حين وصل جليل وزوجته كنا مشغولين بمتابعة تقرير مصور طريف يعرضه التلفزيون عن الاسماك الطائرة. استغربت سكينة وجود خمسين نوعا من الاسماك التي تطير ، وهي لا تُعتبر طيورا وانما اسماك تستطيع القفز من الماء والطيران باستخدام زعانفها حيث تضربها بالماء بقوة وتقفز، ثم تفردها فتتحول الى اجنحة تحمل اجسامها الصغيرة وتجعلها تحوم لعشر ثوان ربما في الهواء، وتعود ثانية الى الماء لتضرب ثانية بقوة وتقفز وهكذا. وشرح التقرير ان هذا النوع من الاسماك يضطر لحيلة الطيران هروبا من الاعداء ، فعند اقتراب عدو منها تخرج من الماء وترتفع في الهواء على ارتفاع يصل الى متر ونصف المتر وتحوم في الهواء وتكرر طيرانها للابتعاد عن اعدائها. التقرير بيّن ان حيلة الاسماك للهروب من الاعداء في الماء والطيران في الهواء يقودها الى اعداء جدد ، اذ تكون مختلف انواع الطيور بانتظارها لتصطادها، ناهيك عن الانسان الذي استطاب لحوم بعض اصناف هذه الاسماك .
ومع بدء الحديث في شؤون الساعة عرّج جليل للحديث عن التحالفات الانتخابية في الساحة السياسية في البلاد، وخروج اسماء معينة من تحالفات والانضمام لتحالفات اخرى، وحركة التحالفات بين الكتل والأحزاب وبعض الانشقاقات، وكل ذلك استعدادا لخوض الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في ايار المقبل. والجميع بدأ بتقديم الوعود للمواطن العراقي ، بان يجعل حياته جنة على الارض .
كان جليل يكرر بأن الوعي الانتخابي عند المواطن هو الكفيل بأن يفهم أن حياته ستسمر مثلما كانت ان لم تصبح اسوأ، ان لم يقم بأختيار البديل المناسب، القادر على تجاوز سياسة المحاصصة الطائفية وعلى بناء دولة مدنية ديمقراطية. وهو البديل الذي يهتم بانجاز برنامجه الانتخابي بدل الانشغال في تكرار اطلاق الوعود .
وكعادة صديقي الصدوق ابو السكينة. بان لا يفوت شيئاً الا ويربطه بالاوضاع في العراق ، اطلق ضحكة وقال : شفتو هذا السمك الطاير ، شكله حلو وطيرانه يفرح الروح، بس الله يكون بعونه لان حاله مثل حال المواطن العراقي ، محيّر وعذابه ما يخلص. هذا السمك المسكين يطير بالهواء تاكله الطيور، ينزل الى الماء تاكله الاسماك الكبيرة ، والعراقي طول هذه السنين محير، كل الذين انتخبهم لم يوفروا له الامان ولم ينفذوا شيئاً من الوعود التي اطلقوها ، واكلوا كل حقوقه وحياته، وما عليه الآن اذا يريد يعيش الا ان يختار بديل يخرجه من دوامة المحاصصة وطلايبها البديل الذي هو ضد المحاصصة الطائفية قولاً وفعلاً، والا راح يظل طول عمره مثل هذا السمك، محير ومهددة حياته ومستقبل اطفاله ، لا هو حاط ولا هو طاير .