المطرُ الذي يفرح به الناسُ لأنه يسقي الأرض والزرع ويقتل الحشرات الضارّة وينقّي الهواء من الغبار والأتربة ليبعث البهجة في نفوس الصغار والكبار !
المطر الذي تغنّى ويتغنّى به الشعراء والمطربون ويطرز التشكيليون لوحاتهم به ، وينتظره الفلاح بشوق ولهفة!
المطر الذي يقال عنه رحمة ونعمة تهبها السماء للأرض وسكانها، كي تعشوشب وترتدي حلّتها الخضراء وهي تفوح بعبق ترابها !
مَنْ مِنّا لم يستنشق رائحة الأرض بعد المطر ؟!
ومَنْ مِنّا لم يركض ويلعب في طفولته تحت قطراته رافعاً كفّيه ليمسك بلحظة فرح ؟!
ومَنْ مِنّا لم يُصِخ السمعَ لقطراته وهي تلثم خدّ الأرض بأنغامها لتجري في المزاريب والسواقي لحظة انهماره بعزفٍ موسيقيٍّ أخّاذ ؟!
المطر الذي يُسعدُ الجميعَ ، يُصيبنا بالحزن والهمِّ ، لأننا نفتقر إلى أدنى مقومات الوقاية من أضراره !
شوارعنا ليست كالشوارع ، وبيوتنا لم تعد بيوتاً !
تمتلئ الشوارع وتفيض بعد طفح المجاري بمياه الأمطار، وسقوف بيوتنا مهلهلة لا تتحمّل زخّة مطرٍ لدقائق ، يتسرب من بين مساماتها وتشققاتها لينزل طيناً على رؤوسنا وأثاثنا وتتحول غرفنا إلى مستنقعات مائية !
أذكر عندما كنتُ صغيراً كان أبي رحمه الله يستعدّ لاستقبال موسم الأمطار والشتاء ، حيث يبدأ بترميم سقوف غرفنا الطينية ، فيلطشها بالطين والتبن المخمّر والرماد كي تتماسك وتمنع مرور الماء من خلالها ، كذلك يتم تنظيف فتحات المجاري والبالوعات كي تستوعب كميات الأمطار ، كما يتم بناء السدود والسواتر عند حافات الأنهار والسواقي لدرء الفيضان !
هكذا في جميع دول العالم يستعد الناس لموسم الأمطار ويقومون بكل ما يدرأ عنهم خطر الفيضانات والسيول ــ إلاّ نحن، إذ تجدنا مشغولين بأمور أخرى بعيدة كل البعد عن الخدمات التي توفّر الراحة والأمان للناس !
هل فكّرنا بحلٍ لمشكلة طفح المجاري ، وغرق الشوارع والبيوت عند انهمار المطر غزيراً؟!
هل بدأنا الاستعدادات لدرء خطر الأمطار وتلافي سقوط البيوت المتآكلة والقديمة على
ساكنيها ؟!
هل قمنا ببناء سدودٍ وسواترَ لخزن ماء المطر كي نخفف معاناة شعبنا من الجفاف المحتمل وقلة نسب المياه في أنهارنا ؟!
هل اعددنا خطة لذلك ، أم مازلنا ملتهين بمشاكل لن تنفعنا بشيء سوى ازدياد الخراب في كل شيء ؟!
علينا أن نعي مسؤوليتنا كاملة تجاه الناس والوطن ، ونسعى بكل ما نمتلك من ضمير حيّ ــ إن وجد حقاً ؟! ــ لرفع الحيف والمعاناة عن شعبنا ، وتحسين الخدمات كافة !
الشعب أمانة في أعناق مسؤوليه ، علينا أن نعي تماماً ثقل هذه الأمانة ، ونعمل على صيانتها بكل ما نستطيع من جهد يخدم الأرض والإنسان ، لا نقف متفرجين وكأن شيئاً لا يعنينا أبداً تاركين الناس تردد : ( أتعلمين أي حزن يبعث المطر ، وكيف يشعر الغريب فيه بالضياع ؟!) ، وكأنهم غرباء في وطنهم يعتريهم الحزن والهم لما ستؤول إليه أمور البلاد والعباد عند مجيء موسم الأمطار!