بالرغم من غياب جسده ورحيله إلى العالم الآخر، يبقى اسماعيل فهد اسماعيل ضوءا ينير درب النص الروائي الحديث. ومنذ "كانت السماء زرقاء" وهو في البصرة القديمة، وإلى أخر نص قرأته له "السبيليات" وهو في الكويت، لم يغب العراق عنه ولا بيئة الجنوب البصرية ولا بساتينها في ابي الخصيب ،ولا ثراؤها المكاني. هذا الكائن الثري باصدقائه واسرته ومضافاته، هو أحد الرموز العراقية/ الكويتية، حيث وضع العراق نصب عينيه وجعل منه منهلا لأفكاره ورواياته.
ان من تعرف على "ابي فهد" لم يجد ملاذا اكثر دفئا منه، ولم يجد ذاكرة انقى واصفى من ذاكرته، وكان بالنسبة لي أكثر من صديق وأبعد من روائي، حيث استظل به في رحلاتي الى الكويت، يستقبلني عند حدودها، ويأخذ بنا في مساراتها الليلية.
قد يعجز القلم الآن عن الكتابة عنه، فهو المنجز القريب من النبض الإنساني التقدمي، المعروف بمد يد العون للأدباء العراقيين، والشهم في المواقف حين هاجر العشرات من أدباء العراق. انه يغادرنا دون أن يكمل نصه الكبير، حلمه في ان تكون للثقافة العراقية مؤسسات في كل الأمكنة التي استنشقت هواء العراق، فانبتت ريحانات واشجارًا وشخصيات وأفكارًا. كان يحلم حلم العباقرة الكبار في وحدة للأدب العربي، لا تعزلها حدود ، ولا تفصلها لغة، ولا تضع الأنظمة بينها أحجارًا وأسيجة، أدب بهوية كونية. ومن يقرأ رواياته يجد فيها هذا المتسع الكوني: روايات عن العراق وروايات عن مصر، وروايات عن لبنان، وروايات عن الكويت. روايات يستعير فكرتها من التراث العربي القديم وينشئها في البيوت المعاصرة. روايات عن الحرب وعن غزو النظام الفاشي للكويت. روايات عن المقاومة وعن المواقف الوطنية. روايات عن اضرابات العمال في العراق، وعن التاريخ الوطني المشترك. روايات عن النبض الحداثوي في الثقافة العربية.
عندما كان يستضيفني في بيته تنفتح كل افاق العالم، السفر في بلدان مختلفة، الكتب التي ترده للإهداءات، الجولات التي تعرفك على معادن الأصدقاء، المسؤولية التي يضطلع بها تجاه الشباب من الأدباء الناشئين، الرعاية للفعاليات، الكرم الذي يضفيه على مشاركاته، الوعي بأهمية البصرة كمركز للعودة الدائمة لنبض اسلوبه ومناشئ لغته ووعيه بالشخصية الشعبية.
مؤسف ان يكون رحيله بهذه السرعة المؤلمة وعزاؤنا في انتاجه الذي يبقيه حيًا في ضمائر آلاف القراء الجدد.

عرض مقالات: