التحدث عن الحب و اللاحب و المغازلة  ما قبل الحديثة  ،أي عن النهاية الحرجة فيه، كما ستطلعنا عليه إيفا إيلوز في كتاب ( نهاية الحب – سوسيولوجيا العلاقات السلبية ) في فصوله الستة ( سأختار الفصلين الأول و الثاني فقط من الكتاب  كعينة مناسبة لإداء الغرض) للتحدث  أولاً عن أشهر من أوقد ضرام الحب في العالم  شعراً ،و ابتكر أغانيه في العصر اليوناني  القديم والغنائي الواقع ما بين القرنين السابع و السادس ق م  و المقصود هنا هي الشاعرة التي اشتهرت باسمها الغريب  ( سافو)  و لم يكن يعرف عن حياتها و شعرها الكثير، كل الذي عرف عنها بواسطة شاعر  معاصر لها  ينتمي إلى بلدها نفسه و هو  الكايوس ، و المؤرخون لم ينقلوا عنها سوى النزر اليسير من شعرها و حياتها بسبب اختلاط شعرها وأغانيها مع شعر آخرين، و اضطرابه لدرجة يصعب الحكم عليه من ناحية انتسابه لها، كل الذي نعرفه عنها ، إنها عاشت في عصر مضطرب  و ولدت في  جزيرة ليسيوس  في الفترة  الواقعة  بين عامي 610 و 650 ق. م على أرجح الشواهد التاريخية ، و شخصت منذ ذلك التاريخ  باعتبارها شاعرة الحب و الجمال ، ويمثل شعرها أصدق تعبير عن الجرأة في الحب  و الإباحية في الأغاني ، و الخيبة في العاطفة ، كلما عشنا  مع شعر سافو لم نستطع أن نتبين  فيه  الحدود الفاصلة  بين الواقع و الخيال  الشعري  ، لكن المنحى  الإيروتيكي أو الإباحي  الذي اصطبغ به  شعرها هو الذي جذب العشاق و المحبين لشعرها ، و جعلها خالدة عبر التاريخ ، و صنع من شخصيتها اسطورة  ، من ربات الجمال ، و اهتم بها  المؤرخون  كونها تصور تاريخاً من  الجمال و الخيبة في الحب ، لتحل في  الثقافة  القائمة على الرومانسية ، في الفصل الأول من ( نهاية الحب) تشرح إيفا إيلوز ظاهرة ) اللاحب) لمدخل  سوسيولوجيا الاختيار السلبي، ذاهبة نحو تصوير الثقافة الغربية  بوصفها عبارة عن مداهمة الحب حياة الرجال  و النساء على حد سواء ، لعلها  تؤكد على إن ظاهرة ( اللاحب) هي وحدها قد  ترسخت في ثقافة الاختيار السلبي، من حيث إنه لم تعد هناك فرصة للحب عند الجنسين، و يتدخل علماء النفس في هذا الجانب ، بأنهم اناطوا انفسهم بمهمة إصلاح حياتنا الجنسية ، و إرساء المشاعر الرومانسية و تشكيلها  و توجهها، على الرغم إنهم لم يفلحوا في هذه المهمة وبشكل لافت في تحمل إقناعنا  وبأن تقنياتهم و أساليبهم الشفوية  والعاطفية ، بإمكانها ان تساعدنا على العيش في حياة أفضل ، إيفا إيلوز قدمت في مفهوم (الحب) فكرة جيدة في كيف تعيش المجتمعات الغربية في هذا المأزق، الذي رسمه إريك فروم في( حب الحياة ) نصوص مختارة على إنه في مسألة الاهتمام الاجتماعي يحمل تلك الأفكار التي وضع لها الأولوية وآمن بأن وحدة الإنسان على نقيض الكائنات الحية الأخرى  منبثقة  من كونه  يمثل  الحياة المشتركة ذاتها ،بيد إن الاختلاف الجوهري  في نظرة ايلوز  عن فروم  نحو ما ينتجه الفكر الحداثي و ما بعد الحداثي من تمزيق عرى المجتمعات الغربية  هو فائض القيمة للعلاقات العاطفية السلبية بين الجنسين ، من ضمنه ذاك الشعور باللايقين في العلاقات ، و أواصرها المتذبذبة ، إن تلك العلاقات  قد سحقت كل المحاولات العلاجية التي تبذلها الاستشارات النفسية من مقابلات للجنسين ( النساء بالذات) و الحلقات التدريبية  في كيفية تقوية المشاعر و الاحاسيس ، و الاجتماعات الحميمة المشتركة ، لكن كل تلك الأشياء الممنهجة التي وضعت إ لهذا الغرض في  إنها تسير في اللايقين  كانت تصب في  خلق حواجز بين الأزواج و الزوجات ، في زيادة الإقبال على ممارسة مفهوم( اللاحب) و بالتالي تكوين علاقات سلبية في المجتمعات الغربية  ، تقول ايفا  إن التقصي  الذي أجريه منذ سنين عدة  عن الحياة العاطفية والرأسمالية  و الحداثة  قد وصل  إلى خلاصته الأولية  من خلال الانخراط بقوة  أكبر  في السؤال  الذي  طرحته الفلسفة الليبرالية منذ القرن التاسع عشر : أتهدد الحرية إمكانية  نسج روابط متينة  ملزمة ، روابط رومانسية ، بوجه أخص؟ هنا  السؤال  الذي اتهمت به إيفا إيلوز انتشار ظاهرة اللاحب المشروع الرأسمالي للغرب، بالتعاون مع الحداثة لتقويض أسس الحب بين الأسر عقب هجوم العولمة، و قيام مفهوم الحب النائي او الغرام النائي (الحب عن بعد)الذي قام بنقده عالم الاجتماع البريطاني زيجمونت باومان في (الحب السائل) و في كتابه (المراقبة السائلة) و تعالج ايلوز في الفصل الثاني من كتابها ( نهاية الحب ) عواقب الاختيار السلبي في المغازلة  ما قبل  الحديثة ، و اليقين الاجتماعي و ظهور العلاقات السلبية ، سنفهم من طريقة طرحها  للموضوع إن التراكم الرأسمالي في طرق تحكم البناء الثقافي للعلاقات العاطفية التي هي أساس متماسك في وحدة الأسر تم تقويضها بصعود عالم معولم ، هناك مفاهيم تخص النسوية ، و ما بعد النسوية التي ميزت بين ما يطمح إليه المركز في ذلك العالم المعولم ، و في  فلسفة من أجل تعدد الثقافات بعد استعماري  يضع ثقافة المرأة نصب العين ، لتمارس  نقدها لمطارحات الرأسمالية البشعة ، و ربما كانت فلسفة ميشيل فوكو في نظرته للجنسانية النسوية ، وطرحها للجندر والجندرية  قد ادى إلى تراجع الروابط بين الجنسين في مسألة تكوين الأسر نحو الحرية الجنسية ، باعتبارها مثل الحرية الاقتصادية التي تحمل معالمها الاخلاقية وحدها ، فالحرية الجنسية و العاطفية التي وقفت أمام الأسئلة الجوهرية لعلم  الاجتماع الكلاسيكي حيث وضعت خط الصدع بين الحرية والأنوميا، وأجابت عليها فلسفة فوكو في جنسانية المعرفة التي قوضت مركزية المركز بمفهوم الجندر و ثقافة الكوير الذي مارسته مركزية الذكورة ضد الجندر في  الحقبة الحداثية و ما بعد الحداثية ، لقد تحدثت إيلوز في الفصل الثاني عن فكرة الطرق في اقامة العلاقات بين الجنسين على مفاهيم خاطئة او تقليدية لم تراع فيها تطورات المجتمعات ، و ما أصابها من  تغيرات حادة في بنياتها المختلفة  ، على الرغم من طرح إيلوز الذي اتسم بالتروي و المعقولية و البساطة الروائية إلا  إن تلك  المعالجات الشيقة من قبلها لا تقنع النساء و الرجال الآن في عالم ما بعد – استعماري.  

عرض مقالات: