هي شبيبة عراقية من الفتيات والفتيان، منهم من ولد في العراق وترعرع بدول المهجر، ومنهم من ولد في المهجر ولم يزر العراق، وفي كلا الحالتين نتكلم عن عراقيين صلة الوصل بينهم وبين العراق، هو حب ذويهم للوطن الأم.

للفترة من 15 إلى 17 أيلول 2023 أقيم على أرض باريس مهرجان اللومانيتيه، الذي تنظمه الجريدة الرسمية للحزب الشيوعي الفرنسي، وتشارك فيه منذ العام 1969 جريدة طريق الشعب، الجريدة الرسمية للحزب الشيوعي العراقي، بخيمة تعكس خلال ثلاثة أيام الصورة الأخرى للشعب العراقي، التي لا يظهرها الإعلام منذ زمن الدكتاتورية إلى يومنا هذا، إلا ما ندر.

ولأنني شاهد عيان منذ عشرين عاما بلا انقطاع، ضمن فريق عمل فعاليات خيمة طريق الشعب، لم أشاهد مشاركة شبابية في التخطيط والتنفيذ قبل انطلاق المهرجان بأشهر وخلاله، مثلما شاهدته هذا العام. فتيات قدمن صورة ولا أروع، امتزجت مع احتفالية خيمة طريق الشعب بمئوية الراحلة الانسانة الشيوعية الطبيبة الوزيرة إحدى مؤسسات رابطة المرأة العراقية والنزيهة قولا وفعلا نزيهة الدليمي، أول وزيرة في العراق والشرق الأوسط وشمال افريقيا، وأحد أبرز الأسماء النسوية على الساحة العالمية من الشرق الأوسط وشمال افريقيا. فتيات شاركن اللجنة التحضيرية، في اجتماعات عديدة ومطولة، تحملن كل شيء من أجل مشاركة فعالة في خيمة طريق الشعب، قدمن مقترحات جديدة واجهت مخاوف وشكوكا في قدرة الخيمة على تنفيذها، لكن بصبرهن وطول بال، استطعن قضم المخاوف بتقديم التوضيحات والبدائل لتذليل الصعوبات والمعوقات، حتى تمكنّ من تنفيذ افكارهن وفرض وجودهن على الساحة. لم تكن افكارهن الجديدة سهلة التنفيذ لو لا وجود اجتماعات تحضيرية مع شبيبة آخرين سبقت اجتماعات اللجنة التحضيرية لخيمة طريق الشعب، بحثوا جميعا الأفكار التي يمكن ان تطور نشاطات الخيمة، وما هي السبل التي يمكن ان تعكس صورة حضارية عن المجتمع العراقي، بعيدا عن الحروب وعسكرة المجتمع، والغلو الديني، والعنصرية الطائفية، والعرقية.

بعيدا عن الخوض في المجهود الكبير الذي بذلته الشبيبة قبل أيام المهرجان، أستطيع القول إنها داخل خيمة طريق الشعب مسكت أغلب المواقع الهامة في القضايا العملية، فاتحة المجال للرفيقات والرفاق المخضرمين بالتفرغ للبرنامج السياسي والثقافي للخيمة. هذا لا يعني التنكر لمجهود الرفيقات والسيدات زوجات وصديقات واقارب الرفاق بالإضافة إلى الرفاق والأصدقاء لحجم دورهم في إنجاح الخيمة هذا العام. كان لوجود الشبيبة في الخيمة مبعث أمل في تعاقب الأجيال وتقدمهم لمواقع جديدة في النضال، من أجل عراق جديد، تتراجع فيه الهويات الفرعية امام الهوية الوطنية، وتتساقط العنصرية الدينية والقومية والطائفية، انهم الفراشات التي تنبؤنا بالربيع، وعودة الطيور المهاجرة لأحضان الوطن الجريح.

صور مفرحة وضحكة

الشبيبة الواقفة على البيع وتجهيز اللفات، لم يكن لديها الوقت للمشاركة بالرقص على أنغام موسيقى فرقة بابل، او اختيارات (DJ) الخيمة، فكانوا يرقصون في أماكنهم مع زبائن الخيمة، والضحكات تعلو وجوههم.

قدم الشاب أسل من فرنسا فقرة غنائية على طريقة الراب باللغتين العربية والفرنسية نالت تفاعل الجمهور بالرقص والمطالبة بالإعادة.

قدمت الطفلة صبا من هولندا فقرات متعددة من الغناء باللغتين العربية والإنكليزية، على مسرح الخيمة. عندما استفسرت من أمها كيف لها ان تفهم أغاني سعدي الحلي وسعدون جابر وفؤاد سالم وغيرهم، قالت إنها تحفظهم عن ظهر قلب، أنا ووالدها نشرح لها المعنى.   

كانت الشبيبة تنتقل من عمل لآخر، وعندما يشعرون بالتعب، كان بعضهم يعترض بانفعال وغضب، ويتحمل الآخر ضغط العمل وثقل المسؤولية، لكن في النهاية كانوا جميعا يعودون إلى العمل بدون ان يطلب أحد منهم ذلك، شعورا منهم بالمسؤولية.

في أوقات انفعال وزعل الشبيبة، كنت ورفاق آخرون نكلمهم عن نجاح تجربتهم، وضرورة الاستمرار بها، وتحمل الضغوط، حتى يثبتوا للجميع امكانياتهم خاصة تحمل المسؤولية وتعزيز نشاط الخيمة بما هو جديد، والمضحك حين يعودون للعمل يطالبون باجتماع بعد انتهاء المهرجان لمناقشة الأسباب التي جعلتهم يغضبون وينفعلون. لقد كانوا جميلين وهم يحملون تعابير الغضب.

عندما يشتد الوطيس وتكبر حلقات الرقص داخل الخيمة للشبيبة الفرنسية على أنغام الموسيقى العراقية، بأعداد تفوق استيعاب الخيمة، كانت شبيبتنا تتسرب إلى حلقات الرقص كلما سنحت الفرصة، ثم يعودون للعمل مع أول زبون يقف عند طاولة الشراء.

لا بد أن أشهد ان الشبيبة العراقية وهم يقدمون تلك الصورة الجميلة عن العراق، كانت الشبيبة الأوربية التي تزور المهرجان تجري إلى المسرح الكبير الذي يقدم فنانين عالمين، لا يمكن حضور احتفالاتهم بدون دفع مبالغ كبيرة من المال. في هذه الاوقات كانت الشبيبة العراقية، تحضر الطعام، وتقطع بطاقات البيع، وآخرون يحضرون طلبات الزبائن، إنهم عراقيون ولا أجمل.

آخر الصور، عندما انتهى المهرجان وأخذت الشبيبة الفرنسية تترك الأرض، كانت الشبيبة العراقية تعمل على غسيل أدوات العمل، وجمعها، وتغليفها، وتحميلها، لضمان سلامتها واستخدامها في العام القادم.

لو يحق لي أن اشكرهم لشكرتهم ألف مرة، لكن لا أرغب أن اسلب حقهم في التعبير عن وطنيتهم، وتقديم صورة مشرقة عن جيلهم الذي يعيش في المهجر.  

الشبيبة جاءت من عدة دول اوربية فيهم من أصول عراقية وعربية وفرنسية، لهم أسماء اسطرها لكم

اسيل، ريا، سمر، هشام، اسل، مصطفى، صفاء، مرح، احمد، علي، محمد، أسماء، ايلا، تاليا، ليا، ريمي، سومر، سامي، محمد.

 
 
 
 

عرض مقالات: