أقام الديوان الشرقي الغربي في مدينة كولون الألمانية يوم السبت 2 أيلول 2023، أمسية ضمن فعالياته عن البيئة والمتغيرات المناخية في العراق "مشروع سد الجزرة التركي" لقطع ما تبقى من مياه نهر دجلة عن العراقيين، قدمها الدكتور بدر الجبوري المختص بزراعة البلدان المدارية وشبه المدارية، محذرا عن المخاطر المحيطة بالحياة الطبيعية في العراق ومشكلة التوازن البيئي في المستقبل القريب.

 أشار د. بدر الجبوري أن العراق وضع في دائرة أخطر المناطق في العالم، عرضة لكوارث ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، نتيجة التغييرات المناخية التي تضرب الكرة الأرضية، بسبب الاحتباس الحراري، الناجم عن السلوك الخاطئ للإنسان، بفعل الحروب وأساليب الإنتاج وطرق التدفئة والتنقل التي تخلف كميات كبيرة من الانبعاثات الحرارية، على رأسها ثاني أوكسيد الكاربون. منبها لنوع آخر من المخاطر، تتعلق ببناء السدود أما لتفادي خطر الفيضانات، او استغلالها بالزراعة، او توليد الطاقة الكهربائية، أو توفير فرص العمل، او حروب اقتصادية لتجويع الشعوب وارضاخها لسياسات لا إنسانية.

مضيفا ان تركيا ماضية بمخططاتها في بناء السدود، رغم كل ما يشهده العراق من مخاطر، أدت الى تغيرات بيئية، نتج عنها نزوح من مناطق كانت الى يوم قريب مأهولة بسكانها، الذين تمتد جذورهم الى آلاف السنين في مناطق الأهوار وعدد من القرى الواقعة على نهري دجلة والفرات والانهار المغذية لهما، وهذا لا يبتعد عن سياسة إيران التي وصلت الى قطع اثنين وأربعين نهرا ورافدا كانت تصب في نهر دجلة أبرزها كارون، الذي ما عاد يصل منه شيئا لشط العرب، بتغيير مسارها الى الداخل الإيراني ومنه الى الخليج.

وأشار الدكتور بدر إلى ان المشكلة تتعلق ببلدين لا تحترم القانون الدولي، بالإضافة الى أن الأمم المتحدة لا تبذل مجهودا لحل تلك النزاعات، انما تكتفي بتوجيه النصائح بالتوصل لاتفاق منصف بين دول المنبع والمصب. لكن المشكلة الأكبر تتحملها الحكومات العراقية المتعاقبة منذ زمن الدكتاتور وصولا الى حكومة السيد محمد شياع السوداني، لأنها لم تبذل ما يكفي من جهود للوصول الى اتفاقات منصفة بين العراق وكل من تركيا وإيران، خاصة إن الإمكانيات متاحة بامتلاك العراق لأوراق اقتصادية وجغرافية، فيما لو اتبعت لتمكنا من الوصول الى تكامل اقتصادي مع الجارتين، يتيح وصول المياه للعراق، قادرة على إنعاش البيئة واستمرار تقاليد حياتية لمجتمعات تمتد جذورها في المنطقة لآلاف السنين.

ينبه الدكتور بدر الجبوري الأحزاب العراقية الماسكة بالسلطة، من مغبة الاستمرار بسياسة التبعية لتركيا وإيران، مذكرا ان آخر البحوث العلمية تشير ان الاكديين اضطروا الى الهجرة بسبب حالة الجفاف التي اصابت بلاد ما بين النهرين، لأنهم لم يكونوا قادرين على توفير المياه عصب الحياة. رابطا ذلك بمشروع تركيا في بناء سد الجزرة إذا ما انتهت منه، فانه قادر على قطع آخر قطرة مياه ستصل الى العراق، مذكرا ان تركيا اليوم ترسل خمس حصة العراق من المياه، لكنها مياه ملوثة نتيجة تشغيل توربينات توليد الطاقة الكهربائية، وهي ساعية الى تنفيذ سياستها الرامية الى "تبادل كل قطرة ماء بقطرة نفط".

أما الحلول التي يراها دكتور بدر الجبوري، فهي تتعلق بتوعية الشعب العراقي بالمخاطر الناجمة عن رضوخ الأحزاب الحاكمة لرغبات دولتي المنبع، وعدم تقديم حلول عملية في التفاوض معهما، وانشغالها بسرقة أموال الشعب، وإهمال أساليب الزراعة الحديثة، وإعادة تدوير المياه، واستغلال المياه الجوفية لزراعة الصحراء الغربية في مدن الانبار وكربلاء والسماوة.

ومن مداخلات جمهور الديوان تمت الإشارة الى مخاطر ضياع الوقت في التوصل الى حلول جذرية، والاستفادة من القدرات العلمية للعراقيين من كفاءات داخل وخارج الوطن، مذكرين بتجارب مشابهة في افريقيا وامريكا الجنوبية والشمالية، خاصة هناك تجربة لدول الخليج العربي التي تمكنت بفضل التكنلوجيا الألمانية في تحلية مياه البحر، مشيرين ان نقل مياه البحر الى الأراضي الخصبة بواسطة مضخات وانابيب، من شأنها خلق توازن سكاني يخفف من الضغط الواقع على المدن الكبيرة، بدل الاهتمام بمشاريع غير مجدية مثل ربط السكك الحديدية مع ايران وايصال خط أنبوب نفطي الى ميناء العقبة، كلها على نفقة العراقيين، الأولى بالحكومة العراقية اللجوء الى توفير منظومات الري الحديثة لإبطال الحجة التي تتذرع بها تركيا، والشروع باستغلال المياه الجوفية في الصحراء الغربية، والبحث جديا بنقل التكنلوجيا الحديثة لتحلية مياه البحر.

عرض مقالات: