يشعر المواطن بقلق متزايد وهو يتابع مسار تشكيل الحكومة الجديدة، ويرى انها جاءت على غير ما كان يتوقع. فهي يطلب منها الكثير، ويراد ان تتعامل مع العديد من الملفات بحيث لا تبقى نهاياتها مفتوحة، الى جانب تلك الملفات التي يريد البعض ان يطويها النسيان .
وفي الوقت الذي لم تكتمل فيه التشكيلة الوزارية بعد، ظهر ان بعض الاسماء التي جرى استيزارها، هي موضع عدم قبول ونقد لأسباب مختلفة .
على ان الامر المقلق اكثر هو حالة الجمود في استكمال تشكيل الحكومة، لا سيما ما يخص وزارتي الداخلية والدفاع، والدفع في اتجاه وصولها الى حالة استعصاء، او فرضها كأمر واقع من دون حساب للتداعيات المحتملة. ويحصل هذا في وقت تمس فيه الحاجة الى استكمال التشكيلة، والى شروع الحكومة في خطوات تنفيذية تقنع المواطن بان المياه تحركت، وان هناك آخر المطاف ضوءا في نهاية النفق.
وما يزيد المشهد إحراجاً وغموضا، واستخفافا بمشاعر الناس وبإرادتهم وتطلعهم الى التغيير والى تحقيق انعطافة اصلاحية مهمة في الاوضاع، ما يجري تداوله عن صفقات بيع الوزارات في التشكيلة الحكومية الجديدة. وهناك قصص اقرب الى الخيال عن انفاق ملايين الدولارات، تتردد اليوم على كل لسان . وفيما البعض ما زال يبحث عن ادلة ، يتم التأكيد ان احدا لم يقل بمعالجة الامر اعتباطا وخارج سياق القضاء وإجراءاته. ولكن هل يصح ان تبقى الشبهات تحوم حول الحكومة الجديدة، وقبلها بخصوص مجلس النواب الذي وعد رئيسه بإجراء تحقيق في شبهات مماثلة، ولا تتخذ اجراءات ملموسة؟
ان هذا الواقع المؤلم المحزن الذي قل نظيره في دول العالم، يثير مجموعة حارقة من الأسئلة الباحثة عن اجابات مقنعة، وليس تبريرات تذر الرمال في العيون. فمن اين للبعض هذه الملايين من الدولارات التي يتم الحديث عنها؟ وإذا كانت مواقع الوزارات وغيرها هي أساسا خدمة عامة، فلماذا يشتريها البعض وبهذه الملايين؟وهل يتوقع من احد يحصل على موقعه بهذه الطريقة المعيبة للدولة والمواطنين والشائنة، ان يقدم شيئا نافعا ؟ وأي اصلاح وتغيير يتوقع من مثل هؤلاء الذين يشترون مناصبهم ويبيعون ضمائرهم؟
من المؤكد ان الكتل والأفراد الذين يمارسون هذا الفعل المخزي، هم من يتحمل المسؤولية الاولى عما يحصل. ولكم يجدر بالسيد رئيس الوزراء ان يخرج عن الصمت ويقول شيئا، ويتخذ إجراء ما دفاعا عن حكومته ومرشحيه. وهل تستطيع الحكومة ان تنجز شيئا والشبهات تحيط ببعض أعضائها ؟
ان الواجب يقتضي فك الاشتباك، وتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود .
وان ما يحصل هو مسؤولية الجميع في نهاية المطاف: مجلس النواب ، السلطة التنفيذية ، القضاء والمدعي العام الذي تقع عليه قبل غيره مسؤوليات كبيرة في التحرك في كل القضايا ذات الصلة بالشأن العام، كذلك هيئات واجهزة الرقابة والنزاهة، وهي جميعا مطالبة بإماطة اللثام عما يحصل، وكشف الحقائق كاملة ووضعها امام المواطنين .
ومن جانب آخر فان الرأي العام العراقي بكافة مؤسساته مطالـب بمواصلة الضغط لوقف ما يجري إن كان صحيحا، وكشف وتعرية فرسانه وجعلهم، وفقا للقانون، عبرة لغيرهم.
وكفى استهتارا بمصير الشعب وتلاعبا بارادته وضحكا على الذقون تحت عناوين ومسميات شتى.