الفنان ساطع هاشم يلقي الضوء في المقهى الثقافي على أطروحته " واقعية الكم " 

 يبدو انني سأكون في حرج من ان أوافي القراء الأعزاء كما أفعل مرارا في تغطية أماسي المقهى الثقافي العراقي في لندن في الوقت الذي كلفني فيه زملائي في المقهى ان أقدم ضيف هذا الشهر الفنان ساطع هاشم وأدير الحوار معه ومع حضور الأمسية، قد تكون مهمتي صعبة من جانب لكنها تنطوي على سهولة من جانب آخر في ذات الوقت، كون مساهمتي في الإعداد للأمسية والتحضيرات لها ستجعلني قادرا على الإحاطة بمحاورها وفكرتها ومضامينها.

  .. إذن لأجرب في الكتابة عنها

 كعادته كل شهر. أقام المقهى اللندني أمسيته في يوم الجمعة الأخير الثالث والعشرين من شباط ٢٠٢٤

ابتدأتُ الأمسية منوها بالخبر المزعج الذي سمعناه بالأمس من بغدادنا الحبيبة فقلت: " لن يطفئ، أنوار التمدن والتحضر والفكر الإنساني النبيل، خفافيش الظلام والجريمة برصاصهم الغادر.. ستبقى شعلة التنوير والتقدم ملتهبة في سماء العراق.

تضامنا مع الشخصية الوطنية التقدمية الأستاذ فخري كريم رئيس مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون " الذي تعرض الى محاولة اغتياله الفاشلة.

كان لابد لي من التعريف بالمحتفى به الفنان الرائد محمود صبري مشيرا الى الحقول المتعددة التي كان دؤوبا في النشاط بها ومبدعا فيها فاخترت ذكر محطات بارزة في حياته، وبما يسمح به الوقت.

ولد وترعرع فناننا في (المهدية) المحلة البغدادية العريقة عام١٩٢٧ ودرس الابتدائية في الفضل ثم 

في الغربية المتوسطة وبعدها في الإعدادية المركزية التي تعرف فيها على أصدقاء عمره وفيها نشط معهم ومنهم الشهيد محمد صالح العبلي وحافظ التكمه جي والمسرحي يوسف العاني فأسسوا ناديا عمل على إنشاء دورات لمحو الأمية في العطل الصيفية وكان يشجع العبلي في اخراج وتمثيل المسرحيات من بينها "قيس وليلى في القرن العشرين" التي قدمت باللهجة اليهودية وافتتحوا مكتبة "الطريق" في شارع غازي (الكفاح) ثم انتقلوا بها الى شارع الرشيد جنب مقهى حسن عجمي وكانت توفر الكتب الماركسية والتقدمية لزبائنها الذين اتخذوها مركزا لتلاقيهم وتنظيم اتصالاتهم وكان صبري من بين خريجي تلك الإعدادية الأوائل فسافر الى مصر بقصد الدراسة لكنه عاد بعد سنة ليسافر الى بريطانيا حيث منح بعثة دراسية فدرس هناك علم الاجتماع في جامعة لوفبرا ، لكن شغفه بالرسم دفعه للالتحاق بدورة تخصصية مسائية، اطلع خلالها على مدارس فنية متعددة وتأثر برسامي أمريكا اللاتينية بينهم دييغو ريفيرا.

  أقنع صبري وزملاؤه الرسامون العراقيون حافظ الدروبي وجواد سليم وغيرهم سفارة بلادهم في لندن بإقامة معرض تشكيلي عام ١٩٤٧ يقول صبري انه شارك فيه بعدة اعمال باع منها لوحتين احداهما بورتريت والثانية عن الثورة الصينية التي كان اوارها مندلعا آنذاك. وفي العام ١٩٤٩ عاد محمود صبري الى الوطن ولم يجد فيه غير وظيفة مترجم في وزارة الاقتصاد ويقول ان صديقا له نصحه في التقدم للتوظف في مصرف الرافدين حيث الراتب اعلى فأعد تقريرا عن وضع البلاد الاقتصادي لقيّ استحسانا من الإدارة فعينته ولجديته وبعد ثورة الرابع عشر من تموز انتخبه زملاؤه مديرا لهم، لكنه منذ عودته كان منشغلا بشغفه بالفن التشكيلي فأسس مع الرائد فائق حسن جماعة الرواد والتي تأسست كأول جماعة بعد اول جماعة تشكيلية هي أصدقاء الفن التي أنشئت عام ١٩٤١ وقبل جماعة بغداد للفن الحديث.. وتوالت المعارض بشكل دوري حتى أمست تقليدا بغداديا سنويا.

وعلى الرغم من اعتبار الفنانين لصبري هاويا للفن كونه لم يدرس مثلهم اكاديميا فن الرسم ، كما يقول رفعت الجادرجي ، إلا انه كان يكتب وينتقد الموضوعات التي يتناولها الفنانون ويحثهم على تناول حياة الناس والتوجه بالفن نحو المجتمع والمساهمة بالنهوض به وعدم الاقتصار على رسوم الريف والبادية والخيول، كما عند فائق حسن او رسم الشناشيل البغدادية والمعالم التراثية كما عند جواد سليم وكانت من بين ابرز مقالاته تلك التي كان ينشرها في مجلة "الثقافة الجديدة" التي صدرت عام ١٩٥٣ وكان هو بين مؤسسيها وكتب أيضا ضد ان تقام المعارض في البيوت الخاصة او المراكز الثقافية الأجنبية (البريطاني مثلا) ودعا الى ان تقام المعارض في أماكن يستطيع عامة الناس الوصول اليها وعلى صعيد العمل الوطني كان عنصرا فاعلا اذ يذكر محمد حديد في مذكراته انه كلف صبري للاتصال بسلام عادل سكرتير الحزب لشيوعي للقاء به لبحث تشكيل جبهة الإتحاد الوطني من الأحزاب المناهضة للحكم الملكي وجرى ذلك اللقاء فعلا في بيت صبري ويقول حمدي التكمه جي ان  صبري بلغه بضرورة المشاركة في انتفاضة تشرين  ١٩٥٢وكلفه للسفر الى الصين للمشاركة في مهرجان الشبيبة الديمقراطية العالمي ١٩٥٤ ويكتب صبري ان إبراهيم كبة وزير اقتصاد حكومة ثورة تموز طلب منه  تأسيس مصلحة المعارض وفعلا اختار ارضا في المنصور وأقيم عليها معرض بغداد الدولي واختير صبري أول مديرا لتلك المصلحة وواصل على صعيد نتاجه الفني عرض لوحات امتازت على تناول موضوعات اجتماعية - ثورية منها لوحة الشهيد او "الجنازة" (عن استشهاد سالم عبيد النعمان الذي اضرب عن الطعام في السجن ) ولوحات : "تورة الجزائر" و"الفلاحة" و"عمال الطين" وغيرها .لكن كل هذا النشاط  المتعدد الاهتمامات لم يحد من توق محمود صبري الى التفرغ للفن من الناحيتين العملية او التنظيرية فسافر الى موسكو لدراسة الفن عام ١٩٦٠ وتلك حقبة أخرى سيتحدث عنها ضيف أمسية المقهى الفنان التشكيلي ساطع هاشم ، وبعد الترحيب به والشكر والامتنان له لتلبية الدعوة وقدومه الى لندن من مدينة ليسستر ، اسمحوا لي ان أقدم نبذة سريعة عنه:

ساطع هاشم

مواليد مدينة بهرز – محافظة ديالى – العراق- ١٩٥٩

يقيم حاليا ومنذ سنة ٢٠٠٠ في مدينة ليستر – بريطانيا

حصل على درجة ماجستير بالرسم الجداري والفنون الزخرفية، المدرسة العليا للفنون والتصميم (اكاديمية فيرا موخينا) لينينغراد/ الاتحاد السوفياتي سابقا

تقتني اعماله عدد من المتاحف والمجموعات الدائمة والعامة ونفذ عدد من الجداريات في السويد وانكلترا وحصل على عدة جوائز أبرزها:

مقتنيات المتاحف والمجموعات الدائمة

المتحف البريطاني، لندن – انكلترا 

متحف الفنون المعاصرة، كالينينغراد، روسيا

متحف ليستر للفنون، ليستر - انكلترا

مجلس مدينة ستوكهولم، السويد

هاندلس بانك - ستوكهولم، السويد

العديد من المجموعات الخاصة في روسيا والسويد وإنجلترا واليونان وقطر وهونج كونج واليابان

في عام ٢٠١٠ تم تكريمه من قبل مدينة ليستر البريطانية وذلك بتسمية احدى القاعات الرئيسية في كلية التعليم بوسط المدينة، باسمه: قاعة ساطع هاشم.

ولقد استغرقت محاضرة ساطع زهاء الساعتين ووجدت من الصعوبة بمكان ان أوجزها فطلبت منه ان يكتب تلخيصا لها ولمن يريد متابعتها فقد وثقت كامل مجرياتها، تلفزيونيا، ومنشورة على صفحة المقهى الثقافي العراقي في لندن بالفيسبوك.. واليكم ما كتبه لنا مشكورا الفنان ساطع هاشم المشهور بـ (البهرزي).

عدنا إلى محمود صبري

 فقد تذكره علي رفيق قبل سنة ونصف واراد مني الحديث عنه في جلسة عامة من تنظيم المقهى الثقافي في لندن، وقد استجبت للفكرة اولاً ثم ألغيتها بعد ذلك بعد ستة أشهر لأني لم ولا أرى بها اية فائدة، ورغم هذا فقد استجبت لدعوته مرة أخرى قبل شهر وقدمت محاضرة بالأسبوع الماضي وكان عنوانها محمود صبري فنان الحواس والمعاناة

ووضع علي رفيق مقدمة ممتازة عن حياة محمود صبري ثم قدمني للجمهور 

 قلت في البداية بان حياة صبري تنقسم إلى مرحلتين الأولى ما سميتها بالمادية التاريخية وتنتهي مع بلوغه سن الأربعين والثانية المادية الديالكتيكية حتى وفاته ، فهو شيوعي وقد بدأ حياته الفكرية والسياسية منذ ان كان شابا في الثامنة عشر من العمر، وقد تعمق لاحقا بدراسة فلسفة ماركس والاقتصاد الماركسي خلال حياته واراد وسعى إلى تطبيق هذه الأفكار في ما كتبه من مقالات وما كان يرسم من لوحات وفي طريقة رؤيته للحياة حتى بلغ به الأمر إلى الغوص في أعماق المجتمع الذي كان يعيش فيه والبحث عن اكثر الأمكنة ظلاما ليرسمها فقد رسم الجوع والفقر والبؤس في حياة الفلاحين الذين كانوا يهاجرون من الريف إلى المدينة ويعيشون في مناطق مكتظة بالسكان على اطراف بغداد وايضاً ذهب الى الأسواق وأماكن تجمع العمال والفقراء باحثا عن الخلل في المجتمع وكل هذا ترافق مع انتمائه إلى الحزب الشيوعي ومناقشة أفكار وسياسة الحزب داخل التنظيم بحثا عن حلول لازمات المجتمع وتعزيز وعي الفقراء والمحتاجين بأوضاعهم وتنظيم صفوفهم للاحتجاج 

وقد غلبت المواضيع المأساوية والرؤية التشاؤمية إلى حد ما على جميع أعماله في فترة المادية التاريخية والتي وصفها بعض الكتاب والنقاد بالفترة التعبيرية او الواقعية الاجتماعية وبلغ أسلوبه وطريقته بالرسم وفي تناول القضايا الإنسانية الكبرى ذروتها في لوحة الجزائر ومن جانبي الشخصي فانا اعتبر هذه اللوحة هي البداية الحقيقية لفن الاحتجاج والثورة في الرسم العراقي فقد تناول موضوع المجازر التي كان يرتكبها الفرنسيون ضد الشعب الجزائري وكفاحهم في سبيل الحرية والاستقلال كما يحدث الان في غزة والتي بدأت بها حديثي من خلال موضوعة الحرب ضد الحرب التي انتشرت في اوربا خلال الفترة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية ، لكنه في نفس الوقت فقد كان يرمز إلى نضال العراقيين أيضا او إلى نضال أي شعب آخر فلا توجد اية إشارات او دلائل بصرية في اللوحة على الجزائر كوطن فليس هناك علم جزائري او مشهد لمدينة جزائرية او حتى علم فرنسي وغيرها من الأشكال التي تدل على المكان ليس هناك سوى اسم اللوحة الذي يشير إلى ذلك البلد بل إذا اردت ان اذهب ابعد في الأمر فان بغداد هي الحاضرة باللوحة حيث تذكرني خلفيتها الصلبة بالجسر الحديدي في منطقة العيواضية وأيضا وضع المشنقة في منتصف اللوحة وعلى الرغم من ان المشنقة رمز عالمي للإعدام كان يستخدم في كل الدول لكنه يذكرنا اكثر هنا بإعدام قادة الحزب فهد ورفاقه ولكنه بالتأكيد رسمها وعلى باله مأساة الجزائر كما عرفها من خلال الاخبار والصور التي نشرتها الصحف آنذاك

ما اريد قوله هنا باختصار هو ان صبري رسام الفكرة بامتياز في الفن العراقي وقد تطور تقنيا وفنيا اكثر عندما درس في موسكو سنتين في مرسم الكسندر دينكا فنان الشعب السوفياتي بالرسم الجداري وقد وصلت أعماله ذروتها في مشروع جداريته التي سماها وطني وأكثر منها في لوحته الرائعة التي سماها البطل تكريما للشهيد سلام عادل وكما أوضحت فان عنوانها الحقيقي هو ؛ الشيوعية اقوى من الموت وأعلى من المشانق وهذه آخر عبارة نطقها مؤسس الحزب الرفيق الخالد فهد قبل إعدامه وقد حولها محمود صبري إلى صورة مرئية مركزها بطولة الشهيد سلام عادل واستشهاده بالتعذيب الوحشي وهنا لابد من ان أتوقف قليلا عند ملاحظة نسيت ذكرها وهي انتقال المستبدين الطغاة بالعراق منذ تلك الجرائم بحقّ الشيوعيين من القتل بالمشنقة إلى القتل بالتعذيب وبتقطيع الضحية وهذه اللوحة هي تصوير اجتماعي سياسي لهذا التحول المتسم بالبربرية .

بعد هذه اللوحة لم يرسم عمليا محمود صبري شيئا مهما يمكن مقارنته بإعماله الممتازة التي ذكرتها فهو إلى حتى لوحة البطل قد انتقل تفكيره من المحلي إلى الكوني وليس العالمي فقط وذلك بعد تركيزه على المادية الديالكتيكية بالتفاصيل ومن ثم انتقاله إلى دراسة تاريخ العلم ونظريات التطور وفيزياء الكم والنظرية النسبية ومن ثم دعوته الى استلهام العلم او ربط الفن بالعلم ولهذا السبب لم تعد السياسة او الموضوع الاجتماعي الآني المباشر هي شغله الأول انما التجديد بالفن بحد ذاته والانتقال الى عالم واقعي آخر اكثر أهمية وخطورة وترك ما يمكن إيصاله من معاناة وألم إلى الصحافة والتصوير الفوتوغرافي والإذاعة والتلفزيون وغيرها من وسائط نقل المعلومات وتركيز العمل الفني بالعمل إلى جانب العلم واستنتاج الأساليب والمواضيع الفنية من الاكتشافات والاختراعات العلمية

لكنه رغم ذلك استمر برسم مواضيعه بطريقتين اولاً طريقته الأولى ثم طريقته الجديدة في ما اسماه واقعية الكم وهي تشبه إلى حد بعيد ما يطلق عليه اليوم السوفتوير او برامج الكمبيوتر ولكن بطريقة يدوية سبقت انتشار الكمبيوتر والإنترنت بأكثر من عشرين سنة 

وعند بلوغه الخمسين من العمر ترك كلا الطريقتين وغاص في أعماق الذرة وراح يرسم ما يطلق عليه في علم الفيزياء مستويات الطاقة وهي فكرة معقدة نوعا ما بحاجة إلى فهم جيد للقواعد الأساسية في علم الأطياف وحركة الفوتونات.

رحل محمود صبري تاركا وراءه مجموعة رائعة من الاعمال الفنية الحديثة يتسابق مقتني اللوحات والأعمال الفنية عليها الان ولكنها تركت اثرا ثقافيا هاما يتلخص في انه مؤسس التيار الاجتماعي السياسي بالفن العراقي دون منافس.

 ساطع هاشم المعروف بالبهرزي 

وبعد ان انتهى الفنان ساطع من محاضرته استعرضت بعض ما كتب عن محمود صبري وذكرت العمل المهم الذي قام به الدكتور حمدي التكمه جي بجمع كل ما كتبه وما كتب عنه وطبع العديد من لوحاته بطباعة انيقة وبالورق الصقيل وجمعها بمجلد واحد عنونه :( محمود صبري – حياته وفنه وفكره) وما جمعته مؤسسة النهج في كتاب لمحمود صبري بعنوان: (الفن والإنسان: دراسة في شكل جديد من الفن – واقعية الكم).. والكتاب الذي نشره محود صبري بالإنكليزية:

QUANTUM REALISM an art of the techno – nuclear age,           

Mahmoud Sabri

 

ومن الجدير بالذكر ان الأمسية قد استعانت بالشاشة الكبيرة فقد عرضت الكثير من اللوحات والرسوم التي قربت جوهر المحاضرة للحضور كما إنها قد حظيت بمداخلات وتساؤلات من الحضور نأتي هنا على أهمها:

طرح الزميل سمير طبلة ما طرحه الصديق فهد من السويد عبر البث المباشر للأمسية حول التأثير الذي يتركه الذكاء الصناعي على ابداع الفنان.. اجاب الفنان ساطع قائلا ان الذكاء الاصطناعي هو آلة فدرجة ابداعها تعتمد على الإنسان الذي يستخدمها ولها إيجابيتها وسلبياتها وما تنتجه من ابداع هو انتاج بشري لم يأت من السماء.

د. عادل كنيش مطلوب ( باحث وأكاديمي): بداية شكرا جزيلا  على المحاضرة القيمة والمعلومات عن شخصية رائدة ومنفردة في إنجازها , وإذا أخذنا بنظر الاعتبار ان فناننا محمود صبري قد سبق عصره في اٌقل شيء بثلاثة عقود ، وأول من اتبعه مدرسة المانية في ١٩٩٩علاوة على مدارس إيطالية ، يشيرون بدراساتهم الى سلفادور دالي ولم يرجع أحدا منهم الى محمود صبري ..لكنني في الحقيقة ارغب الاستفادة من علاقتك بمحمود صبري لتغنينا بالمعلومات عنه ..لقد التقيت شخصيا بصبري في عام ٢٠٠٥ واستمرت علاقتكما لحين رحيله ...سؤالي هو هل اتيحت لكما الفرصة ان تتحدثان عن المدارس التي تخص ( واقعية الكم ) بعد ٢٠٠٥ لأن في تلك الفترة كانت هناك مدارس ؟ هذا السؤال الأول اما السؤال الثاني فهناك دراسة قدمها استاذنا البروفسور عدنان الظاهر حول محمود صبري -واقعية الكم ، طبعا لديه فيها وجهة نظر انا أعتبرها نيوتينية ، اذا صح التعبير ، لكنه في نهاية دراسته طرح رأيا في غاية الأهمية يقول فيه :" المنتج مثمن اخطأ او أصاب أو المجتهد  مثاب أخطأ ام أصاب في هذه الدراسة ذكر دعوة محمود صبري الى وزير الاعلام في تلك الفترة الكمالي في تأسيس مركز الفن للدراسات البحثية والتطبيق سؤالي هنا موجه الى كل الفنانين خصوصا في الغربة  هل بالإمكان تطبيق هذه الفكرة وإنشاء مركز من هذا النوع وشكرا  .. 

د. عادل خصباك ( اكاديمي وفنان) الملاحظة التي قدمها عن هايزبيرغ الخط الأخير ان هذا الطريق زلق للفنان باتخاذ العلم نهجا بأعماله الفنية لأن العلم يتطلب معرفة َ..الاعمال التي قدمها محمود صبري تحت واجهة واقعية الكم ممكن انتاجها فقط بمعرفة علاقة طول الموجة باللون ليس لها علاقة بالكم بتاتا وليس لها علاقة  حتى بالنظرية النسبية وانما طول الموجة ينتج اللون ينبغي الانتباه الى هذه  المسألة حتى لا نقع في الفخ وان الشرف لقامة محمود صبري هو محاولته ربط العلم بالفن والتي هي مسألة صعبة وليست بالسهلة بتاتا ..اليوم عندما نأتي بما يسمى ديجتال َآرت الذي يشتغل بالعلوم ويقوم بعمل البحث ويحاول ان ينقل ببعدين او ثلاثة نتائج البحث يستنتج بعرض ان كان بالمجال المغناطيسي او الكهربائي حركة الهواء او الحرارة واستخدام الألوان حتي يمتزج بالحرارة او الحركة ونقل هذه الاعمال  الى الوان وتشكيلات لونية  فهذه عمليات جدا معقدة لكنها جميلة جدا ممكن ان ننقلها الى ما يسمى بتشكيل أساسه العلم الذي هو يجد الجمال .. الشيء الآخر يجدر ذكره هنا ان التلسكوبات التي أرسلت للفضاء نلاحظ الصور التي تنقلها عن تكوين الكون ببعد زمني معين هي عبارة عن تشكيلات فنية رائعة أيضا كذلك مخططات التنبؤات الجوية وتوزيع الضغط إذا نقلت بألوان هي أيضا اعمال فنية جميلة جدا هذه ممكن ان نتكلم عنها من زاوية علاقة العلم والفن كأحد اشكالها، مرة أخرى الشكر الى هذه الفرصة التي سمعنا فيها عن محمود صبري عن هذه القامة المتنوعة من الاجتماع الى الفن الى العلم وشكرا لكم.

ساطع: بالنسبة الى محمود صبري والمدارس الفنية للأسف طبعا انه أسيء فهمه بالكامل السبب انه كان متقدما على الاخرين لأنه كان متابعا لكل ما هو جديد في العلم.. لا يمكن مقارنة حياتنا قبل ٥٠ سنة بالان.. كان محمود مهتما بالألوان وذلك ما قاده للطيف الشمسي وثم للعلم.. وانا افهم هذه المسألة لأنني شخصيا اهتممت بالألوان لأربعين عاما من عمري.. محمود شعر بالإحباط لعدم وجود بيئة يناقش فيها ما يتوصل له من اكتشاف.. اما في العراق فان البعثيين اغلقوا كل مجال للبحث.. ولهذا لم يتفق مع الكمالي او غيره. اما تأسيس مراكز للبحث في مجال الفن فهذا له أهمية بالغة.. ومن المهم دراسة علم الأطياف .. ولاختصار تعريفكم بالأطياف فهي اجدها في القرص المدمج سي دي حين نحركه في الضوء سنجد أطياف قوس قزح وهذه حيرت البشرية منذ السومريين الى ان اكتشفها نيوتن في ١٦٦٦ حينما كان شابا يدرس في كامبريدج وتوصل الى ثلاث ظواهر في الضوء هي الانشطار والانكسار والانعكاس بعد تجاربه على موشورات من الكريستال اما ملاحظة د. خصباك فما طرحه صحيح جزئيا لكن محمود طرح مشروع واقعية الكم قبل خمسين عاما، وهو لم يدرس الفيزياء أكاديميا انما ذاتيا وهذه مأثرة لكنه لم يجد أحدا بعده عمل على تطوير ما بدأ به.. 

عبد المنعم الأعسم (كاتب وصحفي): اسمح لي ساطع ان اقاطعك هنا.. إذا مثل هذا المشروع ولخمسين سنة لم يبن عليه، فما يعني هذا، إذا وضعنا النقاط على الحروف، معناه ان هذا المشروع فاشل.

ساطع: ان واقعية الكم هي ببساطة (سوفت وير) لكن يدوي.. فأي فرع من فروع المعرفة هناك آب تضغط عليه تستخرج أي نتيجة تطلبها.

د. سلم على (أكاديمي وناشط سياسي): لو نلاحظ تاريخ محمود صبري وارتباطه بالحركة الوطنية والتطورات التي شهدها العراق في تاريخه الحديث.. نرى ان موضوع "واقعية الكم" والأعمال التي اشتغل عليها الراحل على مدى ما يقرب الأربعة عقود: كانت مثار جدل ولحد الان ، كما تحدث عنه العزيز ساطع ..من الصعب التوصل الى أسئلة وإجابات  نهائية بهذا الشأن وآمل ان يكون هذا بحد ذاته موضع بحث يقوم به دارسين وفنانين ..فهذه النقلة النوعية من الواقعية التي سميتها الواقعية الاشتراكية والاعمال التي نسبتها الى تلك المرحلة مثل اللوحة التي عرضتها وهي لوحة البطل عن الاستشهاد البطولي للرفيق الخالد سلام عادل في الانقلاب الفاشي عام ١٩٦٣ ثم تحوله أواخر الستينات أواخر السبعينات من الواضح انه كان جادا في بحثه وهذا يذكرني بلقائي بحضور الراحل فائق بطي حدث نقاشا حول الموضوع وكان يتابع آخر المستجدات فيما يتعلق بالكوانتا ميكانيك و بالفيزياء عموما  وكان يحمل ملفا فيه مجموعة من الأبحاث احدها رسالة  له كان استلمها من باحث واكاديمي بريطاني ، طبعا من الصعب لمن لا يكون مختصا في الفيزياء ان يتابع ذلك او حتي يفهمها .. صحيح ممكن لي ان افهم ان الاعمال الفنية ليس لها علاقة مباشرة بالكوا نتا ميكانيك (ميكانيك الكم) لكني افهم الدافع الذي جعل فنانا بمستوى محمود صبري ان يستغرق في هذه الاعمال وكان منصرفا بكل جهده ساعيا الى ذلك مفتونا بذلك.. 

عرض مقالات: