سقط تمثال الدكتاتور في ساحة الفردوس، ودخلنا بغداد يوم 13 نيسان 2003. كنا عشرة شيوعيين (فارس كريم، بسام محي، ملازم هشام، الفقيد شاكر الدجيلي، علي ابراهيم، عمار صفاء الحافظ، رحمن غريب، ابو كرنفال، عضيد شلتاغ وأنا)، ثم التحق بنا فور وصولنا كل من الرفاق (حيدر شيخ علي، حيدر مثنى وسمير الساعدي).

حينذاك، تركز جهدنا على اعادة بناء تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي وفتح مقراته في العاصمة، بعد سنوات من حظر نشاط الحزب وملاحقة كوادره والبطش بهم من قبل أجهزة النظام الدكتاتوري الذي مارس أبشع مظاهر القمع ضد كل الاحزاب والقوى والشخصيات المعارضة له.

كان السؤال الذي نطرحه على أنفسنا هو "كيف نبدأ؟"، فلسنا من الشخصيات الشيوعية المعروفة آنذاك، اذ كان اغلبنا في جبال كردستان يخوض الكفاح المسلح في مواجهة الدكتاتورية، بعد ان غادرنا بغداد ونحن فتية وشبان في نهاية السبعينيات.. كيف لنا ان نبني منظمات الحزب في ظروف الفوضى العارمة بعد سيطرة قوات الاحتلال؟.. حقا كانت مهمة ليست سهلة في تلك الايام.

قررنا حينها الاتصال بالشخصيات الشيوعية المعروفة في بغداد. فوقع اختيارنا أولاً على الشاعر الكبير عريان السيد خلف، والفنانة المتميزة زكية خليفة. واتصل الرفيق فارس كريم بالفنانة زكية خليفة التي استجابت فورا لطلبنا. فيما اتصلت أنا بالشاعر الكبير عريان السيد خلف، وفاجأني أنه قد أنتظم مع مجموعة رائعة من الشخصيات الشيوعية بينهم كريم الربيعي، وشخص اسمه حمودي وابو اخلاص، وأنهم أعدوا بيانا باسم الحزب مبادرة منهم لإعلان عودة نشاطه الى بغداد. استحسنت نشاطهم، فسلموني البيان، وتركوا القرار لقيادة الحزب في نشره. بلغتهم بالوجهة التي نعمل عليها، وهي إعلان نشاط الحزب العلني، وفتح مقره الرئيس عبر نشاط جماهيري، رغم عدم وجود هواتف للاتصال، وندرة وسائل النقل انذاك.

واعتمدنا فكرة مضمونها، تبليغ كل من نلتقيه بأهمية حضور لقاء شخصي مع قيادة الحزب، مع تحديد موعد واحد للجميع. كثفنا اتصالنا بمن نعرفهم، لكن أبا خلدون نشط بشكل استثنائي من أجل تحشيد أصدقائه ومعارفه، وما اكثرهم.

وفي صباح اليوم الموافق 20 من نيسان 2003، كانت المسرة والبهجة حاضرة في وجوه الشيوعيين والشيوعيات المدعوين، بعدما اكتشفوا أن موعد اللقاء الشخصي مع قيادة الحزب، هو موعد حاشد جماهيري لأول نشاط ينظمه الحزب في العراق بعد سقوط الدكتاتورية، وهو الحلم الذي أنتظره من يتطلعون إلى الحرية والعطاء.

لم يتردد عريان السيد خلف الذي كان أحد رموز التجمع في ذلك اليوم، عن قراءة شعر عذب الهب حماس الجميع، حيث شاركه المنصة ايضاً الشاعر حمزة الحلفي. اما الفنان حسن بريسم فقد أطرب الجميع بصوته المعبر عن اوجاع العراقيين، بينما كلفنا الفنانة زكية خليفة بإلقاء كلمة الحزب في ساحة الفردوس، وقد قرأتها بحماس نادر.

ووسط هتافات (العراق سالم سالم.. على عناد كل غاشم)، (سنمضي سنمضي الى ما نريد، وطن حر وشعب سعيد)، (وحدة وحدة وطنية، لا احتلال ولا فاشية) تحركت حشود الجماهير يتقدمهم أعضاء قيادة الحزب ويتوسطهم عريان السيد خلف وزكية خليفة، نحو مبنى مقر اللجنة المركزية للحزب الواقع في ساحة الاندلس، ليكون اول مكان ترفرف فوقه رايات الحزب الحمراء، في بغداد.

هكذا كان عريان السيد خلف، حاضراً في انطلاقة شيوعية جديدة للنضال داخل الوطن، وسيبقى حاضراً مع رفاقه.

عرض مقالات: