رشيد غويلب
منذ بداية العام اعلنت الرئيسة المشاركة لكتلة حزب اليسار الالماني في البرلمان الاتحادي سارا فاغنكنشت، مدعومة من زوجها الرئيس المشارك الاسبق لحزب اليسار، ورئيس اول كتله برلمانية للحزب عن توجهها لتشكيل حركة يسارية جامعة عابرة للاحزاب.
وفي الرابع من ايلول 2018 ، اعلن في مؤتمر صحفي رسميا عن انطلاق الحركة من قبل فاغنكنشت، وسيمونه لانغه قيادية في الحزب الديمقراطي الاجتماعي، ولودغه فولمر رئيس اسبق مشارك في لحزب الخضر، والكاتب والمخرج المسرحي المعروف بيرند شتيغمان. واعلن في المؤتمر ان عدد الداعمين للحركة في الموقع المخصص لهذا الغرض في حينه بلغ اكثر 100 الف. وكانت 80 شخصية ثقافية وسياسية ونقابية تنتمي لليسار ويسار الوسط قد وقعت على نداء التاسيس.

حجج مؤيدة

ومنذ البداية شكلت الحركة موضوعا للجدل والخلاف في داخل حزب اليسار الالماني وعموم اوساط اليسار، فالداعمون للحركة يؤكدون انها ليست حزبا جديدا. وينطلقون من ان ازمة الليبرالية الجديدة ادت الى صعود اليمين المتطرف في المانيا وعموم اوربا. وتسعى الحركة لملء الفراغ الذي يحتله حاليا اليمين الشعبوي، وان الحركة تمثل استجابة لاكثرية مجتمعبة، لم تستطع قوى اليسار والوسط التعبير عنها (مجموع مقاعد الاحزاب الثلاثة: اليسار والديمقراطي الاجتماعي، والخضر لم تتجاوز الـ 40 في المائة) وبالتالي فالحركة هي رد على صعود اليمين الشعبوي، وتسعى لاسترداد ناخبي الاحتجاج الذين صوتوا لحزب "البديل من اجل المانيا" اليميني المتطرف، لان اغلب هؤلاء لاينتمون لقواعد احزاب اليمين المتطرف والنازيين الجدد. ورغم تاكيد الحركة على رفضها الجذري للعنصرية والعداء للاجانب، لكنها لا تتبنى موقف اليسار التقليدي في التضامن الأممي مع اللاجئين، وتخطئ فكرة الحدود المفتوحة باعتبار ان ذلك يفاقم من المشكلات الاجتماعية القائمة اصلا قبل توافد موجات اللجوء والمرتبطة بطبيعة النظام، وقد عدلت الحركة فقرات في نداء التاسيس كانت تفسر على انها اقتراب او تبني بشكل ما لمواقف اليمين الشعبوي العنصرية. وفي الجانب الاقتصادي الاجتماعي تسعى الحركة لاستعادة سياسات الديمقراطيين الاجتماعيين في القرن العشرين: الدفاع عن دولة الرفاه وايقاف الخصخصة. ورغم دعوتها للسلام لا تتبنى الجركة موقف واضحا من الناتو. وبعض منظري حزب اليسار يرى في انطلاق الحركة فرصة جديدة لحزب اليسار الألماني، ويدعو لاعتماد استراتيجية مزدوجه تعبويا قائمة على تعزيز دور الحزب بالتوازي مع خلق حركة جامعة للرد على اليمين الشعبوي الصاعد.

واخرى معارضة

اما المعارضون للفكرة، فينطلقون من ان الحركات البديلة تنشا في رحم الصراعات الاجتماعية وفي الشارع وليس بشكل فوقي وعلى اساس ارادة النخب، وياخذون على الحركة عدم مبادرتها في الاشتراك في مواجهة اليمين المتطرف والنازيون الجدد خلال ما عاشته مدينة كمنتس اللمانية اخيرا. وقد اعتبرت قيادة حزب اليسار الالماني الحركة مشروع شخصي لرئيسة كتلة الحزب البرلمانية وزوجها، وان المشروع لم يناقش اطلاقا في هيئات الحزب القيادية واطره التنظمية، كما انه يثير مخاوف انقسام الحزب. وان توجه الحركة غير واضح وعلى صعيد المحتوى تمثل الحركة التفاف على قرارات الحزب المتعلقة بملف اللاجئين والسياسات الاجتماعية. ويدعو الحزب الى الترابط بين الرؤية الأممية ووضع مصالح الأكثرية في جوهر الاهتمام والابتعاد عن فكرة التعارض بين مصالح اللاجئين وفقراء المانيا. وفي الوقت نفسه اعاد الحزب الى الذهان بقوة عمله الدؤوب من اجل تحالف استراتيجي لقوى اليسار، منوها الى وجود عدد كبير من الحركات الاجتماعية التي نشات في خضم النضالات اليومية، ولا يرى ضرورة لانبثاق حركة جديدة.
ان اغلب التيارات العاملة في حزب اليسار لديها تحفظات على توجهات الحركة، والشيء نفسه ينطبق على اغلب الاحزاب والمجاميع الماركسية التي تقف فكريا على يسار الحزب، بما في ذلك المجموعات الدوغمائية. ويمكن القول ان الحركة تتبني خطاب شعبوي، ونحاول اسقاط تجربة حركة "لنحتل الوول ستريت" في الولايات المتحدة، وحركة "غاضبون" الأوربية التي انطلقت في مواجهة الازمة المالية وانتجت في اسبانيا مثلا حزبا يساريا مؤثر هو جزب "بودوموس". واخيرا لا تخلو فكرة اطلاق الحركة من محاولة فرض نهج مؤسسيها على احزابهم فالشخصيات الرئيسية التي اعلنت الحركة، تخوض صراع بشأن التوجهات داخل احزابها، فسيمونه لانغه خسرت بفارق قليل التنافس على موقع زعامة الحزب الديمقراطي الاجتماعي قبل اشهر، ولودغه فولمر انتقل الى نقد حزب الخضر، بعد ان ساهم في قيادة الحزب، وكان قد عمل وزير دولة للشؤون الخارجية في عهد تحالف حزبه في اطار حكومة المستشار الالماني الاسبق غيهرد شرودر التي تبنت نهج الليبرالية الجديدة، اما مطلقة الحركة سارا فاغنكنشت، فهي الأخرى تخوض صراعات فكرية وسياسية داخل حزب اليسار. ومع استمرار الجدل تبدو مىلات نجاح او فشل الحركة لا تزال مفتوحة.