تمر هذه الأيام الذكرى الخامسة والستون لانعقاد المؤتمر الاول لاتحاد الجمعيات الفلاحية في العراق يوم ١٥-٤-١٩٥٩، غداة ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة.
لقد عانى الفلاح والريف والقطاع الزراعي في العراق الامرّين بسبب من سيطرة الاقطاع والملاكين على مجمل الاراضي الزراعية الخصبة، فيما الفلاح لا يحصل من الناتج الا النزر اليسر الذي لايسد رمقه وعائلته، وهو مثقل بالديون بسبب نظام المحاصصة البغيض.
تضاف الى ذلك الاتاوات التي كان يفرضها عليه الاقطاعيون وسراكيلهم. كذلك كان مفروضاً عليه العمل في السخرة لدى الاقطاعين والمستعمر الانكليزي خارج عملهم كفلاحين في الارض.
كل هذا وغيره كان دافعا لاندلاع العديد من الانتفاضات الفلاحية، مثل انتفاضة ال ازيرج وانتفاضة فلاحي قلعة دزة وانتفاضة الشامية وغيرها، وكان أعضاء الحزب الشيوعي العراقي في الطليعة بين المنتفضين.
وبسبب هذه الحراك الاجتماعي وارتفاع مستوى الوعي، كان الفلاحون مهيأين تماماً بعد ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة لخوض الصراع دفاعا عن مصالحهم الطبقية، وبالاخص بعد صدور قانون الاصلاح الزراعي رقم ٣٠ لسنة ١٩٥٨ حيث كانت الحاجة ماسة للادوات المساعدة لتنفيذ القانون. لذا كان ضروريا انطلاق العمل على تأسيس الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية في العراق. ولم يكن ذلك بمعزل عن دعم واسناد الفرق الشيوعية الارشادية، وزياراتها لكل الريف العراقي من شماله الى جنوبه.
انطلقت عملية تأسيس الجمعيات الفلاحية في كل القرى والارياف، وتوج ذلك بأنعقاد المؤتمر التأسيسي الاول للاتحاد يوم ١٥-٤- ١٩٥٩.
لقد لعب الاتحاد دوراً مجيداً في الدفاع عن مصالح الفلاحين بدءا من عضويته في لجان الاستيلاء والتوزيع ولجان حل المنازعات في الريف ، واسهامه في نشر التعاون بين الفلاحين وتأسيس مئات الجمعيات التعاونية، وفي المطالبة بتشييد البنى التحتية في القرى والارياف من طرق وجسور وقناطر ومدارس ومستوصفات. وكان ممثلوه يواصلون العمل مع الفرق الصحية الجوالة لمعالجة ضحايا الامراض المستوطنة، أضافة لدوره الفاعل في حل المشاكل الاجتماعية والعشائرية.
لكن كل هذا لم يدم طويلاً، حيث حصلت الردة الرجعية وتكاثرت محاولات الاستيلاء على الاتحاد من قبل اغنياء الريف وكبار الملاكين، الذين تحالفوا مع انقلابيي شباط الاسود عام ١٩٦٣ ، فيما قام البعث الصدامي بعد انقلابه الثاني بتحويل الاتحاد الى منظمة حزبية تابعة له. ورغم هذا بقيت العشرات من الجمعيات غير خاضعة له، تمارس عملها في الدفاع عن مصالح الفلاحين على الرغم من اقدام النظام المقبور على حل المزارع الجماعية والجمعيات التعاونية.
وبعد الخلاص من الدكتاتورية المقيتة عاد الاتحاد للعمل، وجراء صراع وتأثيرات القوى المتنفذة على قيادته شُلّ عمل الاتحاد المركزي. في حين تفرض التطورات الجارية وحالة التمايز الحاصلة في الريف ، وما حصل من الغاء الدعم المقدم للفلاح وللزراعة من الاسمدة والبذور وبعض المبيدات والعلاجات الحيوانية، وعدم تسديد أثمان محاصيل الفلاحين في وقتها المحدد عند تسليمها، إضافة لشح المياه … إن كل هذا وغيره يفترض وجود اتحاد قوي ومتماسك للدفاع عن مصالح وأراضي الفلاحين والمزارعين ومربي الحيوان، وعن البوادي العراقية التي استبيحت من قبل المتنفذين. كذلك اسهامه في تفعيل دور الفلاحين ونشر التعاونيات وإدخال التقنيات الحديثة في الزراعة والري ، وكل ما يسهم في تطوير القطاع الزراعي الوطني وزيادة إسهامه في تأمين السلة الغذائية للمواطنين.
ان الحاجة ماسة اليوم لوقف التدخلات في شؤون الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية من قبل المتنفذين والمؤسسات الحكومية والتشريعية، وللسماح له بأجراء انتخابات حرة ديمقراطية لاختيار قياداته من الجمعيات التعاونية الفلاحية وصولا الى المجلس المركزي. وان كوادر الاتحاد بما يمتلكون من التجربة الثرة الكبيرة مؤهلون لادارة شؤونه دون تدخلات وبعيدا عن صراع المصالح الضيقة.
ان الفلاح العراقي في عيده السنوي يستحق كل دعم واسناد ، فيما يبقى الريف بحاجة ماسة الى إعادة اعماره وتطوير قواه المنتجة المادية والبشرية.
مهّد رئيس مجلس الوزراء لزيارته الى واشنطن بنشر مقال بقلمه في مجلة الشؤون الخارجية الأميركية «فورن افيرز»، تناول فيه قضايا أساسية ومهمة وذات صلة ليس فقط بمستقبل العلاقة بين العراق والولايات المتحدة، بل وبالعديد من القضايا العقدية التي تشكل تحديات كبرى امام الحكومة والقوى السياسية الحاكمة، ومختلف الفعاليات السياسية والاجتماعية، والشعب العراقي بأطيافه كافة.
وفيما يخص العلاقة مع أمريكا، سيكون محورها الأساسي من وجهة نظر العراق، إعادة تنظيمها وترتيبها ليس فقط فيما يتعلق بتواجد القوات الأمريكية وقوات التحالف، وإنما ايضاً بإنهاء تداعيات وآثار الاحتلال ورفع مختلف أشكال التدخل والوصاية على الشأن العراقي في الميادين العسكرية والمالية، ولا يمكن الا الاتفاق على أهمية وضرورة ان تُبنى، كما مع بقية دول المنطقة والعالم، على أساس المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، واحترام سيادة العراق وقراره الوطني المستقل، ووقف اية تدخلات في شؤونه الداخلية، العسكرية وغيرها. وفي هذا الشأن لابد من السير بخطوات ملموسة وبتوجه واضح لتعزيز قدرات العراق وامكاناته على مختلف الصعد، بما يمكّن القوات العسكرية والأمنية العراقية من أداء مهامها الدستورية والقانونية في تحقيق الامن والاستقرار، وحماية السيادة والنظام الديمقراطي الاتحادي (الفيدرالي). وان تكون واضحة أهمية وضرورة الرفض التام لاي وجود عسكري أجنبي على أراضي وطننا، ومن اية جهة ودولة كان، وتجنيب بلدنا صراع المصالح الذي لا ناقة لشعبنا به ولا جمل.
وفي هذا السياق وفيما اشّر مقال رئيس الوزراء وجود السلاح خارج مؤسسات الدولة، وتعهد بمعالجة الامر بما يحمله من تعقيدات جمة، مؤكدا وجوب أن يكون التحكم بقرار الحرب والسلم بيد الحكومة والدولة حصرا، وهو امر سليم، تبقى خطوات وإجراءات تطبيق هذه الوجهة متواضعة جدا، ولم يمكن تلمس نتائج محسوسة وذات شان في هذا السياق حتى الآن، فضلا عن زيادة عديد التشكيلات العسكرية او شبه العسكرية واغداق الأموال عليها، ما يضع الحكومة ومختلف القوى ذات العلاقة امام تحد كبير واختبار لجديتها في رفع شعار حصر السلاح بيد الدولة.
وفي هذه الزيارة المهمة لابد ان تكون قضايا الشرق الأوسط على طاولة البحث، وبالذات العدوان الصهيوني المتواصل على الشعب الفلسطيني، والمطالبة الواجبة بالوقف الفوري لحرب الإبادة، وتوقف الولايات المتحدة الامريكية عن دعم الكيان الصهيوني وعدوانه المستمر، وان تتم تلبية حقوق الشعب الفلسطيني العادلة كاملة.
من جانب اخر وارتباطا بوضع بلادنا الداخلي ومسار الاحداث فيها، ذكر المقال ان امام العراق طريقا مليئا بالتحديات، وان من الواجب ولوج طريق التنمية، والاقدام على إصلاحات اقتصادية ومالية، وتعزيز حقوق الانسان، وتمكين المرآة، وتعزيز مباديء الحرية والديمقراطية، ومحاربة الفساد والإرهاب، وتنويع مصادر الدخل الوطني، وغيرها من القضايا.
ولا شك ان الحديث عن هذه القضايا المهمة واعتبارها تحديات امام الحكومة والقوى المشكلة لها والداعمة، يؤشر الحاجة الى معالجات جدية لها، ورسم خارطة طريق بتوقيتات محددة للتنفيذ والانتقال من مرحلة الى أخرى. فالكثير من هذه التعهدات جاء بها البرنامج الحكومي، لكن بعض جوانبها لم تنفذ، بل ويلاحظ نكوص وتراجع عنها واتخاذ قرارات تناقضها، خاصة ما يتعلق بالحريات العامة وتعزيز الممارسة الديمقراطية. وقد بالغ بعض المحافظات والوزارات كثيرا في إجراءاته ذات العلاقة، وعلى مرأى ومسمع من الحكومة والبرلمان، اللذين لم يحركا ساكنا للحفاظ على روح ومبادئ الدستور، ووقف هذا التقزيم التدريجي للديمقراطية تحت عناوين شتى.
وهنا يثار سؤال مهم يتعلق بالتحدي الأكبر كما نرى. إذ لا يمكن المضي قدما في تحقيق الوعود دون ادخال إصلاحات جدية وجوهرية على نهج إدارة الدولة وبناء مؤسساتها والتوجه الجدي نحو الخلاص من نهج المحاصصة، فمن دون ذلك لا يستقيم ولا يمكن وضع حد لتفشي ظاهرة الفساد في ظل تواضع الإجراءات بشأنها.
وتشير تجارب الشعوب الى أن مواجهة تحديات كالتي أشار اليها رئيس الوزراء، تتصل وثيقا بتعزيز مدنية الدولة، وترصين بناء مؤسساتها على أساس المواطنة والعدالة الاجتماعية.
هنا تكمن نقطة البدء والانطلاق، فما لم تتخذ خطوات واضحة جدية لإعادة توزيع عادل للدخل الوطني، وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية وتوفير الخدمات الأساسية، وبناء سلم اهلي ومجتمعي وطيد على اساس تعزيز هيبة الدولة وامكانية انفاذ القانون بالفعل على الجميع، تبقى الوعود وعودا.
ومن المؤكد ان تحقيق التعهدات أيضا لا يجمعه جامع مع أي مسعى لاحتكار السلطة، وتحويل تداولها السلمي الى تبديل لأدوار المتنفذين، وتضييق دائرة اتخاذ القرار الوطني.
ان اعلان التوجهات امر مفيد ومهم، لكن العبرة لا تكمن في حسن النوايا على أهميتها، وانما في ان ترى تلك التوجهات النور وتتحول إلى واقع ملموس ومعاش، وان تكون في خدمة المواطنين جميعا من دون تمييز.
عقد الحزب الشيوعي العراقي صباح امس السبت مؤتمراً صحفياً، اعلن فيه واطلق الحملة الوطنية لبناء مقره الجديد، بحضور جمهور واسع وجمع من وسائل الاعلام العراقية تتقدمها القنوات التلفزيونية الفضائية: العراقية الإخبارية، الشرقية، دجلة، روداو، العهد، الرشيد، والصحف المحلية.
وحيا الرفيق حسين النجار في مفتتح المؤتمر الصحفي وسائل الاعلاموشكرها على المشاركةوعلى دعمها لنشاطات الحزب عموما. بعدها قدم الرفيق مفيد الجزائري بيان الحملة (ننشر نصه في ادناه) ثم أجاب على سؤال احد الصحفيين حول ممتلكات الحزب التي صادرها النظام الصدامي السابق.
وقال الرفيق الجزائري في رده ان "حزبنا كانت لديه مقرات عدة وعقارات وممتلكات اخرى مختلفة، وقد جرت مصادرتها جميعا من قبل الدكتاتور صدام حسين، وبقرار حمل توقيعه شخصيا وليس بقرار قضائي. لكننا لم نتمكن من استعادة الا القليل جداً من هذه الممتلكات بعد 2003، بعد ان جرى تحويل مطالباتنا بها الى المحاكم، التي يعرف الجميع حجم القضايا المعروضة عليها وبطء اجراءاتها القانونية".
وأضاف ان الحزب الشيوعي العراقي طلب اكثر من مرة ان تعاد ممتلكاته بقرار من رئيس الوزراء، مثلما جرت مصادرتها بقرار منصدام حسين وليس بقرار قضائي، لكننا جوبهنا بالرفض وجرت احالة طلباتنا الى المحاكم، ولا ندري كم ستستغرق بعد عملية اعادة حقوق الحزب.
وتابع الرفيق الجزائري قائلا انه "ليس امام الحزب اليوم سوى مواصلة اشغال مقره الحالي في ساحة الاندلس، المستأجر من الجهات الحكومية، وسوى التوجه الى بنات وابناء شعبنا عبر هذه الحملة التي نعلنها اليوم لبناء مقر جديد له. فحزبنا كما يعلم الجميع يعتمد في تسيير اموره على أعضائه وأصدقائه لا غير، وليس لديه احتياط مالي، ولا اطراف او جهات يعتمد عليها لتمويل نشاطه".
واعرب الجزائري عن اليقين ان الحملة التي اطلقها الحزب ستجد استجابة واسعة من طرف العراقيات والعراقيين، الذين عرفوا حزبنا وخبروه جيدا في السنين الماضية بشكل خاص، فهم يعلمون جيدا ان أي مقر يبنيه سيكون مقراً لهم هم .. نعم، فبيت الشيوعيين هو بيت العراقيين".
بيان اطلاق الحملة
احبتنا واصدقاءنا.. بنات وابناء شعبنا
ندعوكم لتكونوا معنا
ساهموا وإيانا في المسعى الوطني لبناء مقر يكون بيتا للناس، بيتا للعراقيين ولانشطتهم الفكرية والسياسية والثقافية.
عليكم نعوّل في دعم وإنجاح حملة بناء المقر المركزي للحزب الشيوعي العراقي في بغداد.
اليكم نتوجه كما نفعل دائما حين تمس حاجتنا الى المساندة والعون بكل اشكالهما .. فأنتم لا غيركم من نتطلع اليه اليوم وفي كل يوم، والى ما يجود به.
في كل حين وفي مواجهة كل التحديات، اعتدنا ان نرجع اليكم وحدكم ونطلب منكم العون والاسناد.
ومن خلالكم نهيب بجميع المخلصين لقضايا شعبنا، ان يمدوا اياديهم الكريمة ويعضدوا حملتنا ويدعموا سعينا الى بناء مقر نريده صرحا وطنيا، يجسد العطاء المتجدد للناس والوطن، والوفاء لقيم البناء والتمدن والتقدم.
لقد راهنا دائما في كل ما نخطط وما نفعل، على دعم شعبنا وقواه الخيّرة وكل العراقيين الشرفاء، الذين عرفوا الحزب الشيوعي مؤسسة فكرية سياسية تقدمية، وخبروه فصيلا كفاحيا وطنيا ناضل بثبات ووهب ما وهب من تضحيات، في سبيل عراق حر مزدهر ينعم أهله بالامن والعيش الكريم ..
.. وعليهم نراهن اليوم ايضا، ونحن نتطلع ونسعى الى إقامة مقر يكون صرحا ثقافيا، ومنصة للتنوير، ومسرحا للابداع ولشتى الفنون، ومكتبة تغذي الإنتاج الفكري، وورشة للتفكير والنقاش، ومحفلا لمواطنين أحرار في وطنهم من دون تمييز.
وبدعمكم سنقيمه في النهاية .. مقرا يحتضن كل الاوفياء للشعب والوطن ولقضاياهما، ومجلسا للقوى والشخصيات الوطنية المدنية واليسارية والثقافية، ومنطلقا لمواصلة العمل المثابر والمتفاني من أجل التغيير الشامل .. للخلاص من منظومة المحاصصة والطائفية السياسية والفساد، وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
تحل اليوم، التاسع من نيسان، الذكرى الحادية والعشرون لانهيار أعتى دكتاتورية عرفها العراق والمنطقة خلال عقود. ويظل هذا اليوم محاطا باللبس والنظرة إليه موضع جدل، لأن التغيير جاء عبر الحرب والاحتلال. وقد انعكست هذه الطبيعة المزدوجة لما حصل في الموقف الشعبي، إذ لم يستقبل شعبنا القوات الغازية التي اجتاحت بلادنا بالورود، فيما عبرت عن فرحتها الغامرة بزوال الحكم الاستبدادي.
إن شعبنا يستذكر هذا اليوم الفارق في تاريخ الدولة العراقية الحديثة وفي النظام السياسي للبلاد، بمشاعر تطغي عليها خيبة الأمل، كما تسلل الإحباط في نفوس الكثيرين، فلم يأت سقوط النظام الدكتاتوري بالبديل الوطني الديمقراطي الحقيقي الذي كان يعول عليه لتحقيق أمل شعبنا وما يتطلع إليه.
فحصيلة العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والأثنية التي انطلقت بعد التغيير في ظل الاحتلال، والتي هدفها انجاز عملية الانتقال من دولة يحكمها نظام دكتاتوري شمولي إلى دولة دستورية ديمقراطية اتحادية، قيام نظام سياسي يعاني من أزمة بنيوية تتجلى في الطبيعة الزبائنية المتضخمة للدولة بفعل التعامل معها كغنيمة تتقاسمها قوى المحاصصة واستشراء الفساد في مفاصلها والفشل في تقديم الخدمات الأساسية وحماية استقلالية القرار الوطني وسيادة العراق من التدخلات الخارجية، والابتعاد عن مبدأ المواطنة والهوية العراقية، إلى جانب تكريس الطابع الريعي الاستهلاكي للاقتصاد العراقي وتعميق التفاوت في الدخل والثروة في المجتمع وظهور القلة من أصحاب الثروات الطائلة بجوار الفقر الذي اتسع ليشمل ما بين ربع وثلث سكان العراق.
فهل كان هذا المسار لتطور الأوضاع خلال العقدين الأخيرين محتمًا نتيجة طريقة التغيير وآثار وتداعيات الاحتلال، أم أنه جاء كنتيجة لخيارات ومواقف ونهج قوى الطائفية السياسية التي تصدرت قيادة العملية السياسية؟
وفي سياق التعامل مع هذه التساؤلات واستخلاص الاستنتاجات لتحديد مسارات المستقبل لانتشال العراق من أزماته ووضعه على سكة الحلول الجذرية المفضية إلى بناء دولة مواطنة، مدنية ديمقراطية تحقق العدالة الاجتماعية، نذكر بمواقف حزبنا وتحذيراته من التعويل على التدخل الخارجي والحرب في عملية التغيير، ومواقفه اللاحقة بعد التغيير.
إن حزبنا كان يعي جيدا مخاطر التعويل على الحرب والعامل الخارجي في التغيير، فقد رفض الحرب وساهم في حركات الاحتجاج العالمية ضد الحرب تحت شعار الحركة العالمية ضد الحرب" لا للحرب.. لا للدكتاتورية".
وحذر بوضوح قبل الحرب كما جاء في التقرير الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية في شباط 2002، بأن للحرب تداعيات ونتائج وخيمة على أوضاع البلد وحياة الشعب، ولا تأتي بالديمقراطية الحقيقية، ودعونا إلى وحدة عمل القوى المعارضة للدكتاتورية والتأكيد على العامل الداخلي مع حشد الدعم والتضامن العالميين لنضالنا. ونرى في التطورات الني شهدها بلدنا خلال العقدين الأخيرين ما يؤكد إلى حد كبير صحة هذه التقديرات والمواقف.
لقد وضعت الحرب ونتائجها، والحقائق الجديدة بعد ٩ نيسان ٢٠٠٣، شعبنا وقواه وأحزابه الوطنية ومنها حزبنا الشيوعي العراقي أمام مهام يتلازم فيها الوطني مع الديمقراطي، والسياسي مع الاجتماعي، أي إنهاء الاحتلال واستعادة السيادة، وإعادة بناء الدولة العراقية على أسس دستورية ديمقراطية اتحادية، وتحقيق تنمية اقتصادية – اجتماعية، وضمان تحقيق الحياة الحرة الكريمة الآمنة للمواطنين العراقيين.
فبعد سقوط النظام الدكتاتوري وانهيار مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وظهور فراغ سياسي، بادر حزبنا إلى دعوة أحزاب وقوى المعارضة إلى اللقاء وعقد مؤتمر وطني تنبثق عنه حكومة مؤقتة لإدارة أوضاع البلاد التي تعيش حالة فوضى عارمة، ولكن الحسابات الضيقة للقوى الأساسية حالت دون ذلك ما يَسّر على الولايات المتحدة وحلفائها إعلان حالة الاحتلال. وكان غياب المشروع الوطني لدى معظم قوى المعارضة وتبنيها للطائفية السياسية عاملا مهما في إطلاق المحتل، بالتوافق مع قوى سياسية عراقية، عملية سياسية تقوم على التقاسم المحاصصي الطائفي والإثني للدولة، عملنا على خوض الصراع من أجل إنهاء الاحتلال، وحول المستقبل وشكل الدولة والنظام السياسي- الاقتصادي والاجتماعي، من داخلها، ومن خلال الضغط الشعبي.
ومع إصرار قوى الطائفية السياسية على نهج المحاصصة الطائفية – الأثنية في الإدارة، وفي بناء مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وتشبثها بامتيازات ومنافع السلطة والاستحواذ على مواردها، وتفشي الفساد في الدولة والمجتمع، الذي صار منظومة متكاملة، متعشقة مع المتنفذين في مؤسسات الدولة وأصحاب القرار، توالت أزمات البلاد وتعمقت وبات واضحا بأن منظومة الحكم عصية على الإصلاح بسبب المصالح الفئوية الضيقة للقوى المتحكمة بالعملية السياسية، أصبح التغيير نحو دولة المواطنة الديمقراطية ضروريا لإخراج البلاد من أزماتها ووضعها على طريق الأمن والسلام والاستقرار والتنمية المستدامة.
إن أوضاع بلدنا ما تزال تعاني من الأسباب التي أدت إلى اندلاع انتفاضة تشرين الباسلة، من فقر وسوء خدمات وفساد يضاف إليها انخفاض في القدرة الشرائية لشرائح متزايدة من المجتمع وتضييق على حرية التعبير والحريات العامة ما يتطلب المزيد من التنسيق والتعاون بين قوى التغيير، والتوجه الجاد نحو توسيع قاعدة القوى المعارضة لنهج المحاصصة ومنظومته السياسية وتنظيم صفوفها بما يتيح تعديل موازين القوى لصالح عملية التغيير والتداول السلمي للسلطة، والسير على طريق الإعمار والبناء وإقامة دول المواطنة والقانون، الدولة المدنية والديمقراطية كاملة السيادة، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
في الوقت الذي تتنامى فيه ظاهرة التجارة بالمخدرات، وتتصاعد فيه التحذيرات من خطورتها على المجتمع، أصدرت رئاسة الجمهورية، بتوصية من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، عفواً خاصاً عن شخص مدان قضائياً بتجارة المخدرات.
ويأتي العفو الرئاسي في وقت تضاعف فيه القوات الأمنية جهودها لمحاربة ظاهرة انتشار المخدرات بين اوساط الشباب، حيث يعلن يوميا عن اعتقال عشرات التجار والمتعاطين.
كما أنه يأتي متزامنا مع جريمة اغتيال قاضٍ مختص بقضايا المخدرات في محافظة ميسان.
والغريب أنه جرى التكتم على إعلان المرسوم المذكور، الذي فاجأ الرأي العام بعد تسريبه أخيراً.. والذي جرى اعتباره في إطار مساومات سياسية جارية الآن!
إننا في الوقت الذي ندعو إلى تشديد الاجراءات ضد المتاجرين بمستقبل شبابنا، أياً كانت خلفياتهم السياسية والمجتمعية، نحذر من الرسالة الخطرة التي يبعثها هذا الاجراء الخاطيء -العفو الخاص المذكور- إلى المجتمع والاجهزة الامنية العاملة على محاربة تلك الآفة.