نفسها، وما دام ما يتم الاتفاق عليه هو «التطبيق العملي» لقرارات الشرعية الدولية، فمعنى ذلك أن أوسلو، مازال هو السياسة المعتمدة. يؤكد ذلك تعطيل «المطبخ السياسي» لقرارات المجلس المركزي والمجلس الوطني، ويؤكد ذلك أن السياسة اليومية التي ما زالت تتبعها حكومة السلطة الفلسطينية تقوم على الالتزام باتفاق أوسلو وبروتوكول باريس. إذن، «مبادرة الرئيس»، أو«رؤية الرئيس»، هي مراوحة في المكان، تحت سقف أوسلو، وفي مستنقعاته الكارثية.

(4)

هل تشكل العودة إلى «حل الدولتين» بديلاً لاتفاق أوسلو؟

«حل الدولتين» مبادرة أميركية أطلقها الرئيس الأسبق بوش الابن، ووزير خارجيته كولن باول. وهي أطلقت لتدعيم اتفاق أوسلو، وقطع الطرق على البرنامج الوطني:

  • «حل الدولتين» يقوم في الأساس على أن إسرائيل، دولة يهودية و«الوطن القومي للشعب اليهودي»، مقابل دولة فلسطينية تشكل «الوطن القومي» للشعب الفلسطيني. تطبيقات هذا، تعني الاعتراف «بحق إسرائيل في الوجود»، وبشرعية «قانون العودة» اليهودي، وشرعية الهجرة اليهودية لإسرائيل، مقابل إسقاط حق العودة أمام اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948.
  • مادامت هناك دولة قائمة هي إسرائيل، فلماذا الحديث عن «حل الدولتين» وليس عن حل لإقامة دولة فلسطينية، في سياق استكمال تطبيق القرار 181/قرار التقسيم/ وقرار 242 الذي ينص على الانسحاب الإسرائيلي وعدم جواز استيلائها على الأرض المحتلة بالقوة.

الجواب واضح: إسرائيل لم تعلن حتى الآن حدودها النهائية. وإن كانت قد رسمت بعض ملامح هذه الحدود في جدار الفصل والضم العنصري، ثم أطلقت أفكاراَ جديدة تقول إن حدودها هي الخط الفاصل مع الأردن، وإن لا مكان لدولة ثالثة بين الأردن وإسرائيل.

واستندت في  هذا إلى الموقف الأميركي الجديد الذي بات يقول:«إن قيام دولة فلسطينية لم يعد شرطاً لازماً لقيام سلام في منطقة الشرق الأوسط». إذن أحد أهداف «حل الدولتين» هو التأكيد على مبدأ «استكمال قيام دولة إسرائيل»،عبر رسم حدودها النهائية، بالمفاوضات، وبحيث يتم الاعتراف  بها من قبل الفلسطينيين والعرب. والحدود التي تريدها معترفاً بها هي «الحدود الآمنة». ووحدها إسرائيل من يرسم معنى «الحدود الآمنة»، والتي ستعني، فيما يعنيه، تواجد قوات الاحتلال على الحدود مع الأردن، وبقاء«مواقع إنذار مبكر» على قمم جبال الضفة الفلسطينية، ودوريات إسرائيلية، وخطوط مواصلات آمنة بين الحدود، والمواقع والعمق الإسرائيلي، وبقاء الأجواء والمياه الإقليمية الفلسطينية تحت السيطرة والسيادة الإسرائيلية.

أما ما يتبقى بعد هذا، من علامات «الدولة» فهو الذي من شأنه أن يشكل «الدولة الفلسطينية» في إطار «حل الدولتين».وكما قال أحد المحللين مرة:فإن «حل الدولتين» حول الوسط بين البرنامج الوطني وبين الإدارة الذاتية المسماة سلطة فلسطينية، أي أنها إدارة ذاتية ــ ذات صلاحيات ومسؤوليات إدارية أوسع، بما في ذلك الإبقاء على «علامات الدولة» من مسميات ومظاهر ووزارات وممثليات وقنصليات وسفارات، وشرطة برتب وشارات مذهبة وغيرها. لكنها فاقدة للسيادة، ودون الحد الأدنى من الحقوق الوطنية المشروعة، كما صاغتها المؤسسات الشرعية الفلسطينية، والبرنامج الوطني، واعترفت بها الشرعية الدولية واعتبرتها «غير قابلة للتصرف».

 إذن، العودة إلى «حل الدولتين» هي في حقيقة الأمر عودة إلى ما يمكن تسميته «بقايا أوسلو».

(5)

تكمن مأساة الفريق الذي يدعو لحل «الدولة الواحدة» بديلاً لاتفاق أوسلو، أنه يستند إلى سياسة(هي في الواقع ليست بالسياسة بالمعنى العلمي) سندها موقفان رئيسيان فيهما قفز عن الواقع وتشويه له:

  • الموقف الأول يعتبر أن أساس أوسلو هو البرنامج الوطني (أي البرنامج المرحلي الذي اعتمدته م.ت.ف العام1974). وخلفية هذا الموقف تعود في جذورها إلى رفض مبدئي للبرنامج المرحلي، ثم التمويه عليه لفترة ما، إلى حين الكشف عن أوسلو، فانطلق الرأي الذي يحمِّل البرنامج المرحلي (وليس القيادة السياسية الرسمية) مسؤولية اتفاق أوسلو، بذريعة أنه لولا البرنامج المرحلي لما ذهب ياسر عرفات وفريقه إلى أوسلو. وعلى هذا المنوال، استمر هذا الفريق في نقد البرنامج المرحلي والتهجم عليه، والمساواة بينه وبين«حل الدولتين»، بينما كان هذا الفريق يلتزم الصمت إزاء فريق أوسلو، بل إن بعض أطراف هذا الفريق التحقت بقيادة أوسلو واتخذت موقف الدفاع عن سياستها التنازلية. إذن، الدعوة إلى «الدولة الواحدة» كمشروع يستحق النقاش الموضوعي في إطاره التاريخي، تحولت على يد البعض، في موقف صبياني مراهق إلى منصة لإطلاق النار على البرنامج المرحلي، و«تهدئة» مع مشروع أوسلو.
  • الموقف الثاني يحاول أن يوحي، وأن يقنع الرأي العام أن الاستيطان، قضى على إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة، متواصلة، وقابلة للحياة، في الضفة الفلسطينية، وأدى إلى وقائع جديدة، أصبحت فيها المناطق المحتلة عام 1967، ما يشبه مناطق الـ 48. أي وجود شعبين، فلسطين من جهة، ويهودي من جهة أخرى. وأن هذا التحول الجغرافي، والديمقراطي، يستوجب الرد عليه بالدعوة إلى «الدولة الواحدة».

 ويرى فريق هذه الدعوة أن من شأن ذلك أن يحرج إسرائيل أمام الرأي العام الغربي، وأن يؤكد للعالم أن الفلسطينيين لا ينوون القضاء على إسرائيل، وأنهم على استعداد للعيش معها في دولة واحدة.وأن النضال في ظل«الدولة الواحدة» سيحول من نضال من أجل تقرير المصير، والحقوق الوطنية والقومية، إلى نضال من أجل «الحقوق الإنسانية»، و«حقوق المواطنة»،على غرار نضالات الفلسطينيين العرب في إسرائيل. وهذا، حسب رأي أصحاب هذا المشروع،من شأنه أيضاً أن «يوحد» الشعب الفلسطيني، جغرافياً وبرنامجياً.

 غير أن هذا المشروع، بالصيغة الشوهاء التي تم عرضه فيها، يشكو العديد من الثغرات أهمها:

  • أنه لم يقدم جواباً على مسألة اللاجئين وحق العودة. هل يعودون أم أن «الدولة الواحدة» تعني المناطق المحتلة عام 67. وإذا كان المشروع ينص على العودة، ففي أي سياق تكون العودة، وإلى أين، وبموجب أي قرار. فالعودة، مثلاً، بموجب القرار 194 تعني الاستعانة ببعض بنوده، وهو واحد من أهم بنود البرنامج المرحلي.
  • أنه لم يقدم جواباً على الاستيطان، هل يتحول إلى استيطان شرعي، مادام يقوم على أرض «الدولة الواحدة». أم أنه يبقى استيطاناً غير شرعي. خاصة أن «الدولة الواحدة» تعني أن الضفة الفلسطينية، وقطاع غزة، أصبحا جزءاً لا يتجزأ من الدولة الإسرائيلية، مما سيعطي حكوماتها الحق في الإدعاء أن البناء في الضفة عمل سيادي مثله مثل البناء في تل أبيب. وهذا معناه في التطبيق العملي إسقاط قرار مجلس الأمن الدولي، 2334، وغيره العشرات من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، وقرارات حكومات غربية وشرقية، تعتبر الاستيطان انتهاكاً للشرعية الدولية وللقانون الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، وعقبة في طريق السلام.

خلاصة القول إن مشروع «الدولة الواحدة»، الذي حاول البعض عبره الهروب من استحقاقات البرنامج الوطني لا يملك عناصر الحياة، بل هو مولود ميت، ولد في الزمان، والمكان والسياق السياسي الخطأ. لا لشيء، سوى لتأكيد النزعة الرفضوية ومحاولة ارتجاعية لإنصاف هذه النزعة، وتبريرها تاريخياً.