رشيد غويلب
بعد ان قطعوا آلاف الكيلومترات، وصل في 13 تشرين الثاني الحالي مهاجرو أمريكا الوسطى الأوائل إلى الحدود الأمريكية – المكسيكية في منطقة تيخوانا. وبعد يومين وصل 800 مهاجر آخرين. وتوزع المهاجرون على مجموعات تضم كل منها 30 - 40 فردا لغرض تقديم طلب اللجوء الى السلطات الأمريكية. وحتى كتابة هذا التقرير يوجد القسم الأكبر من قافلة المهاجرين في وسط المكسيك، على بعد 2800 كلم من الحدود المشتركة مع ولاية كاليفورنيا الأمريكية.
وفي الوقت نفسه، زار وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس الحدود مع المكسيك من أجل تنفيذ الإجراءات التي اتخذها الرئيس ترامب، والتي تتضمن زيادة عديد القوات المسلحة، واغلاق الشريط الحدودي بالأسلاك الشائكة، وتفعيل المراقبة والإغلاق الجزئي لدوائر الكمارك والمكاتب الحدودية.
والهجرة الجماعية من أمريكا الوسطى إلى الولايات المتحدة ليست ظاهرة جديدة. الجديد هو أن المهاجرين يقطعون آلاف الأميال على شكل قوافل جماعية، لمساعدة بعضهم، وتجنب دفع الإتاوات للمهربين، كما يتجنبون خطر الاحتجاز من قبل قوات شرطة الهجرة، او التعرض لمداهمات عصابات الجريمة المنظمة.
وانطلقت القافلة التي تضم عدة آلاف من المهاجرين القادمين من هندوراس وغواتيمالا والسلفادور، من شمال هندوراس يوم 13تشرين الأول الفائت، وانقسمت إلى عدة مجموعات. ووصلت المجموعات الاولى المناطق الحدودية، في حين نقل قسمها الاكبر إلى ملعب خيسوس مارتينيز "باليلو" في وسط المكسيك. ويتوقع توافد دفعات جديدة من المهاجرين في الأيام المقبلة، وسيبقى مجموعها النهائي قابل للزيادة.

خطة لمساعدة المهاجرين 

وجه مرشح اليسار الفائز في انتخابات الرئاسة الاخيرة في المكسيك أندرياس مانويل لوبيز، والذي سيتولى مهام منصبه في الأول من كانون الأول المقبل، رسالة الى المهاجرين، ضمنها الإعلان عن وجود ستراتيجية لحل مشكلة المهاجرين: "ان مهمتنا هي مساعدة الناس، الشعب، والفقراء", وأضاف الرئيس المرتقب ان حكومته ستمنح المهاجرين الراغبين في البقاء بالمكسيك تأشيرة إقامة عمل. وعبر بعض المهاجرين عن عزمهم على الاستفادة من هذا العرض المغري، لان ما دفعهم للهجرة هو البحث عن فرصة عمل تتيح لهم الاستمرار في الحياة. ومن جانبه أعلن سلفه المنتهية ولايته، عن امكانية حصول المهاجرين على الرعاية الصحية، وفرص التعليم لأطفالهم، وسيسمح لهم بالعمل، شريطة البقاء في ولايات المكسيك الجنوبية، وان يقدموا طلبا شرعيا للإقامة أو الحصول على اللجوء.
وقال قائد قافلة المهاجرين بارتلو فوينتيس، وهو عضو يساري سابق في برلمان هندوراس، إن المهاجرين سيختارون بين البقاء في المكسيك، او الاستمرار في الرحيل الى الولايات المتحدة، واي طريق سيسلكونه، لتجاوز التهديدات التي اطلقها الرئيس الأمريكي.

حجج العنصريين واحدة

واسهاما منه في المناقشات الجارية في المكسيك بشأن قوافل الهجرة، فضح "المجلس الوطني لمنع التمييز"، طبيعة الحجج العنصرية: "اولا يجب مساعدة المكسيكيين"، او "انهم يستولون على وظائفنا". وشدد المجلس على ان الفكرة القائلة ان مساعدة الآخرين تأتي على حسابنا، هي فكرة خاطئة في الجوهر. وهي مبنية على فكرة الدفاع عن مصالح اقلية بعينها. وان المكسيك قادرة على توفير المأوى والحماية للمزيد من المهاجرين، دون اهمال حقوق الفقراء من سكانها.
واكد المجلس ان موجات الهجرة من العوامل المهمة المساهمة في تنمية بلدان المنشأ وبلدان المهجر، وتساهم في زيادة الإنتاجية، والقدرة التنافسية، والاتصالات، والتجارة الدولية: فالمهاجرون هم في الغالب في السن المنتجة، وعادة ما يكونون الأكثر تعليما والأكثر تأهيلاً.

نظرية المؤامرة وقافلة المهاجرين

ويتسع في هذه الاثناء خيال اصحاب نظرية المؤامرة بشأن من يقف وراء قافلة المهاجرين، من الرئيس الفنزويلي مادورا الى المليونير المضارب جورج سوروس، وصولا الى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وينسى اصحاب هذه النظريات ان الآلاف من الناس يفرون من العنف والفقر وانعدام الفرص في هندوراس وغواتيمالا والسلفادور، حيث تهيمن الليبرالية الجديدة، وتعمل على تهميش واستبعاد اوسع الاوساط من السكان، في حين أن مجموعة صغيرة من الطغم، والشركات الكبيرة والشركات العابرة للحدود الوطنية تستمر في تركيز ثروات هذه البلدان في ايديها.

تزوير الانتخابات والأزمات والفساد

ان المسببين الحقيقيين للهجرة هم الى جانب حكومات الليبرالية الجديدة في هذه البلدان، حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تضغط عبر صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وعبر سفرائها في هذه البلدان، وشركاتها، لفرض برامج اعادة الهيكلة، وتدعم الحكومات الجائرة هناك.
ويظهر ذلك بوضوح في هندوراس، حيث شهدت البلاد انقلابا ضد الرئيس التقدمي المنتخب ديمقراطيا مانويل زيلايا، و في الانتخابات الاخيرة اعتمد التزوير المفضوح، ليفوز مجددا الرئيس اليميني المتطرف خوان أورلاندو هيرنانديز، المموّل من قبل المافيات، والذي ادخل البلاد في واحدة من اشد الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكما يقول احد المدافعين عن حقوق الانسان في الهندوراس: "إنها ليست قافلة - إنها المعاناة ترحل إلى هناك".