في خمسينيات القرن الماضي كان هناك عدد كبير من الفرنسيين يعملون ويعيشون في الجزائر، خلال فترة الاستعمار الفرنسي، إذ كانت فرنسا تعتبر الجزائر امتدادا  لخارطتها، وما البحر بينهما إلا حاجزطبيعي، ورغم هذا البحر فإنها تشكل جنوب فرنسا الجميل، الذي لا يمكن الاستغناء عنه!

ولكن موقف الشعوب يختلف عن موقف الحكومات في حالات عديدة، وخير مثال على ذلك موقف الشيوعيين والمثقفين الفرنسيين من احتلال الجزائر، والموقف صار أكثر وضوحا وتميزا خلال الحرب الفرنسية الجزائرية ( 1954 - 1962).

لعب الشيوعيون الفرنسيون دورا مهما ومؤثرا في دعم الثورة الجزائرية، إذ انتمى معظم العاملين في الجزائر إلى الحزب الشيوعي الجزائري وأقاموا صلات نضالية معه، وكان مطاردا من قبل الجيش الفرنسي المحتل.

المواطن الفرنسي موريس اودان ولد عام 1932، وخلال حرب التحرير الجزائرية كان يعمل أستاذا للرياضيات في جامعة الجزائر، وكان منتميا للحزب الشيوعي الجزائري. ونتيجة لنشاطه ومثابرته في دعم الثوار الجزائريين، قامت الأجهزة الفرنسية باعتقاله.

في 11 حزيران 1957 تم اقتياده ليلا من منزله بتهمة إيواء عناصر ناشطة في الحزب الشيوعي الجزائري. وحاولت الأجهزة القمعية والمخابراتية تلفيق خبر في تقرير صادر عن الجيش الفرنسي بتاريخ 24 حزيران 1957 يعلن عن " فرار " موريس اودان المقبوض عليه أثناء نقله لاستجوابه في صباح 22 حزيران 1957، ومنذ ذلك التاريخ لم يظهر لموريس أودان أي اثر . يعتبر هذا التاريخ آخر خبر عنه تتلقاه عائلته، المكونة من زوجته وأطفاله الثلاثة.

في فرنسا ، بعد 1962، اي بعد إعلان استقلال الجزائر ، شكلت قضية موريس أودان برهانا على اتهام الجيش الفرنسي بقيامه بأعمال تعذيب وحشية تجاوزت الإتفاقيات الدولية حتى مع أبناء وطنه الاصليين!

وحقيقة أمر اختفاء المناضل الشيوعي موريس اودان هو ان الجنرال المظلي بول اوساريس، قام باغتياله بطعنه بسكين أثناء التحقيق معه، وقد اعترف هذا الجنرال بفعلته في 2003 خلال حوار مع صحيفة اللوموند الشهيرة.

في الاسبوع الماضي قام رئيس الجمهورية الفرنسية ماكرون بزيارة زوجة موريس اودان معترفا بجريمة اغتيال زوجها ومعتذرا، منها، باسم الشعب والجمهورية عن هذه الجريمة.

كان تعليق زوجة اودان مقتضبة: " لقد تأخر الامر كثيرا" ثم استدركت " ان تأتي متأخرا خير من ان لا تأتي"!

ترى من سيمتلك الرجولة، حتى لو جاء متأخرا، ويعتذر عن اغتيال الشيوعيين العراقيين الذي تواصل منذ أربعينيات القرن الماضي؟!

عرض مقالات: